|
جاري وصديقي الهارب
رياض محمد سعيد
(Riyadh M. S.)
الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 16:51
المحور:
الادب والفن
جاري وصديقي الهارب حرصت طيلة حياتي ان احقق ما غرسه بي ابي من فضائل .. حرصت ان اكون صفحة يفخر بها ابي واكون قدوة لأخوتي واصدقائي واحبائي .. اكملت دراستي والتزاماتي وتهيئات للعمل الوظيفي .. فهذا ديدننا في مناطقنا ومجتمعنا الصغير .. ان اكون موظفا اشارك الاخرين في اداء العمل الوطيفي لخدمة الوطن والمجتمع . وطبعا كان لي اصدقاء كثيرون .. لم تكن تطلعاتنا او اهدافنا مشتركة فقد كنا نختلف بين واحد طموح واخر لا مبالي واخر متحفظ .. وكنت من بين الطموحين لأن احقق افضل النتائج وان اتحلى بخير الخلق وان يكون سلوكي يشار له بالبنان والاحسان .. وكان احد اصدقائي من الجيران .. كان مقربا مني بحكم الجيرة والصداقة .. لكنه كان لا مبالي غير مهتم بالسلوك الحسن والاقتداء بمن هم خيرين .. ورغم انه من عائلة معروفة ولها وزنها في المجتمع وابوه كان موظفا محترما .. الا انه صاحب مشاكل .. وكل يوم يقع في مشكلة وكأنه يجذب وينجذب للمشاكل .. لم يؤثر علي وانما كنت احاول ان انصحة وان اعطيه بعض الاهتمام والارشاد ورغم اني لم افلح معه لكني كنت احاول دوما .. ومن كثرة مشاكله وقع يوما في مشكلة كبيرة عرفت انه تجاوز بجرم قانوني على حقوق العامة .. عندها هرب واختفى ولم اسمع بعدها اخباره ... خلال تلك السنوات وما قبلها وبعدها كنت حريصا على اداء واجبي الوظيفي بامانة واخلاص ... ونجحت وتفوقت وحققت مناصب وظيفية متقدمة .. توالت السنين وحصل ما حصل في الوطن وانهارت البنية التحتية ومعها الجهاز الاداري وللاسف انهار معها التركيب الخلقي للكثير من افراد المجتمع .. ولم يبق من مقاييس الشرف والامانة في التعاملات الانسانية و في العمل الوظيفي الا ما تجده في الاعلام واحاديث الصحف بما لا يقدم ولا يؤخر .. وكان الخراب ينخر مرافق الدولة والحياة بداً بخراب النفوس وصولاً الى العلاقات والاواصر الاجتماعية .. وكنا نترقب بارقة امل في ان تتحسن الامور لتعود الى الطريق الصواب .. لكن الخراب كان كبير والهدم خطير وكأن الناس تتسابق لفعل الشر اكثر بكثير من السعي للاصلاح والتغيير نحو اعادة البناء .. حينها فكرت ولم يكن من بد الا ان اترك الوظيفة خصوصا ان سني القانوني يسمح لي بالتقاعد .. خرجت من الوظيفة واكملت متطلبات التقاعد وفي يوم كنت عائدا الى البيت متفائلا تشيع في نفسي علامات الرضا عن ما قدمت في حياتي متفاخرا .. كنت سعيدا وانا احمل بين يدي مبلغ راتب التقاعد الاول .. تغمرني السعادة والحمد الى رب العالمين على فضله و رعايته .. وصلت البيت لأرى سيارات فاخرة بدفع رباعي قد اغلقت مدخل بيتنا واذا بصاحبي الهارب وهو يقف مع مجموعة من الرجال المسلحين بتحاورون فيما بينهم بصوت عال وضحكاتهم ترتفع في عنان السماء بقوة .. لم يكن لي الا ان اتقدم للسلام والترحاب على عودت صديقي وسلامة وصوله .. دعاني وباصرار للدخول الى بيته ولن يكن لي ان ارفض فدخلت وتحاورنا واستعدنا ايام الماضي وسألني عن احوالي وما ال اليه حالي .. شرحت له بالمختصر واني متقاعد الان .. ثم حكى لي كيف انه افلت من العقاب وسافر بعيدا وانه عاد الان بعد ان استعاد حقوقه الوظيفية التي فقدها في الوطن .. سألته .. لكنك لم تكن موظفا اصلا ... اجابني ومن يهتم .. لأني لو كنت قد وظفت في حينها كنت ساكون كذا وكذا .. وبدأ يحصي درجاته الوظيفية والمناصب التي كان سيتولاها فيما لو بقي وحصل على الوظيفة .. ابتسمت وقلت له الخير في ما اختاره الله وماذا انت فاعل الان .. اجابني بعد ان حصلت على كامل حقوقي ودرجتي الوظيفية كما سبق ووصفتها لك قدمت للتقاعد وحصلت على اعلى مراحل التقاعد مع الامتيازات ... ولدهشتي مما يقول .. رفعت حاجبي صمتا وعجزت عن الكلام .. لكنه سألني .. الا تصدق .. قلت له .. لا اعلم حديثك اشبه بالخيال ... قال لي لا خيال و لا غيره انا الان مثلك متقاعد لكن بدرجة اعلى منك. عدت الى بيتي مذهولا كيف يمكن لهكذا رواية ان تصدق .. انا كرست سنين عمري لخدمة الوطن والمجتمع بشرف وامانة وحسن سيرة وسلوك وحصلت على تقاعد يسد رمق حياتي ومن معي .. بينما هو ترك الوطن منبوذا سارقا مخالفا لقوانين المجتمع والدين مطلوبا للعدالة .. ثم يعود وتحسب له كل سنوات الهروب في الغربة خدمة وظيفية مع مناصبها ويستلم كامل رواتبه لكل تلك السنين الماضية ثم يمنح تقاعد يفوق تقاعدي بعشرات المرات .. اللهم لا حسد ولا نقمة لكن في خلقك شؤون يعجز الانسان عن تفسيرها.
#رياض_محمد_سعيد (هاشتاغ)
Riyadh_M._S.#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد ان نام مبكرا
-
الا يتعظ العرب من عضة الكلاب
-
على العراقيين ان يعترفو بأخطائهم
-
رسالة من العراق
-
شمسي ومأساتي
-
تقية سياسية ام زهايمر
-
نفس العضة ... نفس الدكتور
-
الشعب و ديمومة الفاسدين
-
فاشلون وسلاح
-
حجاب المرأة ... عادة ام فريضة
-
لماذا العنف و التطرف بأسم الدين؟
-
ماذا بعد 12 عام
-
هل هناك فضائح عراقية مطمورة
-
لماذا نكتب (كما وصلني)
-
العراق والزومبي
-
ثورة التغيير وعملاق الفساد
-
غاب القط ...
-
المجتمعات بين الماضي والحاضر والمستقبل
-
امس واليوم وغدا
-
العراق عجب العجاب
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|