|
مصنع السعادة (الحلقة الثانية)
ماجدة منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5086 - 2016 / 2 / 26 - 07:07
المحور:
الادب والفن
السعادة و الفرح توأمان متلازمان و لا نستطيع فصل أحدهما عن الآخر و بالفرح و السعادة ترتقي إنسانيتنا و يتهذب سلوكنا و تتطور مداركنا و تسمو أفكارنا، بالسعادة ترتقي إنسانيتنا درجات كثيرة حيث يصبح لوجودنا معنى و قيمة و غاية. لكن كيف السبيل لإدراك السعادة و الإحساس بها لدرجة أنها يمكن أن تكون المحرك الاساسي لوجودنا!!وهل السعادة تمكننا من الإحساس بالسيادة و السيطرة على مقدرات حياتنا فعلا!! وهل نستطيع حقا (صناعة السعادة)؟؟ الجواب ..نعم نستطيع صناعة السعادة إذا التزمنا بشروط رعايتها. دعونا نشبَه السعادة بحديقة ورد و أعشاب و أشجار فاكهة..هل تستطيع تلك الحديقة أن تنمو و تزدهر و تطرح ثمار شهية دون سقاية و رعاية و تشذيب و اقتلاع جميع الأعشاب الطفيلية و المتسلقة!!! هل تستطيع شجيرات الورد أن تزدهر دون أن نقضي على الحشرات و الطفيليات الدخيلة!! هل يمكن لحديقتنا و أشجارنا أن تطرح ثمارها دون أن نتعهدها بالسقاية و العناية اليومية ..الدائمة!! طبعا لا. هكذا هي السعادة ،بكل بساطة، لا يمكن أن تنمو و تستمر دون رعاية فائقة و مستديمة. للفرح ألوان مختلفة بإختلاف البشر و لكل شخص منَا فرحه الخاص و سأحاول أن أطرح وجهات نظر عديدة عن هذا الفرح فنحن الآن أحوج ما نكون الى الإحساس بالسعادة و الفرح خاصة في تلك الظروف التي تكثر فيها الحروب و الدماء و تزداد معدلات اليأس و الإنتحار و التي تشير المؤشرات أنها في تصاعد دائم. لقد إزداد التوتر في عالمنا لدرجة لا تبشر بالخير و يكفي لك أن تمشي في أحد العواصم العربية و تتأمل وجوه البشر و حركات أجسادهم و ردود أفعالهم و عصبيتهم و نرفزتهم لتدرك صدق كلامي...ثم إعرج في طريقك الى عيادات الطب النفسي و العصبي لتعرف ما أرمي إليه ثم راقب ردود أفعال البشر عليك، في العالم الإفتراضي، و كم الشتائم التي تنهال على رأسك إذا ما طرحت فكرا يخالف الفكر الذي إعتادوا عليه..وستعرف حينها أننا بشر قد فقدنا الفرح و السعادة في حياتنا الى درجة تهدد إستقرارنا النفسي و العقلي أيضا.،فوجوه معظمنا قد أصبحت متشنجة و متوترة و يكاد محدثك أن ينهال عليك ضربا أو يسمعك من الشتائم مالم يخطر على بالك. لقد أضعنا الفرح و فقدنا السعادة و التي هي غاية الإنسان منذ بدء الخليقة. لا يمكن أن يوجد إنسان، ذكرا كان أو أنثى، طفلا أو يافعا أو مسنا، خال من المتاعب و المشاكل و المنغصات، و لكن هناك فئة قليلة من البشر..تدرك جيدا بأن هذه الدنيا فانية و أننا ضيوفا مؤقتين و زوارا عابرين في مسيرة الحياة و أن الدنيا لا تستحق كل هذا العناء و التعب و التوتر و الضيق و العصبية..فيضحك و يبتسم. ابتسم دائما فما أنا أو أنت سوى ضيوفا عند بعضنا بعضا و أن وجودنا في هذا العالم هو وجود مؤقت و طارئ و ظرفي و إن كل مصائب الدنيا لا تستحق أن تجعلنا نكره بعضنا و نكيد لبعضنا، و نبغض بعضنا و نتناحر مع بعضنا، مهما كنا مختلفي الفكر و الرأي ..فما جمال الدنيا إلا بتنوعها و إختلافاتها و ألوانها المتعددة ففي الإختلاف متعة، ما بعهدها متعة، بل إن الإختلاف هو رحمة واسعة من الله قد زيَن بها حياتنا كي لا يصيبنا الملل و اليأس و الرتابة ففي الملل و اليأس سما قاتلا للروح و النفس و الجسد ايضا.
هل نحن أمة تتقن صناعة السعادة و الفرح و الحياة!! أم أننا عجزنا عن صناعة القيم السامية و أدمنَا صناعة الموت و الخراب و الدمار. هل نحن بشر قد احترفنا قولبة الحزن و اجترار العذاب!! هل نحن أناس نقدس الأموات و نصب لعناتنا على كل ما هو حي و نابض!! متى سنجد من يُفتي لنا بالسعادة و الفرح و الحب و الحياة؟ لو كنت في موقع الفتوى لأفتيت بوجوب الفرح و الغناء و الرقص و الحب على كل بني البشر..لا بل سألزمهم بها إلزاما و سارسل كل المكتئبون و المتجهمون و المتوترون للعلاج النفسي و العقلي و العصبي،،في اللتو و اللحظة. كنت سأفتي بزراعة الورد في كل شارع و في كل بيت و سأجبر البشر على سماع الموسيقا الرائعة لمدة ساعتين على الأقل ،يوميا. لو كنت في موقع الفتوى لألغيت كل قاموس الكلمات المسيئة و المؤذية و المنفرة و لعاقبت قائلها بالسجن كي أعيد تأهيله و تربيته و علاجه من بذاءته لأن بذاءته تؤذيني و تؤذي كل صاحب ضمير و وجدان حي. لو كنت في موقع يسمح لي بالفتوى لأفتيت بوجوب حب الإنسانية جمعاء و البشر كلهم و على اختلاف أديانهم و أعراقهم و مللهم و جنسياتهم و لأمرت بحب من نعتقد بأنهم كفرة و زنادقة فليس هناك من كفر أشد من اذى الإنسان لأخيه الإنسان. لم لا ندع الخلق..للخالق !! ومتى نكَف عن تكفير الآخرين!! ان الإعتداء على حقوق الآخرين المختلفين عنَا وتكفيرهم و ملاحقتهم و سجنهم و قتلهم هو تشويه بالغ القسوة لصورة الله و ذاته المقدسة . فلم لا ندع الخلق للخالق ونحاول أن نكتشف ثقافة الآخرين و نحضر أعراسهم و مناسباتهم السعيدة و نتعرف على عاداتهم و طبائعهم و نتقبل إختلاف عقائدهم..أليس في هذا فرح و سعادة!! إن الإيمان الحقيقي بالله يجعل الإنسان أكثر نقاءا و أشد صفاءا و أعمق حبا..وهذا هو الحب الذي سيجعلنا نستحق الحياة بجدارة فعلا. الإيمان الحقيقي يجعلنا أكثر فرحا و سعادة و بهجة و يقربنا الى إنسانيتنا و التي إبتدأنا نفقدها . ان القيم الإنسانية النبيلة و الحقيقية تجعل حياتنا و حياة من حولنا أثرى و أجمل و أرقى و تقودنا حتما الى دروب الفرح و السعادة ..والتي هي جوهر الوجود و أصله. سأتكلم في الحلقة المقبلة عن أنواع كثيرة للفرح و السعادة ،،فكما قلت،، لكل منَا فرحه الخاص. هنا أقف و من هناك أمشي و للحديث بقية.
#ماجدة_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصنع السعادة (الحلقة الأولى)
-
لا تنصحوا فاطمة ناعوت
-
الأستاذ المحامي كميل فنيانوس
-
كيف نقضي على الإرهاب؟ 2
-
كيف نقضي على الإرهاب؟
-
عاجل وهام..الى سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي المحترم
-
لما لا أتعامل مع نصف الفرائض فقط ؟؟؟
-
معالي وزير التنوير المحترم
-
رد على مقالة الأستاذ سامي لبيب..لما نعيش؟؟
-
هكذا أفهم الله 4
-
هكذا أفهم الله3
-
هكذا أفهم الله 2
-
هكذا أفهم الله
-
ماجدة منصور
-
ابتسم..أنت في مصر
-
تنويه...عودة ثانية الى صفحات الحوار المتمدن
-
هذه أنا(الحلقة الخامسة)
-
هذه أنا(الحلقة الرابعة)
-
هذه أنا (الحلقة الثالثة)
-
هذه أنا (الحلقة الثانية)
المزيد.....
-
مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
-
البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني
...
-
تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
...
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|