أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال ابناس - الحقيقة والنزعة الإنسانية في فلسفة وليام جيمس















المزيد.....


الحقيقة والنزعة الإنسانية في فلسفة وليام جيمس


جمال ابناس

الحوار المتمدن-العدد: 5086 - 2016 / 2 / 26 - 01:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ارتبطت نظرية الحقيقة عند وليام جيمس بمفهوم النزعة الإنسانية، وهذا الارتباط في حد ذاته له غاياته ومقاصده الفلسفية التي تبرره، فالفيلسوف الأمريكي لم يتوانى في تسمية فلسفته بالفلسفة الشخصانية Personnaliste والانسانية Humanisme عملا بمبدأ الارتباط بين ما هو فلسفي وما هو إنساني، ولعل هذا ما جعل تصوراته الفلسفية وفلسفته بصفة عامة متميزة ومخالفة لتصورات المؤسس Charles Sanders Peirce ، ذلك أنها ركزت على الفرد وعلى إرادته المتعالية، بدل تفصيل القول في الإحساس ومقولات العقل Les Notions de la raison الجامدة كما هو الحال عند مؤسس البرغماتية ، اعتقادا من وليام جيمس بأن " التجارب الإنسانية عندما تخضع لمقولة العقل كأنما نخضع الحياة لمقولة الموت"
بناءا على هذا الإصرار الفلسفي من طرف وليام جيمس في توجيه السؤال البراغماتي إلى البحث في دلالة التجربة الفردية، بغية توجيهها وتأسيسها وفق تقاليد ومقومات براغماتية محضة، سنحاول في هذا المقال مقاربة نظرية وليام جيمس في الحقيقة و علاقتها بالنزعة الإنسانية، بماهي علاقة أساس تؤسس لتصورات وليام جيمس.
ارتباطا إذن بهذه التقاليد البراغماتية يمكن طرح الإشكالات التالية: كيف استحضر وليام جيمس النزعة الإنسانية في فلسفة شيلر؟ وما هي المقاصد والخلفيات الفلسفية التي تبناها ليبرر بها تصوره البراغماتي الإنساني في نظريته في الحقيقة؟ وإذا كان نظرية الحقيقة نظرية إنسانية على حد تعبير وليام جيمس، فبأي معنى من معاني جسد هذا الترابط العضوي بين ما هو فلسفي وما هو إنساني ، أي بين ما هو حقيقي وما له علاقة بالفاعلية الإنسانية؟
عموما تقتضي الإجابة عن هذه الإشكالات والتساؤلات اعتماد مقاربة تاريخية يتوخي ( بضم الياء) منها تبيان العلاقة بين التقليد الفلسفي في النزعة الإنسانية لشيلر ونظرية وليام جيمس، على اعتبار أن الفلسفة البراغماتية وجدت لها مناصرين في أرجاء أوربا في فرنسا مع (Renouvier و H . Bergson )وفي إنجلترا مع (F.C.S. Schiller) ، شيلر باعتباره رائد النزعة الإنسانية في إنجلترا لم يتردد في إعلان تمسكه بتصورات الفكر البراغماتي، لذلك فإن شيلر سينطلق من مبدإ أساسي في فلسفته حيث سيؤكد على أن الإنسان ليس هو مقياس الأشياء فحسب، بل هو الذي يوجد في الواقع ليمنحه دلالته الفعلية التي بها يظهر حاملا للوقائع ذات الدلالة الإنسانية ، ذلك أن الواقع مشوه ولا ينطوي على شكل محدد، إنه كتلة قابلة للتشكيل، ويتطلب هذا التشكيل الفعل الإنساني حتى يصبح واقعا إنسانيا، وقد ركز شيلر كباقي الفلاسفة المرتبطين بتقاليد الفكر البراغماتي على مبدأ البعد العملي في تأسيس مفهومه للواقع، فالأحكام التي تؤسس الواقع والتي يقررها الإنسان كأحكام، إنما تقرر إلى حد ما على الأقل باهتماماتنا التي نختارها ولا بد للمفاهيم وللمقولات Les concepts et les catégories من أن تكون ذا دلالة واضحة ومفهومة في حدود الفروض التي تدفع الإنسان على العمل والإنجاز والتوافق مع متغيرات الواقع غير النهائية التشكل.
يفترض شيلر إذن وهذا ما يقره وليام جيمس أيضا أننا عند نحكم بصدق اعتقاد ما أو فرض ما، فإننا في الواقع نتبنى قيمته، فكما أننا نحكم على بعض الأشياء انها جيدة او سيئة، سارة أو غير سارة ، فكذلك نحكم على القضايا أو المعتقدات بأنها تنطوي على صفة اليقين أو الظن، وما يقصده شيلر من لفظتي اليقين أو الظن أن اليقين أو الحقيقي هو ما يسهم في بناء المعارف وفي التواصل الاجتماعي إلى الحد الذي قد تصحح فيه هذه التقييمات الإنسانية عن الواقع تحت تأثير المعايير الاجتماعية. يقول شيلر" إن الحق هو تصرف بالأشياء تصرفا مفيدا قائم على تحقيق غاية إنسانية في البداية ومفيد في تحقيق الانسجام والتناغم التام في حياتنا، ذلك أن مطلب الانسجام هو الذي يمثل مطمحنا في النهاية".
يندرج هذا التصور لشيلر في إطار تأسيس مذهب فلسفي حيوي يترجم المعرفة وفق مبدأ المفيد والأصلح للإنسان، فالحقيقة ما لم تكن تبدي قيمة من القيم لفائدة الإنسان فهي ليست حقيقية أي أنها مجرد معتقدات وأحكام خالية من المعنى والدلالة الإنسانيين، وبالتالي فالاعتقاد لا يغير شيئا في علاقة الإنسان بمعطيات الواقع.إن وليام جيمس وبفضل هذا الالتقاء النظري الفلسفي بين المقومات المؤسسة لفلسفته وللفلسفة الإنسانية عند شيلر جعلته يشيد تصورا فلسفيا للحقيقة يقر فيه بالارتباط بين ما هو حقيقي وما هو إنساني، فالحقيقة من صنع الإنسان ومن عمله وتخطيطه، فالعقوبات والكلمات والاصطلاحات اللغوية والمعتقدات والقانون والحقيقة نفسها ليست سوي مستحدثات جديدة، وشيلر كما رأينا حاول تطبيق هذا القياس على المعتقدات الإنسانية للدلالة على المبدأ الفلسفي القاضي بأن الحقائق من بناء الإنسان، فالحوافز الإنسانية تشكل دوافع ومنطلقات أساسية كافية لبناء حقائق ناجعة ذات فعالية في إغناء حياته.
تمثل مشروعية هذا التصور حسب صاحب الشخصانية في كونه ينظر إلى العالم كما ينبغي أن ينظر( بضم الياء) إليه بما هو عالم غير مكتمل (inachevé )، فعين العبث تفسيره بمنظور لا يقر بتعددية وقائعه كما هو الحال عند لينوا العريكة( les délicats ) . ولتوضيح تصوره أكثر وفق ما يمليه التقليد الفلسفي البراغماتي يصوغ وليام جيمس أمثلة متعددة لتبيان أن الحقيقة لا يمكن أن تكون منفصلة عن الفعل الإنساني . يقول" هل النهر هو الذي يصنع شاطئيه أم العكس هو الصحيح؟ وهل يسير الرجل برجله اليمنى أو برجله اليسرى أكثر بالضرورة؟ ويستطرد قائلا " بإمكانك أن تعتبر أن رقعة الشطرنج ذات مربعات سوداء فوق أرضية بيضاء أو ذات مربعات بيضاء فوق أرضية سوداء، فكلا المفهومين صحيحان وليس أي منهما باطلا.
ما يحاول وليام جيمس تأكيده في هذا الصدد أنه في كل الحالات – إنسانيا – تحدث إضافات إلى الواقع المحسوس والواقع يتحملها خصوصا إن حصل ووقع الانسجام والتطابق في معناه الحيوي التوافقي، لا الأداتي مع معطيات ذلك الواقع، مما ينتج عنه استحالة استئصال extirper الإسهام الإنساني في بناء الحقيقة الواقعية، ذلك أن هذه الأخيرة تهم الواقع ولا يمكن بشكل من الأشكال عزلها وتجريدها عن العالم كي ما تصير مقولات ميتافيزيقية متعالية لا محايثة لمتطلبات الواقع والتجربة الإنسانيين، ولعل هذا ما لن لا نلمسه عندما تحاول الفلسفات التصورية بناء منظورها الفلسفي للحقائق وعلاقتها بالواقع، فكل الحقائق والوقائع بالنسبة إليهم مكتملة، ولا تحتاج إلى إضافات أو تغييرات بقدر ما ينبغي على الإنسان أن يتطابق معها دون أدنى إحداث تغيير أو تشكيك في صلاحيتها.
يعدو الأمر إذن في المقاربة التصورية في ما يخص أفهومها للحقائق ولعلاقتها بالواقع الإنساني بضرب من التطابق والتأسيس والتوافق ذا الصبغة الأداتية، في حين أن عند وليام جيمس ينبغي أن تؤول الأمور على خلاف هذه المقاربة اعتمادا على مبدإ حيوي مؤسس على قاعدة مفاهيمية فلسفية تأخذ بعين الاعتبار تعدد الحقائق وانفتاح العالم نحو التشكل اللانهائي وغير المحدود، وعلى العموم فإن المقاصد والخلفيات الفلسفية التي انطلق منها وليام جيمس يرمي من خلالها تجاوز التصور الكلاسيكي للحقيقة في تاريخ الفلسفة، في أفق إرساء تصور جديد يحل محل التقليد الكلاسيكي الذي يقوم على أسس المطابقة والتأسيس والهوية حيث تفهم الحقيقة وفق هذه الأسس على مستويين:
• نظام من القضايا التي تملك الدعاوي بلا قيد ولا شرط بأن لها الحق في أن يعترف بأنها صحيحة وشرعية.
• الحقيقة اسم دال على كل تلك الأحكام التي نجد أنفسنا مجبرين على إصدارها بنوع من الواجب الإلزامي.
خلاصة القول أن وليام جيمس ومن خلاله إقراره بنظرية في الحقيقة تأخذ في اعتبارها الفعل والإضافة الإنسانيين يحاول تقليص الدور المتعالي للنظرية الكلاسيكية القائلة بجاهزية الحقائق من خلال استبدالها بحقيقة محايثة للإنسان، حقيقة تعانق حركة الحياة اليومية ودينامية تفاعل الإنسان مع واقعه، وذلك في أفق هدم الطابع الإلزامي لسؤال الحقيقة والمعرفة في تاريخ الفلسفة بهدف إرساء مبادئ ابستمولوجية جديدة تعترف بنجاعة الفعل الإنساني في تأسيس المعارف والحقائق، وعلى حد تعبيره يتعلق الأمر بنظرية تكبس وتحكم وتضبط أكثر من أي شيء أخر، فحسابه للحقيقة هو حساب في صيغة الجمع، فالحقيقة ليست مطلقة مفردة وإنما متعددة يمكن لها أن تجعل الإنسان في علاقته أساسها التأسيس والتفاعل مع الواقع وفق منظورات إيجابية تقر بالتغير والانتقالية وفق مبادئ النجاعة والفعالية التي تساعد الإنسان على التحرك والتماهي مع الواقع بشكل إيجابي.



#جمال_ابناس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س ...
- كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م ...
- أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
- ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو ...
- ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار ...
- بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
- -من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في ...
- مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس- ...
- حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال ...
- فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال ابناس - الحقيقة والنزعة الإنسانية في فلسفة وليام جيمس