|
المثقفون واوهام أهل الكهف
عزيز مشواط
الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 10:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تساءل العروي في خاتمة كتابه الموسوم "بالعرب و الفكر التاريخي") 1973(والذي جاء في اعقاب هزيمة 1967 :هل النخبة المثقفة قادرة على تجاوز افقها الخاص و مصالحها و افق الطبقة التي كونتها وتتطلع الى مجتمع أكثر عصرنة و اكثر تطورا )العرب و الفكر التاريخي ص217( نبعت اسئلة العروي من خيبة امل عميقة زاد من عمقها الامال التي كان قد بناها على النخبة المثقفة فيما سيكتشف لاحقا بانه نزعة طوباوية كشفت عجز النخبة المثقفة ذاتها بفعل هزائمها المتوالية وعدم قدرتها على التخلص من اوهام الحداثة و التطور. لكن دعنا نتساءل لماذا تزداد خيبة الامل من امكانية انتقال المثقف المغربي من مجرد مستهلك تابع الى الى المبادر المنتج؟ ولماذا يزداد المثقف هامشية اليوم ؟ وما الذي ادى بالنخبة الى التخلي عن ريادتها وقدرتها على التغيير ؟ ولماذا لم تستطع النخب التي وصلت الى الحكم ضمان التجسيد الفعلي لشعاراتها و افكارها على ارض الواقع ؟ولماذا تخلت النخبة عن شعاراتها و انساقت وراء الامتيازات بل ان النخب التي امتلكت بعض وسائل السلطة شكلت نمط حكم ونماذج هي الأسوء من نوعها على الاطلاق؟ مشكلة المثقفين الأساسية مع افكارهم،فالمثقفون هم بالدرجة الاولى ضحايا افكارهم ونمط التفكير لديهم ،خاصة عندما يتحولون الى باعة اوهام و حراسا لافكار عتيقة و بالية على حد تعبير المفكر الفرنسي ريجيس دوبري . ان النقد الاكثر جذريةيجب ان يوجه الى الى انماط تفكير المثقفين ومن دون ذلك سيكون الكلام اشبه بصب الماء في الرمل اصة و ان خطاب المثقفين يمارس نوعا من الاخفاء و الالتباس عندما يركز على نقد السلطة التي تصبح دثارا يخفي به المثقف ازمته الحقيقية التي تجعل منه عاجزا وتابعا عوض دينامية الفعل العضوي المسهم في التغيير. صحيح ان ازمة المثقف لدينا اكبر من ان تختزل في جانب دون أخر لكن للأزمة وجه اخر اكثر شراسة وخطورة :انها نخبوية المثقف الذي يتعيش من الكلام عن مصالح" الجماهير".فهل مجرد اعلانات الحرية وبيانات الحقيقة وادعاءات المشروعية كافية لفك عزلة المثقف وهامشيته؟ الملاحظ لما يجري في اروقة خطاب المثقف العربي عموما و المغربي خاصة ،لابد ان يستخلص مساران اثنان اختطهما المثقف لنفسه او اجبر على الانضواتء تحتهما. اما المسار الاول فيدافع عنه مثقفون اختاروا الانعزال في اوهام السلطة فتبنوا ايديولوجية وظيفية اساسها الحفاظ على الأنظمة القائمة ،فاستغلتهم السلطة القائمة من خلال تاريخهم النضالي ،فتلاقت رغبتهم في كسب الغنائم مع رغبة السلطة في تلميع صورتها ،فحدث ذلك التماهي مع السياسي قبل ان يسقط المثقف في الثنائية القاتلة التي تعتمد التفريق بين الطليعة و الجماهير ،وهو الشعار الذي يتم تبنيه ضمنيا لتبرير الاحقية في الذوذ عن مصالح الجماهير التي لا يزداد المثقف الا ابتعادا عنها . اما التوجه الثاني فان اوهامه من طبيعة مغايرة وتتمثل في فشل المثقفين في التعاطي مع المتغيرات و الوقائع الجديدة ،و احساسه الدفين بان الاحداث تتجاوزه مما يحيلهم الى حراس امناء لافكار ميتة ،فيصدق فيهم وصف علي حرب الذي اطلق عليهم تسمية "اهل الكهف"نظرا لعجهم عن التكيف مع المتغيرات الجديدة في عالم لا يومن بالمثقف "المحفلط المزفلط الكثير الكلام" .ما جدوى اذن ان تكون مثقفا ؟ وماجدوى الاستمرار في نرجسية تومن بالتفوق في عالم شدديد التعقيد ؟ يعرف ريجيس دوبري المثقف بكونه "الشخص الذي يدلي بدلوه في المجال العمومي و يعلن للملا اراءه الخاصة " تعريف دوبري يجعل من المثقف فاعلا في الساحة العمومية لكن بالمقابل يقيده بارتهانات خاصة في عالم متعدد الوسطاء الاجتماعيين و مدجج بفاعلين جدد لم يعودوا قادرين على السماح لا صحاب الخطب العصماء التواجد والانتشاء بنرجسية جوفاء. في عالم تسيطر عليه الصورة لم يعد المثقف ولو على الصعيد العالمي يحظى بتلك الهالة القدسية القديمة ،حيث تراجع دوره مع تراجع دور الكلمة المكتوبة فلم يعد المثقف هو الذي يصنع العالم ،بل صار في محيط الفعل فاعلون جدد هم الاقدر على صناعة الاحداث و التاثير فيها ،فلم يعد المثقف هو الوحيد الذي يحتكر الى جانب السياسي سلطة التاثير ،لقد اقتحم الميدان رجال الاعمال ومصمموا الأزياء ونجوم الغناء ،وأبطال الأفلام ،ونجوم كرة القدم،وأباطرة الاعلام . اعتقد ان ظهور فاعلين اجتماعيين جدد مسلحين باحدث مانتجته حضارة الصورة يشكل الرواق الامثل لاقتحام عوالم هزيمة المثقفين و التساؤل حول جذورها بهدف فتح حوار حقيقي بعيدا عن أوهام السياسة و مزايدات الايديولوجية الثقافية. وعلى هذا الأساس تجد مجموعة من الاسئلة شرعيتها الى فرض نفسها وهي كالتالي: هل يمكن ارجاع هزيمة المثقف الى ارتهاناته الايديولوجية و الى ذلك التوحد بينه و بين السياسي الى الحد الذ اصبح فيه اداة طيعة في يد رجل السياسة و الناطق الرسمي باسمه املا في مصالح شخصية و انية؟ وهل يمكن البحث عن هزيمة المثقف بارجاعها الى ضعفه المعرفي بالمستجدات في عالم الافكار و المفاهيم ؟ وهل يمكن البحث عن هزيمة المثقف في مجال اخر مرتبط بتعميم قيم عالمية في سياق دولي كوكبي لا يومن الا بالمؤسسات ذات التمويل و الانتاج الضخمين؟ يبدو ان السؤالين الأول و الثاني يبقيان على درجة عالية من الاهمية غير ان السؤال الثالث يحتوي على راهنية بالغة في عصر الصورة الالكترونية العابرة للقارات و المقلصة للمسافات والمبشرة بعالم تنتفي فيه الحدود ،ولاتنضب فيه صناعة النماذج بدءا من صناعة نجوم كرة القدم ونجوم الغناء وصولا الى المنتوجات القيمية ذات الصبغة العالمية والتي تقودها شركات متعددة الجنسيات تروج لشباب الكوكاكولا الطافح بالحيوية و الدائم النجاح... الكليبات التلفزية،صور شاربات الكوكاكولا الجميلات،صورالنجاح الرياضي ،موسيقى الدجي دجي،الروكوالبوب و الهاردروك ،النزوع السينمائي نحو الليبرالية الاستهلاكية.... عندما توجه في اطارمنظومات اعلامية متكاملة تسهر عليها مؤسسات اعلامية و انتاجية بتمويل ضخم لا يمكنها الا ان تخترق اشد المنظومات الثقافية و تالقيمية صلابة و لا يمكن الا ان تودي بجدار المقاومة التقليدي الى التهلكة .فتبدو صورة المثقف التقليدي في برجه العاجي اقرب الى المسخرة منها الى الفاعل العضوي . الم يقل ريجيس دوبري"ان الشباب الدائم ،شاربات الكوكاكولا الجميلات ،ورجولة الكوباي المدخن للمارلبورو ،وموسيقى الروك... ربما عملت على قلب الشيوعية في اوربا الشرقية أكثر مما فعلته مؤلفات سولجستين اوبيانات هافيل" المثقف المغربي مطالب بطرح الاسئلة الحقيقية اما حراسة الافكار الميتة والبحث عن المنافذ الصغيرة لحفظ الامتيازات فلن تسهم سوى في تحوله الى كائن كاريكاتوري يثير الشفقة اكثر من غيره من البؤساء.
#عزيز_مشواط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهوية كمدخل لفهم صراع الحضارات
-
اشكاليةالهوية في العلوم الانسانية
-
قراءة في كتاب -الأصولية افة الاسلام- لعبد الوهاب مديب
-
تهديدات الظواهري وتفجيرات لندن تعيد مقاربات - كيبل- للفعل -ا
...
-
الحركات الجهادية و البحث عن الهوية بحد السيف و الدم
-
الخصوصية والهوية الثقافية
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|