|
المصورون أشقاء الشعراء
نقوس المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 02:55
المحور:
الادب والفن
• الصورة أصدق إنباء من الكتب
منذ اللحظة التي أبصر فيها رولان بارث الناقد والمفكر والفيلسوف الفرنسي الشهير صورة جيروم الأخ الأصغر لنابليون ثم قال: "إنني أرى العينين اللتين شاهدتا الإمبراطورية"(1)، قرر أن يحب الفوتوغرافيا ويخلص لها ويضمر لها عشقا مكينا.. وهو القائل أيضا: " أنا لست مصوراً، ولا هاوياً، إذ لا صبر لديّ لأكون كذلك، إنّي أسعى لما أنجزته كاميرتي البولارويد الفورية، فذلك مسلٍ لكنّه مخيبُ للآمال أيضا، ما عدا الحالات التي يتكفل فيها مصور مقتدر بذلك..."(2) هذا التعليق يحيلنا على صعوبة التصوير، والترابط المزمن الذي يلحم اللفظي بالبصري، والشعر بالتصوير، إنه وخز الصورة الذي تحدث عنه بارث في دراسته للصورة، إذ كيف يمكن لحالة عابرة تلتقطها عين الكاميرا أن تترجم إلى حالة شعورية تفيض رقة وإحساسا وإيحاء، وتعقد قرانا بين الكتابة كخيال وفانتازيا، والصورة كرصد وتجسيد للواقع، فهذا لويس فاين يقول: "لو كنت قادراً على رواية قصة بكلمات، لما احتجت إلى مشقة حمل الكاميرا. إن الصورة قصة مروية بواسطة الضوء والشعر صورة بواسطة الكلمات"، هذا الكلام يحيلنا بالمقابل على صعوبة الكتابة وجسامة رسالتها، إن المصور بحسه الجمالي شاعر بمعنى ما، يمتلك أوزانا ومفردات وصورا شعرية ضمن عدته، ويجري دوما للقبض على حالات شعورية قد لا ينتبه لها الإنسان العادي، فيما يسعى الشاعر وراء الصور الشعرية وشعرنة العالم المحيط به، ذلك أن التصوير والكتابة صنوان، ووجهان لعملة واحدة، الشعراء مصورون بالكلمات، فيما المصورون شعراء يكتبون بعدساتهم أزهى القصائد، واقتناص صور تعود بنا إلى الخلف أكثر مما تتوجه بنا إلى المستقبل بحسب تعبير ريجيس دوبري(3). إنها بمثابة القبض على الزمن الضائع واللحظة الهاربة التي لا تتكرر مثل ماء نهر هيراقليطس الذي لا يمكن للمرء أن يستحم فيه كرتين إن العلاقة التواشجية بين التصوير والموسيقا والغناء والرقص من جهة والشعر من جهة ثانية علاقة أزلية، وربما الأسبق على كل فنون التعبير الأخرى، يقول الدكتور عبد الغفار مكاوي بــ " ان قصيدة الصورة أقدم من النقد الفني، وربما كانت في رأي بعض المنظرين أعلى منه قيمة"(4)، وقد فجرت هذه الفنون قريحة الشعراء منذ القدم، لحاجة الشاعر الملحة لإعادة إنتاج الصورة، واستنطاقها ومنحها روحا ولسانا، فــ "كما يكون الرسم، يكون الشعر" على حد تعبير هوراس، لهذا فالفوتوغرافيا تفتح شهية الخيال وتوحي للمتلقي بأشياء كثيرة، الأمر الذي دفع الناقد والتر بينيامين إلى القول بـــ "أن أمية المستقبل لن تكون في من يجهلون فنون الكتابة، وإنما في من لا يعرفون شيئاً عن التصوير الفوتوغرافي...!"
***
• الفوتوغرافيا بوصفها نصا سرديا
لا يمكن بأية حال تناول موضوع التصوير الفوتوغرافي دون التوقّف عند آراء نخبة من المفكرين في مجال النقد السيميائي واللسانيات ممن تطرقوا لجاذبية الصورة الفوتوغرافية وسحرها على المتلقي، وقوة الرسالة التي تحققها في الوقت الذي كان فيه التركيز كلّه مركزا على النص المكتوب لإيصال المعنى المقصود. وتزعم السيميائيات أنها أكثر المناهج النقدية قدرة على مقاربة الصورة، لما لها من قدرة على التواصل، واكتشاف الإشارات المختلفة التي يمكن بها فهمها، والدراسات اللسانية والسيميائية توفر عدة أدوات لدراسة الصورة، انطلاقا مما طرح فرديناند دوسوسير المنطلق من خلفية لغوية، تركز على الحراك اللغوي للإشارة، وعلاقة ذلك بالمجتمع. كما يمكن تشبيه الصورة بالعلامة اللسانية. وفي الحالة هذه فان الصورة كـــ (علامة) يتم التدليل عليها بمستويين اثنين: المستوى الأول وهو (الدال)، أما الثاني فهو (المدلول)، الدال عبارة عن التمثيل المادي أي الصورة؛ فيما يشير المدلول للمعنى أو الرسالة التي قد تحمله الصورة إلى ذهن المتلقي. وبرى رولان بارث بأن الصورة تحمل ذات الرسالة مثلها مثل النص اللّغوي وربّما أكثر. لذلك يمكن للمتلقي أو الباحث أن يقوم بتحليل عميق لتلك الصورة لغاية استخراج المعنى أو الرسالة المراد إيصالها. وعند معاينتنا لأي صورة صحفية يجب الانتباه لعنصرين أساسيين بحسب بارث، الصورة كمادة بصرية، والنص الذي يؤول ويفكك الصورة الفوتوغرافية، ويجملهما في المعنى الدلالي والمعنى الإيحائي .
***
• أبجد صور
برغم ما حام حول حديث الإمام البخاري القائل بــ : "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة هم المصورون "(5) من شكوك، في ظل انعدام سند فقهي واضح لهذا الوعيد، ونزول آية صريحة تحرم ذلك، فقد أكتسبت الصورة أهمية كبرى في حياة الإنسان الذي أضحى يعيش فورة كبيرة في المجال الإعلامي البصري نتيجة التطور التكنولوجي، ودوره الكبير في نقل الأحداث والمشاهد الحية، وقد اجتاحت جميع مجالات الحياة، وأصبح لها تأثير ووقع على المتلقي، وأضحت خطابا قائما بذاته، لها لغتها وبلاغتها وأساليبها الفنية ومقوماتها الجمالية، التي تخاطب العين بالدرجة الأولى، وتتوجه برسالتها الضمنية للقلب والوجدان، والتاريخ النقدي والإرث الشعري غني بحمولته منذ منمنمات الواسطي وحروفيات الخطاطين الكبار الذين حاولوا تشكيل الحرف العربي ومنحه بعدا جماليا وصوفيا، مرورا بــ "أرسطو" الذي يربط الصلة بين الشعر والرسم في كتابه فن الشعر،(6) والجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر أي قال: "وإنما الشعر صناعة، وضرب من التصوير"(7) والقاضي الجرجاني القائل بأن الشعر "أصوات محلها من الأسماع محل النواظر من الأبصار"(8)، وغيرهم من قبيلة الشعراء على مر العصور الذين لولا أوصافهم لم نتعرف على طبيعة الصحراء وأهلها، وصولا للصورة الرقمية والقراءات المواكبة لها، كل ذلك يبرهن على اهتمام العرب بالصورة في أبهى تجلياتها، حيث تضحي كل ومضة أو قصيدة استجلاء لمورفولوجية تلك الصورة، وقراءة عاشقة لها، واستنطاقا لإيحاءاتها ودلالاتها، إذ لا تكون القصائد استنساخا للمشاهد المباشرة، وإنما تتقمص بعدا جماليا يحرض الذاكرة على البوح، ويبعث الواقع على هيئة صورة أخرى متجانسة ومشابهة له. يقول الشاعر قاسم حداد: "الصورة الفوتوغرافية (تقريبا) أخت الواقع، لأنها ستحاول، غالبا، إما محاكاة الواقع أو تأييده في لحظة محددة"(9)، ويكفي لصورة واحدة أن تحدث وقعها في نفوس ملايين المشاهدين وتحرك مشاعرهم، كما يمكن متابعة تأثير ذلك على أقلام الصحافيين والكتاب حول تلك الصور وتحليلها ومشاطرة أحداثها بحسب الحال، تماما كما بقول علي سيف الدين "في مذبحة قانا الصورة كانت تعادل مليون كلمة"(10)
في وصف بركة المتوكل نتمثل بقصيدة ابو عبادة البحتري، ولنتخيل الوصف كأنه صورة طبيعية مما يعرض علينا حاليا من صورة بريدية وكاتالوغات سياحية:
تنصب فيها وفود الماء معجلة = كالخيل خارجة من حبل مجريها كأنما الفضة البيضاء سائلة = من السبائك تجري في مجاريها إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا = مثل الجواشن مصقولا حواشيها فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها = وريق الغيث أحيانا يباكيها إذا النجوم تراءت في جوانبها = ليلا حسبت سماء ركبت فيها (11)
ويقول أبو نواس في قصيدة (المغتسلة) نَضَتْ عنها القَمِيْـص لصَبِّ ماءِ = فَـوَرَّدَ خَـدَّها فَـرْطُ الحيـاءِ وقَابَلَـتِ النَّسِيـم وَقَدْ تَعَـرَّتْ = بِمُعْـتَدلٍ أرَقّ مـِنَ الـهَـوَاءِ ومَـدَّتْ رَاحَة كالـمَاءِ منْهَـا = إلـى مَـاءٍ مُعَـدٍّ فـي إنَـاءِ فَلَمَّا أَنْ قَضَـتْ وِطْرًا وَهَمَّـتْ = عَلى عَجَـلٍ لِتَـأْخُذَ بالـرِّدَاءِ رَأَتْ شَخْص الرَّقِيْب على التَّدَاني = فَأَسْبَلَتِ الظَّـلاَمَ على الضِّيـاءِ فَغَـابَ الصّبْحُ مِنْها تَحْتَ لَيْـلٍ = وَظَلَّ الـمَاءُ يَقْطُـرُ فَوْقَ مَـاءِ فَسُبْحَـانَ الإلـهِ وَقَدْ بَرَاهـا = كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ النِّسَـاءِ(12)
ابو نواس أيضا وصف كأسا عليها تصاوير فارسية: تدور علينا الراح في عسجدية = حبتها بأنواع التصاوير فارس قرارتها كسرى وفي جنباتها = مها تدّريها بالقسيّ الفوارس فللخمر ما زرت عليه جيوبها = وللماء ما دارت عليه القلانس (13)
وهذه أبيات لعمارة اليمني يصف فيها قصرا: لم يبق نوع صامت أو ناطق = إلا غدا فيها الجميع مصوَّرا فيها حدائقُ لم تجـُدها ديمةٌ = كلا ولا نبتت على وجه الثرى لم يبدُ فيها الروض إلا مُزهرا = والنخلُ والرمانُ إلا مثمرا والطير مذ وقعت على أغصانها = وثمارِها لم تستطع أن تنفُرا وبها من الحيوان كل مُـشبـّهٍ = لبس الحرير العبقريَّ مصورا لا تعدم الأبصار بين مُروجها = ليثا ولا ظبياً بوجـرةَ أعـفرا أنِست نوافرُ وحشها لسباعها = فظبائها لا تتقي أسدَ الشرى وكأن صولتك المخـيفة أمنَّت = أسرابَها أن لا تخافَ فتذعرا وبها زرافات كأن رقابـَها = في الطول ألويةًٌ تؤم العسكرا نوبيةُ المنشا تريك من المها = رُوقاً ومن بُزل المهاري مِشفرا جُبلت على الإيقاع من أعجازها = فتخالها في التيه تمشي القهقرى (14)
ونستطيع إدراك مأساوية المنظر فيما يقوله محمود درويش مستلهما الصورة التي تناقلتها وكالات الأنباء للشهيد محمد الدرة وهو يستغيث في حضن والده "محمّد، يعشّش في حضن والده طائراً خائفاً من جحيم السماء: احمني يا أبي من الطيران إلى فوق! إنّ جناحي صغيرٌ على الريح… والضوء أسود محمّد" (15)
أو في ما قاله أمجد ناصر مستلهما صورة الطفل ايلان الكردي وهو منكفئ على وجهه على الشاطئ التركي: " (...) بيد أن صورته بوجهه المحجوب الذي يتوسّد الرمل، كما لو أنه يغفو من تعب، أو كمن يلعب "الغماية" مع شقيقه."(16)
***
• محمد مومني.. الفوتوغرافي الذي رأى علاقة محمد مومني بالصورة كفنان فوتوغرافي علاقة عريقة تتعدى الجانب المهني إلى العشق، ويعتبر التصوير فنا إبداعيا لا يختلف قي شيء عن باقي الفنون الأخرى، وقد سعى بجهوده الفردية الخاصة لإنزال الفوتوغرافيا من أجواء السماء إلى الأرض إن صح التعبير، وتقريبها من الناس وترغيبها إليهم، ويعتبرها محاولة لتفسير العالم،-;- -;-وتجسيرا تواصليا لاستكشاف تفاصيل الحياة-;-، -;-فهوسه بالفوتوغرافيا وإلمامه بأسرارها، واهتماماته بتقنيات التصوير الضوئي وليد تجربة طويلة، وقراءات متنوعة، وحفر أركيلوجي في تقنياتها، واحتكاك كبير مع فنانين بنفس المضمار، مما جعله يجتهد في هذا الميدان ويبدع فيه، لا من خلال عدسته ومصدر رزقه برغم محدودية الإمكانات وقساوة الظروف، ولكن عبر الكتابة عنها، والتواصل مع محيطه، من خلال تنشيط الورشات لصالح التلاميذ، وإعلاء شأن الفوتوغرافيا، وتحبيب هذا الفن للنشء، أو من خلال إقامة المعارض الفوتوغرافية، وحضور الملتقيات كمجهود إجرائي لترسيخ الفن البصري، ويتضح نضج تجربة الفنان محمد مومني من خلال فرادة لقطاته التي أثنى عليها العديد من أهل الإختصاص، هكذا تتشكل هذه التجربة الفنية البصرية الغنية بمادتها التوثيقية، وبعدها الجمالي، وبرسالتها الإنسانية، التي تترصد لتفاصيل الأشياء، دون تغييب النماذج النمطية والظواهر الاجتماعية التي تطالعه ليل نهار، ويتفاعل معها إلى أقصى حد، والتي نذر لها جهده ووقته، لتغطية تيمات متنوعة أهمها الطفولة، والمرأة، والناس البائسين، والمظاهر الطهورية والكبرياء والابتسامة البريئة في سمائهم برغم بساطة حياتهم، معذبون في الأرض، أطفال منبهرون برذاذ الماء، وآخرون يتخلون مبكرا عن طفولتهم لينغمسوا جديا في الحياة، أو يسندون رؤوسهم براحاتهم وهم يختلسون غفوة وسط ضغط البؤس، أو يشيلون محافظ أكثر من وزنهم ونصف، وكهول يقتسمون زاد الذكريات حول براريد الشاي، ويبتسمون ابتسامة شامتة بالوقت، وينظرون للغيب بنظرة مبهمة غامضة، وباعة جائلين، وماسحي الأحذية، وأطفال الشوارع، وذوو الحرف اليدوية، وعربات مجرورة، الحاصل معذبون في الأرض، ونماذج بدون تاريخ ولا مستقبل لهم، وكأنها تحيات يرسلها إليهم تعاطفا معهم، فهو يعتمد على رصد الصورة وسط الفضاء المحيط بها، مركزا على زر مغاير أو نظارة أو شعر منفوش أو سن ذهبية، وموقعا بابتسامة أو حركة أو ظاهرة غريبة وأشياء نادرة، حالات وأوضاع تبدو للرائي عادية ومكرورة، لكنه يكسبها بغير قليل من المهارة بعدا جماليا، يكشف من خلاله عن الجانب الإنساني الخفي في التفاصيل، مما يميز لقطاته ويحيلها إلى أعمال فنية تؤرخ لمرحلة وترصد ظاهرة معينة، وتختزل حِسا إنسانيا رهيفا، وذوقا جماليا عميقا متسلحا بعدة ميكانيزمات تتداخل فيما بينها لترصد بعناية زوايا العمل الفوتوغرافي. أو تضفي عليه بعدا استطيقيا مختلفاً غير مألوف، الشيء الذي يبرهن على مدى إحساسه بمخلوقاته، وانعكاس الحياة على حركاتهم وهيئاتهم وتقاسيمهم وتعابير ملامحهم وأكثر، مبتكرا للقطاته الفوتوغرافية القدرة الكافية على تحقيق فكرته، لأن عملية التصوير بالنسبة له ليست عملا ارتجاليا، وإنما اختزالا لعدة مراحل تقنية تتدرج من الفكرة كنواة إلى مراعاة الجوانب الجمالية إلى تنفيذها على أحسن حال، نوع من التصوير المفاهيمي العالم الذي يحتاج لدراية خاصة مع سبق الإصرار بتفاصيل الأشياء والمظاهر، ويعتمد على ترجمة كل مشهد إلى قصيدة صامتة.
يعتبر الأخ محمد مومني اللونين الأبيض والأسود والنور والظلال، حجر الزاوية في التصوير التصوير لديه، لأسباب تاريخية وتوثيقية وجمالية، لأن وجود هذين اللونين في الفوتوغرافيا يبدو أساسيا وأكثر جمالية واشد واقعية بحكم توزيع الظلال والتدرج ما بين الظلمة والنور من جهة، وقربه من الحقيقة والواقع، وبالتالي فوجود الألوان في الصورة يقلل من قيمتها وواقعيتها. لقد تعامل الفنان مع الوجود، من خلال اقتناصه للقطة الفوتوغرافية كما يجب أن تكون بدون مساحيق ورتوشات وزخارف. رغبة منه في امتلاك اللحظة الزمنية وتوثيق الوقائع بكل ما تختزله من فضاء وخطوط وظلال وأشكال وتواريخ وحركات وسكنات وقسمات وأضواء وظلال وفرح وبؤس وفخفخة وبساطة وغير ذلك. فاللقطات التي يوثقها تركز على تجسيد الحياة في ملامح شخوصه وأماكنه، هذه الإشارات بحسب المفهوم البارثي تحمل أكثر من رسالة، وتكشف عن البساطة في ملامح الإنسان، وتدلل على أن هذه البساطة هي الجوهر والقيمة والأصل في مجال التصوير الضوئي الذي يعتبره واحدا من أهم الفنون البصرية، ويشكل قاسما مشتركا مع العديد من المهن والهوايات والتخصصات العلمية، ويلعب دورا هاما في الكشف عن الأمراض في ميدان الطب، والكشف عن الحقائق البيولوجية والفيزيائية في ميدان العلوم، والكشف عن الحقائق والإثباتات والوصول إلى الدلائل الثايتة في مجال الجريمة، وكذا في الصحافة والإعلام والحياة العامة. ويتوجب استخدامه بعقلانية وجدية حتى لا نسيء للآخرين ونتوصل لتحقيق نبل رسالته وأهدافه المتوخاة.
***
• صور في مهب الشعر
تكمن أهمية هذا العمل الإبداعي في توفيقه بين الصورة باعتبارها فنا يرتبط بالزمان والمكان من جهة، والإبداع الشعري باعتباره إنتاجا أدبيا يرتبط بالخيال، ولا يسعنا سوى الإشادة بهذه المحاولة الإبداعية في ميدان التصوير الضوئي أو الشعر الفوتوغرافي، التي تعتبر استمرارا لتجربة ناضجة للأخ محمد مومني دشنها منذ سنوات رفقة المبدع فاتح حميم، وجمعت بين الصورة المعبرة والكلمة العاشقة، والموسيقا والتشخيص الفني، ونشرت حلقات منها على أعمدة بعض الصحف الوطنية، وتمزج محتويات هذا المؤلف المشترك بين اللقطات الفوتوغرافية التي اقتنصها الفنان محمد مومني في مناسبات مختلفة لمشاهد ووقائع وحالات اجتماعية، وبين الشذرة الشعرية الشفيفة للمبدع عبد الجبار الساكت، التي يعيد من خلالها صياغة تلك المشاهد الضوئية عبر متواليات طاعنة في إشراقاتها، دونما خيانة للتفاصيل، بحيث تتحول معها كل قصيدة إلى صورة ناطقة، وكل صورة إلى قصيدة صامتة، وسجالا متواصلا بين اللغة المفعمة برقة المشاعر وفيض الأحاسيس، وروعة المشاهد المجسدة التي تتصيد التفاصيل، وتزج باللغة في دائرة الغواية، وتحرر الشعري من عقاله، وتمنح القصيدة شغف البوح، وتحيل النمطي إلى الإنساني، والعابر إلى لحظة طاعنة في البقاء، ويعقدان فيما بينهما أواصر أشد عمقا، لاستجلاء السر الكامن في كيمياء الصورة وفك شيفرة طلاسمها، ذلك أنها إذا لم تثر في دخيلة المتلقي ذرة عاطفة وشجن أو انجذاب وحنين فلا يعول عليها، وفي هذا الباب تكمن العلاقة التواشجية بين قنص كاميرا الفنان وصيده، وقصيد الشاعر وتأثيره، بمقدار لا يستطيع احدهما الاستغناء عن الآخر..
نهاية أحب التنويه بأن هذا الكتاب يدخل ضمن سلسلة إصدارات رابطة أقلام احمر في إطار برنامجها التعاوني الرامي إلى تشجيع الكتاب والقراءة، وهو في الأصل عمل فني يواصل من خلاله الفنان محمد مومني تأكيد مساره في الحقل السينوغرافي والتصوير، رفقة المبدع عبد الجبار الساكت الذي وشى هذه التجربة البصرية بنصوصه المعبرة والمركزة، في محاولة جادة وطموحة تجمع الصورة الفوتوغرافية بالقصيدة الشعرية.. أليس الشعراء إخوان المصورين
=================
1- رولان بارت: العلبة النيرة 1998، ت: ادريس القري 2- نفس المصدر 3- ريجيس دوبري : "ليست حركية الصورة والكلمة من نفس الطبيعة، ووجهتهما ليست هي نفسها، فالكلمات تقذف بنا نحو الأمام فيما ترمي بنا الصورة في الخلف، وهذا التراجع في زمن الفرد والجنس الإنساني يعتبر مسرعاً ومحركاً للقوة. إن المكتوب نقدي أما الصورة فنرجسية." 4- د. عبد الغفار مكاوي: قصيدة وصورة - ص6، عالم المعرفة ع/119 5- صحيح البخاري بشرح فتح الباري 6- أرسطو: فن الشعر 7- الجاحظ 8- القاضي الجرجاني الوساطة بين المتنبي وخصومه 9- قاسم حداد 10-علي سيف الدين "في مذبحة قانا الصورة كانت تعادل مليون كلمة 11- البحتري قصيدة بركة المتوكل 12- ابو نواس قصيدة المغتسلة 13- ابو نواس 14- النويري: نهاية الأرب في فنون العرب، المجلد الأول، ص 410. وقد وردت الأبيات كذلك في كتاب النكت العصرية في أخبار الديار المصرية لعمارة اليمني 15- محمود درويس: محمد الدرة 16- امجد ناصر: صورة تصنع منعطفاً
المهدي نقوس اليوسفية - 01/10/2015
#نقوس_المهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقديم مجموعة -في انتظار حَبّ الرّشاد- لسعيدة عفيف
-
عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية - الحذاء ا
...
-
سهرة مع الثعابين
-
تجليات الخطاب الصوفي في رواية قرية ابن السيد للروائي المغربي
...
-
الحمرية - أقصوصة
-
ظاهرة التشرميل بالمغرب
-
الأدب المهجري تاريخه خصوصياته ومظاهره
-
-ذكريات سرمدية- للشاعر عبد اللطيف بحيري قراءة في العتبات
-
هل هي بداية خريف الحركات الاسلاموية في العالم العربي
-
ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
-
ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
-
-وشوشات مبعثرة- ليلى مهيدرة - قراءة في الانساق
-
ترنيمة لمفاتنها
-
حقوق الإنسان باليوسفية.. الواقع والآفاق
-
أعض على أناملي ثملا بالفجيعة
-
قراءة في رواية الطريق الى الملح للمبدع عبد الكريم العامري
-
أكبادنا عشب هذا الربيع.. وقصص أخرى
-
مخامرات عباس الرابع
-
أوطان آيلة للسقوط
-
التوك توك - أقصوصة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|