|
فلسفة مبسطة: أمباتيا، اباتيا واتاراكسيا ..
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 5105 - 2016 / 3 / 16 - 10:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فلسفة مبسطة: أمباتيا، اباتيا واتاراكسيا ..
(قصة تعبيرية:لم أشعر بجاذبية نحو زوجك)
نبيل عودة
"الأمباتيا" ما هي؟ هل هي نفسها الأباتيا مثلا؟ الفلسفة عرفت الأباتيا، بأنها تعني فتور الشعور وتقود إلى نوع من الزهد في الحياة. فهل كانت الأباتيا هي الحالة التي أصابت الشعوب العربية مع حكامها حتى تواصل طغيانهم عشرات السنين؟ حتى ابن خلدون قال إن اختلاف نحل الناس في المعاش يقود إلى اختلاف أخلاقهم. فهل كان للإفقار واٌلإملاق صفة غالبة، فرضت أخلاق الخضوع والاستسلام للفساد والقمع والتخلف الاجتماعي والاقتصادي التي ميزت المجتمعات العربية في العقود الماضية؟ وربما هي سياسة تنبع من ذكاء الحكام العرب وفهمهم العبقري لابن خلدون وفلسفته الاجتماعية؟! أما الأمباتيا فظلت عالما مبهما أمامي لفترة طويلة قبل أن افهمها على أصولها، كما سأبين لكم لاحقا. كثيرا ما كنت أسأل نفسي: أين تقع الامباتيا في عالم الفكر، كيف تظهر ؟ كيف تتفاعل؟ وكيف يمكن فهم تفاعلها، أو عدم تفاعلها؟ هل تقع في حقل المعرفة ؟ في حقل المشاعر؟أو ربما في حقل علم الأخلاق، إذا أبقى منه الحكام العرب شيئا لشعوبهم ؟ أو في حقل الطمأنينة النفسية بأوهام الحوريات المنتظرات؟.. حتى في حقل ردود الفعل كانت العرب شواذ عن قانون نيوتن الثالث الذي يقول: "لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوي لها في المقدار ومعاكس لها في الاتجاه". هل الخطأ في نظرية نيوتن؟ أو أنها إشارة واضحة لخروج العرب من الفيزياء أيضا بعد أن أخرجتهم الانقلابات العسكرية "الوطنية الثورية الاشتراكية" من التاريخ؟ وهل كان للأمباتيا دورا في تفجير الانتفاضة العربية التي سميت زورا بالربيع العربي؟ عموما هل لها علاقة بالثورات العربية أو بنفسيات الثوار؟ هل لها تأثير على العلاقة بين القامع والمقموع؟ هل هناك أمباتيا في الحياة العملية للإنسان،ضمن مجتمعه ، أو ضمن بيته، أو ضمن تشكيلة عيه السياسي؟ هل لها علاقة بالسلوك البشري؟ حسب مبدأ وحدة النفسية والنشاط، كما يفسر السلوك فيلسوف "السلوكية" الأمريكي دكتور دافيد واطسون بناء على فكره المادي الميكانيكي، بقوله ان الأشكال المعقدة من النشاط النفسي هي نتيجة ردود فعل بسيطة ؟ ربما أصيب العرب بالأتاراكسيا ، التي تعني طمأنينة النفس وعدم التأفف أو التذمر، بعد عقود من غياب الأمل بفجر جديد واضطرارهم لتمجيد نفس المومياء الرئاسية خلال عدة أجيال؟! حتى لو اضطرتك حكومتك، المعادية شرطا للاستعمار والصهيونية، إلى البحث عن طعامك بأكوام القمامة؟ بيع شرفك وشرف عائلتك لشيوخ نفطيين من أجل "القضية الكبرى": تحرير الوطن المحتل، اياك ان تتهاون بوطنيتهم او تشكك بنواياهم او بعدائهم للإستعمار، حتى لا تسحل بالشوارع ، أو تصبح عميلا متآمرا!! هل تحرر الأوطان بجوع الشعب وإملاقه وحبس مفكريه ومناضليه بالزنازين ودفعه لبيع شرفه؟ ربما هناك تطوير لنظرية سياسية عربية جديدة؟! مثلا يمكن القول أن الثورات العربية هي نتيجة ردود فعل بسيطة تراكمت حتى تحولت إلى نوعية أخرى من الرد لم يكن يتوقعها الأغبياء المرتاحون في كراسي رئاسة الدول العربية ، محاطين بجلاوزتهم وشبيحتهم وبثيناتهم ؟
حقا، جاءت ردود الفعل متأخرة، لكن أن يكون الأمر متأخرا، أفضل من ألا يحدث إطلاقا!! إذن كيف نفهم الامباتيا، ودورها في الأحداث العربية ؟ هل هي حالة نفسية؟ هل هي حالة معرفية؟ هل هي تمهيد لحالة ثورية؟ كيف نفسر في الفلسفة مثلا مفهوم المعرفة؟ هل هي ما يكتسبه الإنسان من التجربة والخطأ ؟ هل هي الجهد المبذول لكسب خبرة التجربة الإنسانية لدى آخرين؟ أم هي قواعد مبنية على قوة الملاحظة والاستنباط..؟ وهل التجارب والملاحظات تناسب الفلاسفة، أم هي مستنسخة من عالم كتاب القصة الحالمين ؟! أين تقع الامباتيا في حقل المعرفة؟ بعد البحث المضني وجدت تفسيرا لم يوفر لي الإجابة الكاملة. حسبه، الامباتيا هي الشعور بالعمق.. قدرة التسرب لمشاعر الآخرين، اختراق تجاربهم، معارفهم، أفكارهم وأحاسيسهم لدرجة الإحساس بما يطابق أحاسيسهم. بمعنى آخر أن تكون قادرا على وضع نفسك في حذاء الآخر.. أو حتى في كلسونه !! لكن كيف يبرز ذلك في عالم الإنسان؟ في دراستي للفلسفة، وفيما بعد في قراءاتي المختلفة، لم أجد الكلمات التي أشرح بها بدقة هذا الاصطلاح.
لم اشعر بجاذبية نحو زوجك- قصة نبيل عودة
إشكالية التشابه بين الأباتيا والأتاراكسيا والأمباتيا اشغلتني وارهقتني.. هل مصدرهما واحد؟ وهل فتور الشعور والزهد بالحياة ، لها رابط ما بالقدرة على التسرب لمشاعر الآخرين وفهم أحاسيسهم ؟ ظلت حيرتي قائمة، حتى سمعت حكاية من امرأة روتها، بعد الانفجار العربي المبارك وهي تشعر بالارتباك، قالت أنها وصلت لوضع ميئوس لم تعد الحياة تعنيها، الفتور والزهد بطيبات الحياة لم يعد يفارقها، زوجها لم يعد يعني لها شيئا، معاشرته هي آخر ما يهمها. لا شيء يثير اهتمامها بالحياة. الموت لم يعد يرهبها، تتمناه وتنتظره، لعله المنقذ من حياة الذل وغياب ما يستحق التمسك بها. لا فجر جديد يبشر بتغير الحال، قتلتنا الثرثرة عن تحرير الوطن، يردحون ضد الاستعمار، الذي لا نراه إلا في خطاباتهم وهم أسوأ منه في استبدادهم. في الفترة الاستعمارية كان واقعنا أفضل، بدل أن نتقدم بعد أن صرنا نظاما وطنيا ثوريا اشتراكيا وحدويا، نتراجع ، بل نواصل السقوط في هوة لم نصل قعرها بعد.. بدل أن نحرر ارض الوطن التي أشبعونا غناء ومراجل ضد محتليها، نزداد ثرثرة وفقدانا لرغبتنا في الحياة. لمن سنحررها؟ لشيوخ نفط نبيعهم شرفنا من أجل سد رمقنا؟ لنظام يسرق ثروتنا ويبيعنا أناشيد وخطابات وابتسامات تلفزيونية؟ ماذا تركوا لنا لنتمسك به؟ وواصلت حديثها الحزين، قالت: - حتى حياتي الخاصة أضحت لوحة مصغرة من حياتي العامة. لم يعد ما يعنيني، فأنا متزوجة منذ أربعة عقود.. بعمر سيطرة رؤساء الفساد، أي منذ إطلالة نظمنا الثورية، لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم إلحاحه الدائم... اتهمني أني باردة جنسيا، عربد وهدد بالضرب.. ربما يريد أن يصير زوجا وشبيحا أسوة بسائر الرؤساء، يظن نفسه قائدا لمجلس الثورة في البيت، من كثرة عصبيته وإلحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة. سألتني :
- ما مشكلتك بالضبط ؟ - ربما برودة جنسية.. او ملل من حياة الخضوع، لا أشعر بجاذبية نحو زوجي ولا برغبة في معاشرته، أو الاستجابة لطلباته حتى البسيطة.. أراه عالة علي وعلى بيتي لدرجة لم يعد يهمني أمره، لا اشتاق لمعاشرته أو خدمته ولم أعد أحتمل وجوده ولا سماع ثرثرته. - احضريه معك في المرة القادمة وسأجري الفحوص المناسبة وبعدها نرى ما العمل. وواصلت السيدة الحديث : - بعد أسبوع عدت مع زوجي إلى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية وصدها له وابتعادها المتواصل عنه.. وعدم تلبية أوامره وطلباته، عليها أن تفحصه أولا... وأضافت: - رجاء اقلع ملابسك أيها السيد.. لا حاجة للارتباك.. أنا طبيبة ورأيت آلاف مما تظنه مميز رجولتك.. .. تأكد يا سيدي، رغم انك رئيس بيت، أو حتى لو صرت رئيسا لجمهورية عربية، فلا فرق، لن تزداد رجولة أو سحرا. هل تعرف، عندما كنت صغيرة استغربت أني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به. شكوت لوالدتي، فماذا قالت لي والدتي ؟ قالت أني بما املكه استطيع عندما أكبر أن املك وأسيطر على آلاف مثل الذي عند أخي .. لذا لا ترتبك، ليكن واضحا لك ولمعشر الرجال، ضمنهم أيضا الرؤساء العرب إذا ظل من يوهمهم برجولتهم، أنكم لستم الأفضل بهذا الشيء الذي تفخرون به...الرب منحكم هدية التبول وقوفا، ولكنه منحنا القدرة على الوصول للمتعة الجنسية مرات متكررة ... فما هو الأفضل حسب رأيك؟ لنفترض أن أذنك تحكك بشدة، ما العمل؟ ستدخل أصبعك وتحكها. بعد ذلك تخرج أصبعك. قل لي من يشعر بالمتعة أكثر ؟ أصبعك أم أذنك؟ وواصلت المرأة حكايتها: - بدون خيار، قلع زوجي ملابسه.. وبان عاريا كما ولدته أمه.. رغم اشمئزازي من منظره، خجلت عنه .. ولكننا في عيادة للعلاج. قالت الطبيبة: - الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام .. ارجع خطوتين إلى الخلف.. كأنك رئيس عربي يستعد للإلقاء خطابه البرلماني. حسنا. الآن استلق على السرير من فضلك .. لا تخبئ عورتك .. لا تخجل .. لا فرق بينها وبين عورة رؤساء جمهورياتنا، البارزة عوراتهم من وجوههم. لست ساحرا للنساء لتخاف علينا من رجولتك ..استلق .. حسنا .. يداك على الجنبين .. الآن أرى.. قم يا سيدي وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج. وقامت تسجل ملاحظات في دفترها. خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت: - يا سيدتي آنت لا تعانين من برودة جنسية أو من حالة نفسية تجعلك ترفضين النوم معه أو استمرار سيطرته على البيت .. أنا أيضا لم أشعر بجاذبية نحو زوجك وما كنت لأبقيه رئيسا علي دقيقة واحدة !!
[email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص فلسفية - الحلقة الأولى
-
فلسفة مبسطة: علم المنطق
-
8 ﺁﺫﺍﺭ 2016 في ظل القمع للمرأة ف
...
-
فلسفة مبسطة: طالبوا الإله ..
-
فلسفة مبسطة: الصراع الطبقي .. من ستالين حتى زينب!!
-
تجربتي والتباس الوعي القصصي عند البعض
-
الثورة العلمية التكنولوجية أنتجت واقعا اقتصاديا- اجتماعيا جد
...
-
وداعا للأديب الفلسطيني سلمان ناطور
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الرابع عشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثالث عشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثاتي عشر
-
عائق فكري واجتماعي: تأصل النظرة الدونية للمرأة
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الحادي عشر
-
جمال عالم الطفولة بتجربة الأديبة عايدة خطيب
-
رئيس الحكومة ووزرائه يزورون المؤسسات
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم العاشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم التاسع
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثامن
-
في تكريم الأديبة النصراوية نهى زعرب قعوار*
-
مروان مشرقي يطلق النار من شمسيته
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|