|
رحيل الدكتور حسن الترابى ..المثير للجدل
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 5096 - 2016 / 3 / 7 - 12:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ولد عام 1932 فى كسلا شرق السودان لقاضى شرعى وشيخ لطريقة صوفية وحائز على شهادة العالمية الأزهرية، حفظ الترابى فى صغره القرآن وإنفتح على كتب السيرة، تزوج مبكرا من السيدة وصال شقيقة الصادق المهدى زعيم حزب الأمة، درس الحقوق بجامعة الخرطوم وحصل على الماجستير من إكسفورد والدكتوراه من السوربون وأتقن أربع لغات هى الإنجليزية والفرنسية والألمانية بالإضافة الى العربية، بعد عودته الى السودان إلتحق بجبهة الميثاق الإسلامية وعين أستاذا ثم عميدا بكلية الحقوق، إقترب من النميرى كثيرا بعد فشل إنقلاب "هاشم العطا" وقرار النميرى تطبيق الشريعة الإسلامية فى 1983ثم شغل منصب نائب رئيس وزراء فى حكومة المهدى ووتم إنتخابه رئيسا للبرلمان السودانى، أسس الجبهة الإسلامية القومية فى 1986، ويعتبر الترابى هو المهندس الحقيقى للإنقلاب على حكم صادق المهدى فى 1969 بالإتفاق مع الجنرال عمر البشير، وشارك معه فى الحكم حتى دب الخلاف بينهما فانشق عليه مؤسسا حزب " المؤتمر الشعبى" المعارض عام 2001ووقع فى نفس العام مذكرة تفاهم مع الجبهة الشعبية (جون قرنق) وبسببها دخل السجن، مما يذكر أنه فى عام 1991 أنشأ ما يسمى بمؤتمر الشعب العربى الإسلامى الذى ضم 45 دولة وكان يعقد مؤتمرا سنويا ضخما بالخرطوم وكانت تحضره تنظيمات السلفية الجهادية من مصر وباقى دول المنطقة. كان للدكتور الترابى "المبتسم دائما" وجهان، الأول سياسى وهو الأسوا إطلاقا، ووجه آخر دينيا فقهيا متسامحا ومستنبرا، تاريخ الرجل السياسى سلسلة من المؤامرات سيئة السمعة فمنذ عودته الى السودان وهو فى صراعات وصدامات غير مبدئية مع جميع الخصوم يمينا ويسارا وداخل معسكره أيضا، لمدة زمنية هو قطب رئيسى وقيادة كبرى فى جماعة الإخوان المسلمين ثم ما لبث أن إختلف معهم وإنشق عليهم وبادلهم عداوة شديدة، وبين صداقته الحميمة لأسامة بن لادن "حيث أقنعه بالمجيئ الى السودان وإستثمار أمواله بها" ثم لم يلبث أن يتآمر عليه مؤديا الى خروجه مرّة أخرى الى أفغانستان، وصداقته للبشير ثم انقلابه عليه، وأخطر تلك المؤامرات صنعها ضد صديقه وصهره الصادق المهدى وذلك بتدبيرالإنقلاب عليه وإزاحته من السلطة وإدخاله السجن، وفى ذرورة سيطرته على السلطة مع البشير أطلق الرجل حملة مقدسة للجهاد ضد جيش التحرير السودانى بالجنوب مشعلا حرائق دينية ضدهم ورافعا شعارات إسلامية متطرفة ودافعا بحشود الشباب الغض الى أتون معركة فاشلة "كان لها الدور الأكير فى إنقصال الجنوب لاحقا"، ولكنه يعود مرّة أخرى الى توقيع مذكرة تفاهم معهم "بعد خروجه من الحكم" متحالفا مع خصوم الأمس ضد البشير. االوجه الآخر للدكتور الترابى تمثل فى مجموعة آراء فقهية أودعها العديد من مؤلفاته وهى كثيرة: قضايا الوحدة والحرية 1980 تجديد أصول الفقه 1981 تجديد الفكر الإسلامي 1982 الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة 1982 تجديد الدين 1984 منهجية التشريع 1987 المصطلحات السياسية في الإسلام 2000. بالإضافة لعشرات الحوارات والمقالات والخطب التى كان يجيدها ويملك قدرة متناهية فى الدفاع عن أفكاره بطلاقة وجرأة نادرة يخسد عليها، أتاحتها له ثقافته الفقهية الشاملة وتخصصه في القانون الدستوري المقارن وعمله السياسي النشط في مجالاته كافة، فهو صاحب رؤية متكاملة في تجديد علم أصول الأحكام أو (أصول الفقه) كما يسميه الدارسون، لم تكن تتيسر له لولا نشأته الخاصة وثقافته الواسعة وخلواته الممتدة في أغوار المحابس والسجون، عناوين تلك الإجتهادات يمكن إجمالها فى: 1- رفضه لما هو شائع عن حد الردة. 2- تكذيبه لقضية المسيح الدجال وعودة عيسى. 3- رأيه فى مسألة الإجماع. 4- موقفه من كتب الصحاح وخاصة البخارى. 5- آراؤه فى عصمة الأنبياء. 6- موقفه من الفنون. 7- حكمه على الخلاف بين الشيعة والسنة. 8- مجموعة آراؤه الفقهية حول المرأة: - جواز أن تؤم المرأة الرجال فى الصلاة. - الفتوى بجواز زواج المسلمة من كتابى. - رأيه فى موضوع الحجاب. - تفسيره لمسألة شهادة المرأة. وسنحاول هنا قدرالإمكان أن نتناول تلك القضايا المثيرة للجدل بشكل سريع، ولنبدأ بموضوع الردة، يذكر الترابى فى ذلك أنه لا عقوبة دنيوية على الردة مالم تكن مصحوبة بالإنتقال الى جيش المشركين والمشاركة فى الحرب ضد المسلمين ويقول صريحا " إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم – كما يجوز للمسيحى- أن يبدل دينه"، وفى ذلك يورد قرائن كثيرة على رأيه ومنها القرآن الكريم ذاته حين تحدث عن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ومعنى ذلك هو دخول البعض فى الدين والخروج منه أكثر من مرّة، بالإضافه لإنكاره تكفير سلمان رشدى والفتوى بإهدار دمه، ويرد على من يقولون بأحاديث ضعيفه عن الرسول فى غير موضعها (حديث المرتد حديث قصير جاء في سياق العلاقات الحربية، كان المسلمون يشفقون من المسلم إذا ارتد ورأوه في صف المقاتلين هنالك هل يعصمه إسلامه السابق من قتله إذا قدروا عليه في ميدان القتال، فقال لهم الرسول) من بدل دينه وفارق الجماعة فاقتلوه) ولكن الناس انتزعوا هذا الحديث من أسبابه الخاصة، ونسخوا به أصلاً من أصول الدين هو حرية العقيدة. كيف لعاقل أن يتصور أن الله سبحانه الذي لم يكره أحداً يبيح لنا أن نكره أحداً على الإيمان"، وقوله في إحدى محاضراته: "لا إكراه في الدينstoop full ". أماّ ما هو شائع فى كثير من كتب التراث حول نزول المسيح ففى ذلك يذكر أن هذا الإعتقاد منشأه اليهودية ثم إنتقل منها الى المسيحية فالإسلام فى إستنساخ للمهدى والمهدوية وقوامها إنتظار المخلّص الذى يأتى حينما يبلغ الأمر ذروته فى إنتظار لصاحب الوقت ويؤكد فساد ذلك تكرارا لقول القرآن أن محمد هو آخر الأنبياء والمرسلين، وإستشهد بقول إبن خلدون فى مقدمته " في المهدي أربعين حديثاً كلها ضعيفة". ننتقل الى ما ذكره الترابى عن مسألة الإجماع حيث أنه يرى أن ذلك يمكن تحقيقه عن طريق الإستفتاء أو الإنتخابات العامة و يرفض الترابي قياس الفقهاء والأصوليين المعروف والمنضبط بضوابط وشروط دقيقة ، لأن تلك الضوابط والشروط "في نظره" قيود وضعها مناطقه الإغريق ثم اقتبسها الفقهاء عنهم ، ويدعو إلى قياس فطرى حر. نأتى الى موقفه من بعض الأحاديث التى أوردها البخارى فى صحيحه ونقضه لها ويعطى مثلا لذلك بحديث الذبابة ( إذا سقطت ذبابة فى إناء أحدكم وهو يأكل ....) الذى ينكره ويقول أنه يأخذ فى ذلك برأى الطبيب الكافر ويرفض هذا القول المنسوب للرسول، وفى موضوع عصمة الرسل فإنه ينحو الى أن المقصود بالعصمة فى القرآن هو محدودية تلك العصمة من الناس فقط وليست على إطلاقها مستدلاً على ذلك بقوله تعالى: ((والله يعصمك من الناس)) المائدة (67)، وبالنسبة لموقفه من الفنون فإنه يعتبر أن "الدين وحده هو الذي يجعل الفنان ملتزماً ولا يلقى عليه الإلزام من خارج نفسه فيكبته ولا يسمح لفنه بأن يتنفس ويعيش ويثمر أو يجعله منافقاً يعالج الصور الفنية تكلفاً متقطعاً من الإبداع الأصيل في ذات نفسه"، ويرى إن الاشتغال بالغناء والموسيقى عبادة، وحتى الرقص فهو لا يرفضه بل يقول عنه "الرقص كذلك تعبير جميل يصور معنى خاصاً بما تنطوي عليه النفس البشرية ولا ننكر أن في الغرب رقصاً يعبر عن معانٍ أخرى كريمة"، أما عن موقفه من الشيعة فإنه يرى أن ذلك ما هو الاّ خلاف مصطنع بدليل أن علماء السنة وجمهورها يعتبرون كتاب الشوكانى مرجعا لهم مع أن الشوكانى شيعى ويتوسع فى ذلك بأنه لا فرق لديه بين دين وآخر بقوله "إن البعد عن عصبية الدين، والتحرر من التعصب المذهبي، هو الباب المفضي إلى حوار حقيقي بين الأديان، فإذا ترك أهل الأديان التعصب كل لمذهبه وملته، وأقبل على دراسة الأديان بعقل متفتح، كان أحرى أن ينكشف له الأصل الواحد لهذه الأديان، واشتراكها في القيم الأساسية التي تدعو لها" ويقول " لقد أخبرنا الحق جلَّ وعلا في محكم كتابه بأن اليهود والنصارى كفار، كلمة الكفر لا تعني الخروج عن الملة، وإنها بمعنى تغطية بعض الحق مثل المسلم الذي يقارف معصية، ثم يتوب منها.. ثم يمضي الترابي قائلاً" بل سماهم الله في القرآن أهل الكتاب، فهم مؤمنون". أماّ الإجتهاد الإجتماعى الأكبر للترابى فهو موقفه من المرأة فهو يؤسس لأطروحته بجلاء عن المرأة على أصل التكليف وتماثله للرجل والمرأة يقول فى ذلك "الشرط الثاني الذي كتبه التاريخ على الفقه كأنه حكم قاطع خالد هو الذكورة لولاية الأمارة العليا، وقد سبق البيان أن الذكر والأنثى في أصول الدين وتكاليفه سواء، الفضل لمن آمن وعمل صالحا" " فلهن مثل الذى عليهن بالمعروف" ويقيس فى ذلك على باقى الأمور كالولاية الكبرى والقضاء والإمامة فى الصلاة وزواج المسلمة من الكتابى وشهادة المرأة التى تساوى شهادة الرجل، ويستطرد "ولكن فقهاء أحكام السلطان لم يتركوا تولية المرأة أمراً لتقدير شورى المسلمين يصرفونه غير مناسب، بل منعوه بحكم شرط الذكورة خالداً وبعضهم عمم الحكم لأيما ولاية أو قضاء، وقليل من أباح لها ولاية القضاء فى خصومات جنائية أو تعاملية وولايات العمالة الصغرى التي عرفت منذ سنة عمر بن الخطاب مع الشفـّاء، وغالبهم منع إمامة الصلاة رغم الحديث الذي ولاها الإمامة وهي أهل وأولى بها"، أماّ الحجاب فإنه يفسر الآية " وليضربن بخمرهن على جيوبهن" بأن الجيب هو الرقبة وأن الخمار هو ما يتخمر به أما ما يوضع على الوجه فلا يسمى خمارا. لعل ما تم سرده من آراء الترابى "فى إيجاز مخل" لا يرقى الى عرض تلك الأفكار فقد شرحها الرجل مطولا ودافع عنها دفاعا مجيدا وأضاف وأطنب فى الشرح و سرد مجمل آراء الفقهاء فى ذلك وفند ما فند وأقر ما أقر ويمكن الرجوع لمجمل مؤلفاته فى تلك المجالات، رحم الله الدكتور حسن الترابى وأثابه فيما إجتهد فيه وعفا عنه عما أخطأ إن كان ثمة خطأ.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تكون السعودية هى الهدف القادم لتنظيم -داعش-؟
-
بين الثورة والثورة المضادة
-
محمد عبد السلام فرج وكتابه - الفريضة الغائبة-
-
هيكل والسلطة ..علاقته بالسادات نموذجا
-
حول كتاب -ملّة إبراهيم- لأبى محمد المقدسى
-
حول إختطاف ومقتل الباحث الإيطالى..مرّة أخرى
-
(الفِلاَح)
-
حول كتاب - فقه المقاومة الشعبية للإنقلاب-
-
حدود صراع الأجنحة والسلطة
-
الأساطير المؤسسة للدولة الإسلامية - داعش-
-
الأزيديون .. والملك الطاووس
-
حول وحدة اليسار .. عقبات وعواقب
-
حول الصراعات القبلية وإنتفاضة الأورومو فى أثيوبيا
-
تقرير جنكيز- فار -المراوغ- والموقف البريطانى من الإخوان
-
محدودية المواجهات الفكرية مع الإرهاب
-
فى سوريا.. العجلة بدأت تدور
-
اليسار .. وذلك الدرس المؤلم
-
المرابطون .. تنظيم القاعدة فى المغرب العربى وشمال إفريقيا
-
عن داعش ودابق وأحاديث آخر الزمان
-
خليل كلفت .. كيف تحمّل الجسد الضئيل كل كل ذلك العناء؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|