|
فيفري: شهر الإضرابات العامّة في البلدان الإفريقية
مرتضى العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5090 - 2016 / 3 / 1 - 08:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإضراب العام الذي دعت إليه المنظمات النقابية في المغرب الأقصى يوم 24 فيفري الجاري لم يكن الوحيد في بلدان القارّة خلال هذه الشهر، بل إنّ الدعوة إلى مثل هذا الشكل الراقي من الاحتجاج قد حصلت في بلدان إفريقية أخرى لعلّ أهمّها جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وإن لأسباب مختلفة.
إضراب عام سياسي في الكونغو الديمقراية
ففي الكونغو، التي من المفروض أن تجري فيها انتخابات عامة تشريعية ورئاسية في نهاية السنة الجارية، دعا ائتلاف أحزاب المعارضة إلى إضراب عام يوم 16 فيفري الجاري للتصدي للتلاعب الحاصل في روزنامة المواعيد الانتخابية وفي قائمات الناخبين استعدادا لإعلان جوزيف كابيلا عزمه الترشح مجدّدا للانتخابات الرئاسية في خرق واضح لدستور البلاد، وهو المنصب الذي يحتله منذ سنة 2001 على إثر مقتل والده الرئيس لوران ديزيري كابيلا. وكانت المعارضة طالبت بتنحيته منذ 2011 باعتبار عمليات التزييف التي شابت الانتخابات الرئاسية لتلك السنة والتي أقرّ فيها الجميع فوز منافسه من المعارضة بها. ولقد لاقى الإضراب المذكور نجاحا في كامل البلاد وخاصة في العاصمة كينشاسا التي تعطلت فيها الحركة كليا. ومن بين المطالب المرفوعة في الإضراب: رفع القيود عن الحريات العامّة وتشكيل هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات وإطلاق سراح مساجين الرأي وخاصّة منهم الشاب "فراد بوما" خرّيج الجامعة ذي الخمسة وعشرين سنة والذي يقبع في السجن دون محاكمة منذ شهر مارس 2015 بتهمة التآمر على أمن الدولة وعلى حياة الرئيس لمجرّد تنظيمه لورشة تفكير حول "المشاركة المواطنية للشباب".. وهكذا فإنّ بلد الثمانين مليون نسمة يستقبل السنة الجديدة في وضع يسوده الغموض والخوف من المستقبل وهو الذي مازال يعاني من نتائج الحرب الأهلية المدمّرة التي عاشتها البلاد في مستهلّ هذا القرن الجديد.
في غينيا، النقابات تدعو إلى الإضراب العام
أما في غينيا، فقد دعت المنظمات النقابية وخاصة منها الكنفدرالية الوطنية لعمّال غينيا (وهي أكبر النقابات وأكثرها تمثيلية) والاتحاد النقابي لعمال غينيا إلى إضراب عام لا نهائي بعد تعطّل لغة الحوار بينها وبين ممثلي الحكومة حول لائحة من المطالب لم تعد تحتمل التأجيل. ويعود آخر إضراب عام دعت إليه النقابات هنالك إلى شهر جانفي 2015 وقد انتهى إلى إمضاء اتفاق بينها وبين الطرف الحكومي الذي تفصّى فيما بعد من المسؤولية ولم يضع حيّز التنفيذ إلا النزر القليل ممّا اتفق عليه. وعاودت النقابات التفاوض بشأنها إلى أن اعتبرت أنّ الحوار قد استُنفد وأنه لم يعد لها من بدّ سوى الدعوة إلى إضراب عام لا نهائي بداية من يوم 15 فيفري الجاري. وجاءت لائحة المطالب مشابهة للتي سبقتها وتضمّنت بالخصوص: الترفيع في أجور الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص، تحسين معاشات المتقاعدين، تطبيق سلم الأجور الممضى منذ جانفي 2015 ، تطبيق الاتفاقيات الخاصة بقطاعي التعليم والصحة ، تفعيل الاتفاقيات المتعلقة بالصندوق الوطني للحيطة الاجتماعية والتأمين على المرض والتخفيض في سعر المحروقات من 8000 فرنك غيني (أي ما يعادل 0,95 يورو) للتر الواحد إلى 5000 (أي ما يعادل 0,59 يورو). وخلال كامل مراحل التفاوض كان الطرف الحكومي يتعلل بانعكاسات مقاومة فيروس الإيبولا على التوازنات المالية للدولة والتي كانت منظمة الصحة العالمية أعلنت احتواءها والانتصار عليها منذ نهاية 2013 بالنسبة لغينيا. وبخصوص سعر المحروقات، رفضت الدولة رفضا قطعيا إمكانية التخفيض في سعرها مدعية أنّه أقل بكثير من الأسعار المطبقة في البلدان المجاورة مثل مالي والسينيغال وكوت ديفوار. وقد لاقى الإضراب نجاحا منقطع النظير في مجمل القطاعات المهنية وفي مختلف جهات البلاد، رغم الاستفزازات المتكرّرة والاعتداء على الحق النقابي بألف شكل وشكل. من ذلك أنه في اليوم الأول للإضراب، ينزل محافظ البنك المركزي بنفسه للميدان مرفوقا بقوّة كبيرة من الجيش والشرطة ويحاول فتح الفروع البنكية في العاصمة وإجبار موظفيها على العمل. من ذلك أيضا المصادمات العنيفة التي جدّت بين المضروبين ومجموعات من شباب الضواحي الفقيرة للعاصمة وقوات الجيش والشرطة. وكذلك الإيقافات العديدة التي حصلت في صفوف النقابيين الذين كانوا يسهرون على حسن سير الإضراب. بل لعلّ الاستفزاز الأكبر مصادقة البرلمان في أولى أيام الإضراب على إقرار ضريبة جديدة في شكل أداء على القيمة المضافة تسلّط على المستهلكين الذين زادهم غلاء المعيشة فقرا على فقر.
نجاح الإضراب يُجبر الحكومة على التراجع
ولكن أمام إصرار الجميع على إنجاح الإضراب والمضيّ به قدما نحو النصر، تراجعت الحكومة ودعت في يوم الإضراب الثالث النقابات مجدّدا للتفاوض وعرضت عليها مسودّة اتفاق جديد، جاء ذلك بعد نقاشات ساخنة في البرلمان الذي تطوّع لإجراء الوساطة بين الطرفين الحكومي والنقابي. واشترطت النقابات العودة إلى قواعدها للتشاور قبل المصادقة على المقترح الحكومي، وهو ما تمّ بالفعل. وفي يوم 19 فيفري أي في اليوم الخامس للإضراب العام، أعلنت النقابات في اجتماع حاشد عُقد ببورصة الشغل بالعاصمة كوناكري عن توصلها إلى اتفاق نهائي مع الطرف الحكومي يلبّي 12 من بين المطالب 13 المرفوعة قبل الإضراب لعل أهمّها هي الآتية: ـ إقرار سلم تأجير جديد يحسّن الأوضاع المادية لمائة ألف موظف في القطاع العام ويفتح آفاق الترقية المهنية للذين بلغوا أعلى السلم ـ الترفيع في منح التقاعد والشيخوخة إلى حدود 440 ألف فرنك غيني شهريا أي ما يساوي 52 يورو ، أي حوالي 117 دينارا تونسيا (بعدما كانت هذه المنح تتراوح بين 40 و150 ألف فرنك فقط أي ما يساوي 5 إلى 18 يورو) ـ تفعيل الاتفاقات الخاصة بقطاعي الصحة والتعليم وتعهد البرلمان بإدراج المفعول المالي المترتب عن هذه الاتفاقات ضمن الميزانية التكميلية للسنة الجارية والتي سيتم إقرارها خلال شهر أفريل القادم عوضا عن جوان. ـ تسوية أوضاع المساكن الاجتماعية وتحديد سعر كرائها وإسنادها لمستحقيها. ـ فتح المفاوضات مع النقابات لتحيين الاتفاقيات المشتركة لكل القطاعات: البناء والأشغال العامة، الصحافة، البنوك، الصيد البحري، الاتصالات... ـ إجبار المشغلين على التصريح بقائمات الأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ظرف شهر من تاريخ الاتفاق وتسديد ما تخلد بذمتهم من ديون تجاه الصندوق. ـ عدم تسليط أيّة عقوبة على العمال المضربين وإطلاق سراح جميع الموقوفين ـ التخفيض في سعر المحروقات إلى حدود 5500 فرنك غيني (أي 0,65 يورو) بعد أن كان 8000 آلاف فرنك للتر الواحد (أي 0,95 يورو). وقد قوبل الاتفاق بالتصفيق الحار من قبل العمّال الحاضرين الذين تأكد لديهم مجدّدا أنّ الحقوق لا تُهدى بل تفتك بالنضال الدؤوب والمتماسك. لكن وحتّى لا يذهب هذا الاتفاق أدراج الرياح كسابقه، على العمّال والنقابيين الثوريين أن يبقوا يقظين حيال مناورات الحكومة التي قد تتعلل بأيّ طارئ للتراجع عمّا أمضت عليه كما فعلت مع اتفاق جانفي 2015.
#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تتجاوز بلدان أمريكا اللاتينية أزمتها الاقتصادية الراهنة؟
-
المغرب: هل يساهم إضراب 24 فبراير في إرساء دعائم الوحدة العمّ
...
-
الحركة الشيوعية وتحرير النساء (ترجمة)
-
القوى الديمقراطية في ألمانيا وباقي أوروبا تتصدّى للنازية الج
...
-
رأي حول -الحكومات التقدمية- بأمريكا اللاتينية
-
الشباب المغربي يخوض معارك شهر يناير بروح 20 فبراير
-
هل تدفع بوركينا فاسو ضريبة التدخل الامبريالي الفرنسي في بلدا
...
-
أردوغان يستغلّ انشغال العالم بالحرب على سوريا ليشنّ الحرب عل
...
-
-التنمية في تونس-، كتاب جديد للأستاذين محمود مطير وحسين الرح
...
-
الطبقة العاملة تستقبل السنة الجديدة بموجة من النضالات في أنح
...
-
الانتخابات التشريعية في فنزويلا: هل هو انتصار للثورة المضادّ
...
-
هل هي نهاية الاستقطاب الثنائي على الساحة السياسية الإسبانية؟
-
الانتخابات الجهوية بفرنسا: الشعب يعبّر عن رفضه لبرامج الأحزا
...
-
صدور العدد 31 (أكتوبر 2015) من مجلة -وحدة وصراع- في نسخته ال
...
-
خلفيات إسقاط الطائرة الحربية الروسية وتداعياته
-
القمة الدولية للمناخ: رهانات وعوائق
-
علامات من ثقافة المقاومة زمن الاستبداد
-
ثنائية الأمن والحرية في مواجهة الإرهاب
-
حوار مع الأستاذ عبد الحميد الطبابي حول كتابه الجديد -دراسات
...
-
ماذا يحصل في تركيا بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|