|
العقاد بين تعنت الرقابة وقتل الإرهاب
محمد عبد الخالق
الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 07:08
المحور:
الادب والفن
حطام ودمار وفزع ودماء متناثرة لم يفكر أبداً فى يوم من الأيام أن يضمنهم مشهداً من مشاهده، فجاءت رغماً عنه خارج إطار كادرات السينما فى آخر مشهد حقيقى اختطف فيه الموت ابنته من حضنه من إخراج كتلة سوداء التصقت بجبين المجتمع أطلقنا عليها (إرهاباً)، وسرعان ما كان إلى جوارها روحان متلازمان كما كانا قبل لحظات.
لو أردنا الحديث عن مصطفى العقاد فلن تسمح المساحة مهما اتسعت لتناول هذا الرجل من جانب واحد فقط من جوانب حياته التى تعددت، وبالطبع لا نعرف غير أحد هذه الجوانب وأقصد الجانب الفنى، أما مصطفى العقاد الإنسان فلنتركه لأصدقائه أو لمن كان لهم حظ الاقتراب منه ولو لدقائق.
جاء العقاد من الولايات المتحدة لحضور عرس فى العاصمة الأردنية عمان ، لكن الأقدار تشاء أن يكون عرسه وابنته وعدد كبير من الحضور للسماء، ففى بهو الفندق الذى أقيم فيه العرس وقف شامخاً كعادته لا يفارق غليونه (رفيق رحلته) لاستقبال ابنته القادمة من بيروت، وفى هذه اللحظة بالتحديد كانت النهاية التى لم تترك فى المكان شىء على حالة سوى (تورتة الزفاف) التى بقيت شاهده على اللحظات الفارقة التى لا نعلم أين ومتى وكيف تجىء.
ومن حلب قبل منتصف القرن العشرين (1934) مروراً بهوليود وحتى لحظة النهاية فى الأردن كانت هناك رحلة طويلة.
حمل العقاد موهبته وغليونه ومائتى دولار هى كل ما تمكن من جمعهم بمساعدة الأهلى وتوجه إلى هوليود وكان أول فنان من بلاد الشام يقرر الذهاب إلى هوليود مباشرة دون المرور بعاصمة الفن العربية (القاهرة).
واجه العقاد كل ما يمكن تصوره من عدائية واستهزاء وعنصرية فى بداية حياته بأمريكا، وهو ما تعرض ولا يزال يتعرض له كل عربى يقرر الالتحاق ببلاد العم سام، لكنه لم يترك هذا يؤثر على هدفه القادم من أجله وهو حلمه فى أن يكون مخرجاً كبيراً مثل (ديفيد لين) كما كان يقول فى شبابه قبل السفر لأمريكا، بل وتمكن من حفر اسمه فى سماء هوليود ونجح فيما فشل فيه الكثيرين.
وبالفعل تمكن العقاد من التركيز فى الدراسة بإحدى كليات هوليود المتخصصة وتخرج فيها وبدأ يشق طريقه فى الحياة العملية، وعلى الرغم من قلة أعماله التى تصل إلى حد الندرة ترك العقاد فيلمين هما الأشهر على الإطلاق وهما (الرسالة) الذى قدمه عام 1976، و(أسد الصحراء – عمر المختار) الذى تناول فيه حياة المجاهد الليبى ضد الاستعمار وخرج للنور عام 1981، إلى جانب اشتراكه فى سلسلة أفلام الرعب (هالوين) كمنتج منفذ.
كان العقاد لا يريد أن يعيش مغترباً فى هوليود، بل فلنتحر الدقة قليلاً ونقول لم يكن العقاد يريد للعرب والمسلمين بحضارتهم أن يظلوا غرباء فى عيون العالم، لذا لم يقدم أفلامه –حتى التى تناولت موضوعات عربية سلامية- من منظور عربى بل اختار أن يقدمها بعيون من سيرونها فقدم أفلامه (الرسالة) و(أسد الصحراء) فى نسختين عربية وإنجليزية وأصر أن يكتب السيناريو بأقلام أجنبية، وأن يقوم بالتمثيل نجوم أجانب فقام القدير أنتونى كوين بدور عمر المختار فى فيلم (أسد الصحراء).
وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات على هذين الفلمين؛ فإن تأثيرهما باق حتى الآن بل ويتعاظم فى أوقات التحدى التى تتصادم فيها الحضارات تصادماً يكاد يفنى فيه الآخر.
ولنترك أحد الكتاب العرب الذين يعيشون فى الولايات المتحدة الأمريكية يحكى لنا دور أفلام العقاد فى إجلاء الوجه الصحيح السمح للإسلام عندما جاءه جارة الأمريكى يسأله بعد تفجيرات سبتمبر عما إذا كان الإسلام يدعو إلى هذا العنف فما كان منه إلا أن أعطاه نسخة من فيلمى العقاد (الرسالة) و(أسد الصحراء) ليرى أخلاق المسلمين فى سلمهم وفى حربهم.
في اليوم التالى جائنى الرجل وهو فى حالة من الذهول والإعجاب وقال لى إنه لم يكن يعرف أن المسلمين على هذه الدرجة من الشفافية والإخلاص والإيمان ودعانى لمشاهدة الفلمين معه لأنه يرغب في أن يسأل عنه بعض التفصيلات التي وردت في بعض المشاهد.
إلى هذه الدرجة تمكنت أعمال العقاد من إظهار روح الإسلام وإلى هذه الدرجة كان لإبداعه فعل الإعلام غير المباشر لتقديم الحقيقة.
وعلى الرغم من ذلك وقفت العديد من الدول العربية موقفاً غريبا غير مبرر على الإطلاق من عمل العقاد العبقرى (الرسالة) ومنعت الرقابة عرضه وقتها وأصرت على منعه حتى الآن على الرغم من حصول العقاد على تصريح من الأزهر الشريف على سيناريو الفيلم.
وعلى الرغم من تحول مواقف بعض الدول العربية التى رفضت الفيلم ثم عادت لتسمح بعرضه فإن الرقابة فى مصر متمسكة للآسف حتى الآن برفض عرض الفيلم.
رحم الله المخرج العبقرى مصطفى العقاد الذى وافته المنية قبل إتمام مشروعه الكبير الذى حضر له كثيراً عن فيلم عن صلاح الدين، وآخر عن الإسلام فى الأندلس.
#محمد_عبد_الخالق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النزعة العسكرية الأمريكية الجديدة
-
ليست حرية طالما ليست من اختيارنا
-
ناجى العلى: طلقات من ريشة فنان
-
شئون وشجون تاريخية
-
زيارة قصيرة للموت
-
أكروبوليس: هضبة اليونان المقدسة
-
مُخيّلة الأمكنة والرحيل فى الذات
-
مَنْ هو اليهودى: قراءة فى الشخصية اليهودية
-
فوكوياما ... وماذا بعد النهاية؟
-
مرسيل خليفة: اذهب عميقاً فى دمى
-
الشيخ إمام فى ذكرى رحيله العاشرة
المزيد.....
-
-أرسيف- تعلن ترتيب الجامعات العربية حسب معامل التأثير والاست
...
-
“قناة ATV والفجر“ مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 168
...
-
مستوطنة إسرائيلية: قصف غزة موسيقى تطرب أذني
-
“وأخير بعد غياب أسبوعين” عودة عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
من هو الفنان المصري الراحل حسن يوسف؟
-
الليلادي .. المؤسس عثمان ح168 الموسم 3 على قناة atv وعلى الم
...
-
أوليفيا رودريغو تستعيد اللحظة -المرعبة- عندما سقطت في حفرة ع
...
-
الأديب الإيطالي باولو فاليزيو.. عن رواية -مملكة الألم- وأشعا
...
-
سوريا.. من الأحياء القديمة إلى فنون الطب الصيني
-
وفاة الفنان المصري حسن يوسف
المزيد.....
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|