البطل والمرأة في رواية -الشراع والعاصفة- حنا مينة

رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 22:37
المحور: الادب والفن
    

البطل والمرأة في رواية
"الشراع والعاصفة"
حنا مينة
هناك حقيقية راسخة تقول: بأن الأدب الجيد يبقى حيا ومؤثرا وحيويا وجميلا رغم مرور الزمن، أجزم بأن "حنا مينة" من هؤلاء الروائيين الذين استطاعوا أن يضعوا لأنفسهم بصمة في عالم الرواية العربية، فهو من الذين اعتنوا بتناول المرأة بصورة ايجابية وتقديمها بشكل فاعل ومؤثر، وهو من القلائل الذين تحدثوا عنها كإنسانية وليس كجسد، تتمثل وظيفته في الإمتاع والجنس، ففي رواية "الشراع والعاصفة" كانت "أم حسين" امرأة تبيع جسدها للآخرين، كما هو الحال مع "لبيبة" في رواية "نهاية رجل شجاع" وهذا ما يجعل من "حنا مينة" حالة استثنائية في الرواية العربية، فهو يتجاوز ماضي المرأة السلبي، ولا يلقي بالا لمفهوم البكارة رمز الشرف والعفة، ويكتفي من المرأة أن تقول كلمة واحدة: "لن أرجع إلى ما كنت فيه" لكي يمنحها الحياة الجديدة والشريفة، وكأنه بهذا يتماثل مع قول المسيح عندما وجد جموعا تريد رجم الزانية فخاطبهم: "من لم يكن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" وهنا يعمل الكاتب بهذا القول بحذافيره، ويتقدم به أكثر عندما يجعل من هذه المومس إنسانية فاعلية إيجابيا ومؤثرة في حياة البطل، الذي تمنحه القوة لمواصلة طريقة في مواجهة الآخرين، ف"حنا ميتة" يقدم لنا المرأة بهذه القوة التي تتوازى مع بطله المطلق، بحيث يكمل كلا منهما دور الآخر.
وإذا ما أضفانا إلى هذا الطرح حديثه عن البحر الذي يعتبره ملك بحد ذاته، والذي يوجب على الآخرين أن يحترموه، ووصف غضب هذا الملك الذي يجعل الناس تؤمن وتتوسل ساعة غضبه، وحديثه عن ضعف الإنسان أمام جبروت الملك، نكون أمام طرح يكاد ينفرد به "حنا مينة" عمن كتبوا الرواية العربية.
وما يضاف من ايجابيات إلى ما ذكرنا، تناوله للتاريخ المعاصر وكيف نظرت الشعوب العربية إلى الاحتلال الاستعماري في المشرق العربي إن كان فرنسيا أم انجليزيا، فالكاتب يدين ويعري هذا الاستعمار ويبين الخطر والضرر الذي أوقعه على الشعوب العربية وعلى الجغرافيا العربية.
وفي المقابل نجد الأمل بالخلاص من الاستعمار الفرنسي والانجليزي الذي جاء مع بداية ظهور النازية في المانيا وتقدمها باتجاه غرب القارة الأوروبية، وكيف كانت مشاعر الناس في المشرق العربي، وهذا الأمر يشير إلى حجم الظلم والقهر الذي وقع علينا من الاستعمار الغربي.
وما يحسب لهذا الروائي أنه لم يقدم الشخصيات السلبية بطريقة مبسطة وساذجة، بل وجدناه يقدمها بشكل موضوعي، فهو شخصيات متنفذة ولها قدراتها على العمل وتجاوز الصعاب، وهذا ما يمكنها من بقائها مسيطرة ومهيمنة على الآخرين، فهي تحسب كل صغيرة وكبيرة وبعين العقل وبعيدا عن الانفعال والعصبية ورداد الفعل.
رواية "حنا مينة" فيها الكثير من الامثال الشعبية وهذا الأمر يشير إلى ارتباط الكاتب بالمجهور، فهو يكتب له وعنه، وهذه الامثال تجعل القارئ قريبا من النص، ونجد أيضا الحكم التي تمثل رؤية الكاتب عن الحياة والواقع.

وما يحسب له وضع نصوص دينية إسلامية تمثل ثقافة المجتمع الذي يكتب له، وكأنه يقول لنا هذا هو مجتمعنا، فنجد "الطروسي" بطل الرواية يتحدث من مفهوم الرجل المؤمن، وحتى أننا نجد بعض الآيات القرآنية والأفكار الدينية ينطق بها، وكأنه بهذا يريدنا الكاتب أن نتأكد بواقعية البطل والأشخاص الذين يتحدث عنهم، فهم منا وفينا، وهم أرضيون وليس كائنات سماوية أو فضائية، وهذا ما يجعلنا نتقبلهم ونتأثر بهم.
وإذا ما أضفنا إلى كل هذا المضمون الايجابي والتقديم الشيق اللغة الأدبية التي يكتب بها "حنا مينة" نكون قد وصلنا إلى كاتب يتقن الكتابة الروائية شكلا ومضمونا، وبهذا يمكننا أن نقول بأن أدبه الروائي سيقبى حيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

#رائد_الحواري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات