|
اوهام قرية عالمية بلا حدود
جاسم الصغير
الحوار المتمدن-العدد: 1382 - 2005 / 11 / 18 - 10:05
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
المهمشين وعدم الاندماج واحداث الشغب في باريس ثمة ظاهرة خطيرة تناولتها وكالات الأنباء والصحافة في الفترة الماضية وتتمثل في حدة المواجهات والمصادمات التي حصلت في فرنسا وتحديداً في المناطق الفقيرة والمهمشين في ضواحي باريس التي يقطنها سكان عرب وأفارقة مهاجرين منذ فترة طويلة ، فلقد حصلت مواجهات وأعمال شغب بين الشرطة الفرنسية وهؤلاء القاطنين في هذه الضواحي والاسباب المباشرةانها حصلت بسبب مطاردة الشرطة الفرنسيةلثلاثة شباب من الهاجرين والساكنين في هذه الاحياء الفقيرةوقتلهم والقاء قنبلة من ةقبل الشرطة الفرنسية على مسجد اسلامي مما ترتب عيه رد فعل عنيف جدا من قبل هؤلاء المهاجرين والذين يعانون من اهمال واضح جدا جعل احيائهم غيتوات مغلقة وأدت هذه المواجهات الى إحراق أعداد كبيرة جداً من السيارات وتخريب المحلات التجارية مما استدعى إنزال قوات أمن غفيرة الى الشارع للسيطرة على الموقف ومنع تفاقمه . إن هذه الظاهرة بحاجة إلى تحليل ومن تراكمات كثيرة جدا استفحلت لتصل الامور الى هذا الحد الخطير جدا فمن المعروف أن كثير من المهاجرين استوطنوا الأحياء الفقيرة هناك كأي قادم جديد وعملوا في أعمال متدنية المستوىيأنف منها المواطن الفرنسي الفرنسي ويعتبرها لا تليق به الأمر الذي ترتب عليه نظرة فوقية عنصرية من قبل أعداد كبيرة من الفرنسيين لهؤلاء المهاجرين وليس جميع الفرنسيين بالطبع فتوجد جنباً ايضا أحزاب يسارية وحركات اجتماعية تعاطفت مع هؤلاء المهاجرين ولكن كخط عام في الشارع الفرنسي كانت تهيمن عليه خطابات عنصرية تزدري هؤلاء المهاجرين كالخطاب الشوفيني لزعيم الاتجاه اليميني جان لوبان الذي ينادي علناً بطرد هؤلاء المهاجرين الذين اساءو الى تقاليد وحضارة فرنسا مثلما يدعي وجعل فرنسا للفرنسيين فقط ولا يخفى الآثار السيئة لهذا الخطاب وكونه يؤبن ويعود بنا الى أجواء العنصرية والشوفينية البغيضة ويستمد وجوده من ألاجواء الاستعمارية السابقة كالاحتلال الفرنسي للجزائر والتي ما زالت تتحكم في ذهنية كثيرين من الفرنسيين ورأينا هذا لا نستمده من أجواء العقلية التآمرية التي ترى في الآخر عدواً وخصماً بل من وقائع ما سردناه آنفاً أن المهاجرين الذين استوطنوا الدول الأوروبية ومنها فرنسا التي تعد رمزاً رائداً للعلمانية والمواطنة سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا قد استوعبت الكثير من هؤلاء المهاجرين الذين عملوا في مجالات كثيرة وإن كانت في ظروف ليست كما ينبغي وأيضاً أنهم في ظل هذه الاوضاع الاجتماعية لم يكونوا يستوفون أو يحصلون على جميع حقوقهم مثلما هو مكفول للمواطن الفرنسي وماتكفله الديمقراطية والعلمانية الفرنسيةواللذان يكفلان حرية التعبير وتأسيس التشكيلات التي تحمي المواطن ومنها النقابات ولكن واقع الحال لم يكن الرأسماليون الفرنسيون يسمحون لهؤلاء بالتفكير خارج النطاق االذين يهيمنون عليه وبالتالي عدم السماح لهم الاحساس بالهوية الذاتية لهؤلاء المهاجرين المهمشين والمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية والحياتية من قبل ارباب العمل والرأسماليين ولم يكن لهم مثلاً نقاباتهم الخاصة التي تبرز مطالبهم المعيشية لهؤلاء المهاجرين والمهمشين التي تستطيع تمثيلهم وتسلط الأنظار على واقع حياتهم والظروف التي كانت تجري فيهم استغلالهم من قبل رب العمل الفرنسي ولا يستطيع أن يعبر هذا المهاجر على هذه الأمور مخافة أن يتعرض للطرد من العمل او الترحيل نهائياً من الأرض الفرنسية كل هذه الظروف التي تعرض لها هؤلاء المهاجرين جعلتهم يفكرون في إقامة نقابات خاصة بهم تتمثل مطالبهم وتحسين أحوالهم المعيشية والحياتية وأمام هذا التطور النوعي في ذهنية المهاجرين العرب لم يتقبل الفرنسيون من أصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل الاستقلال بالنقابات لهؤلاء المهاجرين العرب لأنه يحد من سيطرتهم عليهم ولا يستطيعون أن يفرضوا عليهم شروطهم في العمل ولأنه أيضاً يعد هذا الاستقلال نوعاً من الإحساس بالهوية الذاتية لهؤلاء المهاجرون وطبعاً هذا أمر مرفوض من قبل هؤلاء البرجوازيين أصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل والتي ما زال الكثيرين منهم ما زال متأثراً بذهنية العنصرية الفرنسية وجراء احتلال فرنسا للجزائر ومن تراكمات هذه الأجواء ومن أجل احتواء هذا النزوع من قبل هؤلاء المهاجرين نحو الاستقلال الاقتصادي في عملهم والحياتي بشكل عام خرجت إلى حيز الوجود وفي الاجواء السياسية مسألة الحجاب أو الرموز الدينية وإصدار قانون يمنع ومايمثله ذلك من عنف رمزي تجاه هؤلاء المهاجرين ذلك ان المسكوت عنه بلغة الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في إبراز مثل هذه الدعوات (الحجاب أو الرموز الدينية) تجاه هؤلاء المهاجرين القاطنين على الاراضي الفرنسية ليس منطلقاً دينياً في جوهر الامر لكن الخطاب السياسي المضلل الذي يصور الامور على غير حقيقتها فالدولة الفرنسية تعتمد الديمقراطية والعلمانية كآلية وفلسفة سياسية في جوهر الدولة الفرنسية وتم بناء أسسها منذ فترة وعقود طويلة جداً ولا خوف عليها من هذا الجانب ولأن الديمقراطية تكفل حرية التعبير للجميع وفرنسا بلد الفن والازياءوالثقافات المخملية وبلد الموضات المتعددة وعليه اذا اراد ان يحافظ على صورته كما ارد ان ان يتقبل كل هذه التعددية في كل شئ والا ان يخون علمانيته التي نادى بها منذ زمن طويل او انه حرفها ومن هنا نرى أن المجتمع الفرنسية يواجه خللاً بنيوياً في تركيبة الدولة الفرنسية في مسألة المواطنة والمساواة التي يرسيها النظام العلماني الديمقراطي هناك ولقد عبر عن ذلك بشكل جلي تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما قال في 1/11 (أن فرنسا تواجه خللاً كبيرأً في مسألة المواطنة) وهو كلام صريح جداً في أن هناك تأزماً واضحاً في تبني الكثير من المفاهيم تستدعي إعادة النظر فيها وكيفية تطبيقها وعليه أن وضعية المهمشين والمهاجرين العرب في دول أوربا التي بدأت تزحف إليها هذه المواجهات بحاجة إلى معالجة جذرية وإصلاح على أسس ديمقراطية حقيقية إذا أريد أن يكون هناك سلام اجتماعي يضفي بظلاله على المجتمع، يقول الأستاذ هشام جعيط أن المعنى العميق للديمقراطية هو أن الإنسان همجي بالطبع والشعوب همجية بالطبع بربرية والعملية الديمقراطية تدمجها في عمل وبوتقة حضارية كما أن الصناعة تدمجها في العمل المحسوس وتدمجها في عملية المشاركة لذا فالعملية الديمقراطية مرتبطة بقيم أساسية لعلها متأتية من الثقافة السياسية الحديثة لكن يمكن أن نعتبرها عالمية مثل حرية القول والرأي وحرية التفكير والمعتقد كل ما يسمى الآن بحقوق الإنسان . إن الحداثة بمعناها النبيل هو أن نتقبل الفكر المعارض برحابة صدر مسيو شيراك عليه أن يتألم قليلاً عندما يتهكم منه وعليه أن يسكت لأن المطلوب ليس أن نصنق لك النقد لاذع صحيح ولكن لأجل ماذا لأجل فرنسا المجتمع الذي يستحق أن يعيش فيه الإنسان وضحى من أجله الناس وإذا كان المجتمع لا يستحق هذا وكان مكمما لا اعيش من أجله ومن هنا شدد الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو الحائز على جائزة نوبل للاداب على وجوب الاهتمام بشكل عاجل بوضع المهمشين في اوروبا حتى يمكن دمج الاقليات في المجتمع لان الاندماج الحالي غير ناجح وعلامة على سقوط الاوهام حول قرية عالمية بلا حدود وعلى اوروبا استخلاص العبر من تجربة فرنسا التي تأثرت صورتها السلبية كثيرا جدا في وسائل الاعلام الاوروبية هناك والتي يعرف المواطن هناك انها صاحبة المبادئ العظيمة للثورة الفرنسية من آخاء ومساواة وحرية فهل ياترى انها شعارات فقط ام حقيقة هذه ماسيتوقف عليه طريقة معالجتهم لوضعية المهاجرين المهمشين الساكنين في احياء فقيرة هي في الحقيقة احزمة بؤس تعاني من اهمال كبير جدا وان بقيت هكذا لاتنتج سوى الجريمة المنظمة والشغب كما حصل الان
#جاسم_الصغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاصلاح السياسي الناجح من ادنى الهرمية الى اعلاها ايها الساد
...
-
حقوق الانسان ودولة القانون ركيزة النهوض الحضاري
-
المسكوت عنه في خطاب نظرية صراع حضارات
-
جمهوريات الاغتصاب والسطو المسلح وانعدام الافق السياسي والديم
...
-
علمانية الدولة العراقية الخيار الاستراتيجي المطلوب
-
النظام الديمقراطي تنوع الأنساق الفكرية واتفاق المبادئ الإنسا
...
-
الفيدرالية اعادة تنظيم البلد وترتيب البيت العراقي من الداخل
-
خطر الأيديولوجية المريضة
-
المثقفون ضمائر الامة
-
من عوامل انعدام الديمقراطية تراكمات سياسية عربية غيرديمقراطي
...
-
الديمقراطية أساس علاقتنا بالعصر فهل نتخلف عنها ؟
-
الديمقراطية للديمقراطيين فقط أم للجميع
-
المرأة في ظل النظام الذكوري..وانعدام التقدير الاجتماعي
-
الانظمة العربية و الاصلاح السياسي
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|