|
بداية مشوار جديد!
وفاء سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 02:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ها أنا أعود… لا لا لم أقصد للكتابة، فالكتابة بالنسبة لي طريقة تنفس، وعندما يتوقف الإنسان عن التنفس يموت! مازلت حيّة…. أشهق كلمات وأزفر كلمات، وبين الشهيق والزفير أتبلور روحا تعشق الحياة وتتمسك بتفاصيلها الجميلة… ها أنا أعود للنشر من جديد، كمن يفتح نوافذ بيته ويشرّع كل أبوابه بعد أن انتهى من ترتيبه، كي يعمّه العاشقون للمتاحف الجميلة… قرابة خمسة سنوات قضيتها بعيدا عن المواقع الإلكترونية أستمتع بحريتي على صفحات الميديا الإجتماعية التي حررتنا من ديكتاتورية القائمين على تلك المواقع! كان لتوقفي أسباب كثيرة، أولها وأهمها الحرب التي اشتعلت في وطني ولم تحرق أحدا أكثر مما حرقت قلبي… تصومعت في محرابي أعالج نفسي بالكلمات… لم أكن أدري أن خلوتي كانت بداية الطريق لاكتشاف ذاتي بعيدا عن عالم لا يعرف قيمة الكلمة، وبالتالي لا يعرف قيمة ذاته! خمس سنوات كانت المدة التي استغرقتها وأنا أقطع رحلتي من العقل إلى القلب ذهابا وإيابا… اكتشفت خلالها أن العقل هو أنت تشهق والقلب هو أن تزفر، ومن المستحيل أن تتخلى عن أحد الطورين وتبقى حيّا! لكن، هل أحد فيكم يعلم أن بين الشهيق والزفير ومضة استراحة يموت فيها الإنسان ثم يستأنف الحياة من جديد؟ ومع كل استئناف يجتاحه دفق طاقوي جديد كي يدفعه نحو الحياة بعزيمة أكبر… في زمن الحروب تطول تلك الومضة فتصبح عمرا… قد تفهم دقائق الأمور في دينامكية الكون، لكن الحروب الأهلية عصيّة على الفهم، إذ من المستحيل أن تجد مبررا لجار يقتل جاره بعد أن اختلفا على لعبة منقلة ورفض أحدهما ما أتى به نرد الآخر…. في البداية تستخف بالنكتة، ولا تشعر بعمق الكارثة إلا بعد فوات الآوان! ..................... Atifete Jahjaga، أول امرأة ترأس جمهورية كوسوفو في أعقاب استقلالها، قالت: When you scan the globe’s hot spots, every civil war and massacre, every act of terror and every cash between states has its unique local circumstances (عندما تفحص تحت المجهر النقاط الساخنة في العالم، ستجد أن أية حرب أهلية أو مذبحة، أو عمل إرهابي أو أي حرب بين البلدان، لابدّ وأنها لها أسبابا فريدة من نوعها تتجذر في عمق الظروف المحلية لتلك النقطة الساخنة.) السيدة جاهاجاغا، تتكلم من خلال خبرتها كشاهدة لواحدة من أسوأ الحروب الأهلية في التاريخ البشري، ليس هذا وحسب، بل من خلال كونها امرأة، فالجهاز الحسي عند المرأة أكثر قدرة على التقاط دقائق الأمور! انطلاقا من إيماني بتلك الحقيقة، من أن لكل كارثة بشرية جذورها الضاربة في عمق التربة المحلية، وجدت أن العمل لإخراج كتاب يتعامل مع تلك الجذور إلى حيّز الوجود مهمة مقدسة، فرضتها بربرية الحرب السورية! حاولت من خلاله أن أصل إلى تلك الجذور علّني أساهم في قصها وإصلاح تلك التربة من أجل مستقبل أفضل! أسقطت من ذهني “نظرية المؤامرة”، وتمسكت بقول غاندي: إذا أردت أن تغيّر العالم يجب أن تكون أنت ذلك التغيير! عندما سئل مفكر أمريكي: إذا تسنى لك أن تركل الشخص الذي تسبب في إفشالك، من ستركل؟ فرد: لو فعلت ذلك لأوجعتني مؤخرتي! نعم، لا يوجد شعب على سطح الأرض يسقط إلى مستوى الحرب الأهلية إلا وعليه أن يركل مؤخرته! …… الحرب الأهلية في سوريا سلختني… لكنني اكتشفت أنها عندما سلختني أخرجتني من طور الشرنقة وحررتني فراشة ولا أجمل…. في البداية كرهت تلك الحرب وكرهت معها نفسي… لكننني اليوم أنا مدينة لها لأنها حررتني ممن كنت أظن أنها نفسي…. كما يخرج البرعم من بين الصخور، كذلك تولد الحكايات الغنية بحكمتها من رحم الحروب… وكلما اشتد عبث تلك الحروب واشتدّت بربريتها كلما ازدادت الحكايات حكمة… هذا ما يعزّيني! ألم أقل لكم أن الإنسان يموت بين الشهيق والزفير لومضة ثم يعتريه دفق طاقوي جديد؟ ألم أقل لكم أن الحروب الأهلية هي دهر من تلك الومضات؟ …………… أثناء رحلتي التي مشيتها من العقل إلى القلب والتي استغرقت خمسة سنوات، وكانت أطول رحلة اتخذتها في حياتي، لم أكتشف ذاتي وحسب بل اكتشفت الكثير من أسرار تلك الرحلة، الكثير من أسرارها الكونيّة.. صغتها في كتاب، وقررت أن أقدّمه هدية لشخص عزيز عليّ، عزيز جدا جدا… هو عزيز، ليس لأنه جدير بحبي، بل لأنه يحتاج لذلك الحبّ… يحتاج إليه كي يجتاحه فيوقظه من سباته، كما يجتاح الدفق الطاقوي إنسانا ميّتا فيعيده إلى الحياة.. سأهدي الكتاب إلى “شهريار” العربي، وكلي أمل أن أعيده إلى الحياة… … عنوان الكتاب “دليلك إلى حياة مقدسة”… فالحياة وحدها المقدسة، والطريق الوحيد الذي يأخذك إليها هو ذاك الذي تسلكه من العقل إلى القلب، وهو أطول الطرق التي عليك أن تمشيها وأكثرها وعورة، لكنه أضمنها تصويبا باتجاه الهدف! يضم الكتاب ألف قصة وقصة… ألف قصة وقصة كافية لأن تُشعل شغف شهريار بالآتٍ…الآتٍ غدا أو بعد غد أو بعد مليون عام من الغد… وكافية أن تُطفئ الرغبة الآنيّة المتأججة لديه بالقتل…. عندما تُطفئ تلك الرغبة تسمح له أن يعيش اللحظة بعمقها، وتسمح لتلك اللحظة أن تقوده باتجاه الغدِ.. … شهريار العربي صار دمويا حتى النخاع…. وصار شغوفا بالقتل إلا حد الهوس! لماذا؟ لأنه يكره نفسه فيقتلها في الآخر! سيساعده هذا الكتاب لإستعادة نفسه، وسيساعده ليرى تلك النفس في الغير… فيسعى لتقديس حياة الغير في محاولة لتقديس حياته! سيثبت له ذلك الكتاب أنه جزء من الكون، وأنّ الكون جزء منه. ولكي يحافظ على كليّة نفسه، عليه أن يحافظ ليس فقط على نفسه كجزء من الكون، بل على الكون كجزء منه! عندما يتعلم ذلك تتلاشى حدود نفسه فيتوحد في الآخر! ….. Carl Jung طبيب ومحلل نفسي وكاتب وفيلسوف سويسري مشهور، امتدت حياته من اواخر القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، قال يوما: Criticism has the power to be good when there is something that must be destroyed, dissolved´-or-reduced, but it’s capable only of harm when there is something to built” ..... (النقد يملك القوة ليكون جيدا عندما يتناول فكرا بحاجة ماسة لأن يُهدم أو يُحلّ أن يُخفف من شدته، ولكن النقد لا يسبب إلا الأذى عندما نحتاج أن نبني شيئا) لم تغب تلك النظرية عن ذهني إطلاقا، عندما بدأت رحلتي مع الإسلام… فلقد أدركت منذ البداية أن الإسلام فكر بحاجة ماسة لأن يُهدم أو يُحل أو يُخفف من حدته، ولذلك تناولته بالنقد والتشريح دون أن أسمح لمخاوفي وجعجعة الغير من أن تحول بيني وبين ذلك. ومن خلال موقفي هذا، خرج إلى الحياة كتابي “نبيك هو أنت…لا تعش داخل جبته”، ولست هنا لأتغنى بما حققه ويحققه وسيحققه هذا الكتاب، فالتاريخ وحده يبقى شاهدا حيّا على ما نفعل! أما في هذا الكتاب “دليلك إلى حياة مقدسة” فغايتي الأولى والأخيرة أن أبني جهازا أخلاقيا، بعد أن ساهمت في هدم جهاز عقائدي لا أخلاقي.. لذلك، وبناءا على نظرية “كارل يانغ” اعتمدت أن أتجنب النقد اسلوبا لأنه في تلك الحالة يؤذي أكثر مما يُصلح، إلاّ في حالات نادرة اضطررت عندها لأدعم الفكرة. آثرت أن أسمح لنفسي أن تفيض ما فيها بعفوية وبلا تكلف، فتدفقت ماءا عذبا لمن يريد أن يروي عطشه، والمثل الشعبي يقول عندما يريد أن يصف شيئا سهلا: أسهل من شرب الماء! ......... أيقنت منذ البداية أنني مدينة للقارئ بأن يستوعب ما يقرأ، فأي كتاب عصي على الفهم ويحتاج إلى تفسير أو تأويل لا يستحق حيزا في عقولنا، بل القاع في براميل قمامتنا! لقد قيل “العرب لا يقرأون” في محاولة لتجريد الكتّاب من مسؤوليتهم عندما يأكل الغبار كتبهم على أرصفة الشوارع! لكن الحقيقة هم لا يقرأون لأنه لا يوجد بين أيديهم ما هو جدير بالقراءة! فعندما لا يكون المكتوب “أسهل استيعابا من شرب الماء وأكثر متعة” لا يستطيع الكاتب أن يتنصل من مسؤولياته…. كلما قرأتُ كتابا، أو مقالا، أو حتى عبارة ولم أفهمها أعرف أن الكاتب يزعم أنه يكتب وليس في عقله ما يصبه على الورق! علما بأنني أميّز بين السهل والبسيط، فكتابي ليس سهلا، ولكنّه مبسّط إلى حد المتعة! السهولة لا تميّزك فالكل قادر على ممارستها، أما التبسيط فهو مهمة معقدة ولا يجيدها إلا المميّزون، ولهذا الأفضل أن نقول في وصفنا لأدب ما “من البسيط الممتنع” بدلا أن نقول “من السهل الممتنع”! (تلك الفكرة مشروحة في الكتاب ببعض التفصيل) أعد قارئي بأنه أمام رحلة ممتعة ليس فيها مطبّات، فلا داعي لربط الأحزمة… كل ما يحتاج إليه أن يحرر عقله من كل حزام، ويطهر روحه من كل حقد مسبق، ويشرع أبوابه ونوافذه للشمس! ….. لقد انتهيت من تأليف الكتاب خلال بضعة أشهر بعد أن بدأته… ولكن كانت مهمة تبويبه وتنقيحه هي المرحلة الأقسى والأصعب والأكثر استهلاكا للوقت، وهذا هو السبب الذي أخّر نشره، رغم أنني كنت قد وعدت بنشره منذ قرابة عام! لم أنتهِ بعد من تلك المهمة الصعبة، ولهذا قررت أن أبدأ بالنشر على حلقات بفواصل زمنية تضغطني وتجبرني على أن أختار الفصل القادم بدون تردد عندما يحين موعد النشر. …….. أشكر كل القراء.. أشكر كل من سيرفدني بتعليق مؤدب ومثمر… أشكر السيد رزكار، وآمل أن يبقى عند وعده بأن يعاملني بالمثل… أشكر صديقي الحكيم البابلي، وأعتذر لأنني لم أفِ بوعدي له في الوقت المحدد، وأحب أن أذكره بما جاء في بداية هذا المقال: (قد تفهم ديناميكية الكون، لكنّ الحروب الأهلية عصيّة على الفهم) لقد انشغلت بمحاولة فهمها ففاتني أن أفي بالوعد! لذلك، أسميحك عذرا صديقي الحكيم، وأتمنى أن تستمتع بقراءة كتابي!
#وفاء_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على ضوء الأحداث (2)
-
على ضوء الأحداث ..! (1)
-
السيد أحمد أبو رتيمة.... وجرائم النظام -العلوي- في سوريا (!!
...
-
رديّ على تعليقات السادة القرّاء
-
الضحيّة وعقدة -كيس الحاجة-!!!
-
وفاء سلطان لماذا وكيف تكتب؟! (4)
-
وفاء سلطان: لماذا وكيف تكتب؟ (3)
-
الدكتور طارق حجيّ...ماذا يعرف عن السايكوباتية؟!!
-
إلى من يهمه الأمر!
-
أمة أحياؤها أموات وأمواتها أحياء!
-
وفاء سلطان...لماذا وكيف تكتب؟ (2)
-
أين نساء مصر؟!
-
وفاء سلطان....كيف ولماذا تكتب؟ (1)
-
الرجل المسلم....السيّد ابراهيم علاء الدين نموذجا!
-
الإعتذار دليل شجاعة...السيد النزّال مثالا!!
-
رحلتي إلى الدانمارك..! (الحلقة الثانية والأخيرة)
-
رحلتي إلى الدانمارك.....(1)
-
عندما يكون محمد اسوة لرجاله!!
-
نبيّك هو أنت.. لاتعش داخل جبّته! (الحلقة الأخيرة)
-
الإخوان المسلمون: بلغ نفاقهم حدّ إرهابهم!
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|