هاشم العيسمي
كاتب سياسي
(Hashem Aysami)
الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 03:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل الفكر السياسي العربي مدعاةٌ للتطرف ؟؟
في سؤال طرحه علينا أحد أساتذتي في نهاية مساق فكر سياسي عربي حديث و معاصر , في سبيل الربط بين الفكر السياسي و التأثير المجتمعي هو:
"هل الفكر السياسي العربي يدعو للتطرف؟؟"
و للإجابة على هذا السؤال لابد بداية من التوطئة للموضوع , فيعرف الفكر السياسي على أنه مداد القلم السياسي و كذلك بأنه الأفكار و القيم و النظريات التي تحرك الحكومة و السلوك السياسية , و نستطيع القول بأن الفكر السياسي العربي يقسم إلى عدد من التيارات ومنها التيار الإسلامي و القومي و الاشتراكي و الليبرالي و الشيوعي , و سنذكرها حسب تأثيرها على أرض الواقع إذ يقسم الصراع بين هذه التيارات إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى حيث سيطر التيار الليبرالي و كان الأكثر وضوحاً و تأثر الفكر العربي بقيم الحرية الليبرالية إثر الاحتكاك المباشر بالغرب تبعاً للإرساليات التبشيرية و الحركات التجارية و الاستعمار الغربي .
المرحلة الثانية: من الحرب العالمية الثانية و حتى أواسط السبعينيات , حيث سيطر الفكر الاشتراكي القومي القائم على شعارات الوحدة و الحرية و الاشتراكي و تعددت التيارات القومي بين الناصرية و البعثية و أخرى أقل وضوحاً اختلفت فيما بينها في أي العناصر أهم في تحقيق الوحدة و الدعوة للقومية بين عنصر العرق أو اللغة أو الدين , و ساهم في بروز القومية الروح التحررية التي انتشرت في المجتمع إبان التحرر من الاستعمار .
المرحلة الثالثة: من نهاية السبعينيات إلى الآن إلى الآن و سيطر في هذه المرحلة الفكر الديني , حيث أدى لسيطرة الفكر الديني عدة عوامل منها :
1- الهزائم و الإحباط و الفشل العربي الذي رافق القومية في مشوارها الطويل و تكريس أسطورة الجيش الذي لا يقهر , و النظر إلى التثبت بالعقيدة كحل للخلاص من حالة الهزيمة المستعصية .
2- قضية الدين هي قضية عالمية , أي أن ما حدث هي صحوة دينية عالمية و ليست إسلامية فقط , حيث أن العولمة أدت فيما أدت إليه إلى التشابه و التماثل في الثقافات و السلع , و هذا ما ترفضه الطبيعة الإنسانية الميالة للتفرد لذا كان الدين هو الملاذ الأخير للعودة إلى حالة التفرد .
و أما التيارات الفكرية الأخرى فقد تواجدت على شكل أحزاب أو جماعات أو مدارس كالأحزاب الشيوعية و البعثية و الليبرالية و غيرها .
و هنا ننتقل من الفكر السياسي إلى تعريف التطرف , فيعرف بأنه الخروج عن الأعراف و التقاليد و السلوكيات العامة و المعايير المجتمعية و الخروج عن القانون السائد , و اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً إزاء فكر قائم , و يرتبط التطرف بالتعصب و الانغلاق الفكري , فحين يفقد الفرد قدرته القدرة على تقبل أية معتقدات أو مجرد تجاهلها , فإن هذا يعد مؤشراً على تعصب هذا الفرد و انغلاقه على معتقداته , و يتجلى شكل هذا الانغلاق بأن كل ما يعتقده الفرد هو صحيح تماماً و أن موضوع صحته غير قابل للنقاش .
و هنا ننتقل إلى الربط بين الفكر السياسي العربي و التطرف , و لابد هنا من ذكر عدة عوامل من الممكن أنها أدت إلى حالة من الضياع العربي :
1- إن المدارس الفكرية العربية ليست صناعة عربية خالصة بل هي نقل عن تجارب فكرية أخرى كالقومية من فرنسا و الشيوعية من روسيا و الليبرالية من أمريكا و الدين كما ذكرنا هو صحوة عالمية .
2- اختلاف البنية التحتية للعالم العربي و تبعاً لذلك اختلاف تطبيق المدارس الفكرية , إذ أن المدارس الفكرية في الغرب و الشرق تطورت على بنية ابتدأت من الإقطاع إلى البرجوازية إلى البنية الرأسمالية الصناعية ,بينما البنية التحتية في العالم العربي لم تمر بالمراحل سالفة الذكر .
3- قضية العولمة التي تضاربت مع الدين الإسلامي على اعتبار الدين الإسلامي ولد في الوطن العربي و هو ما أدى إلى ارتباطه الوثيق بالقيم و الثقافة و الأفكار العربية بالإضافة إلى أنه يشتمل على قواعد تنظم الحياة الدنيوية و هو ما فرض قيود على المدارس الفكرية بين الجمهور العربي .
4- ضعف العرب و المسلمين في علم السياسة فرغم التطور الذي شهدته الحضارة الإسلامية في جميع المجالات إلاّ أنها لم تتطرق إلى علم السياسة سواء بالتأليف أو النقل و النقد و الترجمة عن الحضارات السابقة , و عدم تطرق العلماء العرب إلى موضوع الحكم و الدستور .
و مما سبق نستطيع الإجابة على سؤالنا ب "نعم" و "لا" معاً -;-
أما "نعم" فلأن الصراعات بين التيارات الفكرية و ضعف الآليات لدى كل منها أدى إلى التفات بعض الأشخاص إلى حل غير تقليدي للتخلص من حالة الفشل و الإحباط و عدم قدرة التيارات المختلفة على النهوض بالمجتمعات في المنطقة العربية -;- و هذا الحل هو التطرف .
و أما "لا" لأن هناك مجموعة من العوامل الأخرى التي أدت إلى التطرف متمثلة بتردي الحالة الاقتصادية و الفساد و الأمية و الفقر و الطغيان السياسي و التنوع الديني و المذهبي في الوطن العربي و النفوذ الأجنبي الذي تمثل بالسيطرة العسكرية وسيطرة ثقافات معينة على حساب أخرى , و لابد من الذكر أن هذه الأسباب ذاتها هي المبررات التي اعتمدتها المذاهب الفكرية السالفة الذكر للإنقلاب على سابقتها و التي أمنت لها الدعم الجماهيري اللازم إلى أن أثبتت فشلها لتأتي غيرها .
هاشم العيسمي 14-02-2016
#هاشم_العيسمي (هاشتاغ)
Hashem_Aysami#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟