خلف عامر
الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 11:08
المحور:
الادب والفن
نصوص مسكونة بالقهر والفجيعة والاغتراب
هي قراءة سريعة في ذاكرة تبحث عن قشة للنجاة تريد التمسك بالحياة ما أمكن ترى فيها إسقاطات..تعرية للذات.. فضح كامل لكل ما يحاك لإنسانية الإنسان من الإنسان ذاته ...كشف دسائس على شكل طلاسم حاولت الكاتبة جهان المشعان فكها وتحليلها بتكثيف واختزال شديد وفي نصوص قصيرة أشبه ما تكون بالتعاويذ التي يحاول الشخص أن يطرد من خلالها هواجس ومس وخوف انتابه ...نصوص أشبه ما تكون بصورة حقيقية للفاجعة أو هي الفاجعة ذاتها...!!
هولاكو ...ذئاب ...ولادة ...طاووس ..كوني له أَمَةً
تناولت الهم والقهر الإنساني بكافة أبعاده وجوانبه بدءاً من وأد الأحلام من قبل مصاصي الدماء وهم يجلسون فوق الجماجم يقرقرون ببلادة وكسل أراكيل الدم... و من تسييس للقطعان وجعل هاجسها الأول والأهم الركض المتواصل والدائم نحو الرغيف لأنه أداة استمرار وانتهاء بموت بقايا نخوة عالقة في الذات المقهورة والانكفاء في زاوية مظلمة تعشش فيها رطوبة وعفن مواقف تنز دون توقف صديداً وقيحاً يزكم الأنوف ويورث ذلاً وتخاذلاً يندى له الجبين ... هذا إن بقي جبين أصلاً ...!!
أي هولاكو ...!؟ هل هو الأب الذي غير لون دجلة لأيام ...!؟ أم الابن الذي قتل صناع الأبجدية و الحضارة الإنسانية ـ علماء بغداد ـ وكأني بها تقول هما وجهان لبذرة قذرة نتنة لتؤكد مصداقية قناعاتها بان الولد ألعن من أبيه وهذا ما أثبتته الحياة بقسوتها ومراراتها وعذاباتها وانكسارات أناسها ((لعبة قذرة ...رمى رمانة وسط الجموع اللاهثة خلف قوتها اليومي في ساحة البلد العامة ...تطايرت الجثث بلا أجنحة ...ضحك طويلا وهو يردد :أنظروا أنهم يطيرون فرحاًً بديمقراطيتنا ...!!))
تغلغلت في أعماق الذات البشرية راسمة بالدم مسلسلاً أتقنت فيه الدور ببراعة تامة ...وأظهرت وحشية الملقن السادي الذي يريد الخروج عن النص بوحشية أكثر ...إنها ديمقراطية الموت والدمار ...
( خلت الدنيا يوماً من الذئاب ...اجتمع قطيع الغنم ...وبعد مداولات وأخذ ورد ...احتدم النقاش ...وتناثر الصوف المنتوف في كل مكان ...وأخيراً ...استقر الرأي على تنصيب أحدهم ذئباً ...!! )
وكأني بها تعود ثانية إلى كشف اللعبة المسرحية وكشف خفاياها القذرة
سألت مجنون بعد أن قرأت عليه بعضاً من نصوصها المتخمة بالفجيعة والقهر :كيف تقيّم هولاكو ...!؟ضحك المجنون بعد أن رسم على الأرض صورة لسورة فصل الرئة عن الهواء والخشوع عن الصلاة والبسمة عن الشفاه قال بصوت فيه أنة كبيرة : ( في الليلة الظلماء يفتقد البدر وانتم تفتقدون حكمتنا كلمت ادلهمت عليكم الدنيا... أما عن هولاكو ونسخته أو مسخه الثاني فهم يحرقون الدنيا من أجل شعوبهم أما هولاكو العالم الثالث عشر فأنه يحرق الدنيا من أجل الكرسي ...) حاولت الكاتبة أن تقرأ ذاكرة المجنون للدخول إلى عالمه ... لتبدأ ولادة جديدة فاعلة وليست منفعلة في رحلة البحث عن الحكمة الضالة ...((حاولت أن توائم بين روحها وجسدها ...تعسرت الولادة ...وعندما ولدت انقطع الحبل السري ..!!)) بالتقاطع الحاصل بين حسها وحكمة المجنون استطاعت أن تكشف زيف التنكر رغم الإتقان الكبير ..( أن تميز الذئب عن الحمل ذلك أن طول معاشرتها للذئاب جعلها تميز وعن بعد رائحة الغدر ...!! )
أي غدر أكبر من غدر الأهل للأهل والجنين بالرحم والطفل بالثدي ...إنه عالم مجنون متخم بالعجائب والغرائب ...!!
أينما اتجهت في أركان بيتها الكبير تلاحظ تلك الحالة الضاغطة بين المطرقة والسندان أو بين فكي كماشة لا ترحم ولا مجال للهرب أو حتى لمجرد المحاولة ...((أمضى حياته يصول ويجول على المنابر داعياً : تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ...وعندما سرق النوم أجفانهم كان أعلاهم شخيرا ...!!))
وقتها أدركت بما لا يدع الشك بأن في كل زاوية نعامة ترتدي ريش طاووس وفقاعة محكومة بالانفجار التلاشي ...ليس الفقاعة فحسب بل وكذلك الجماهير المتخمة باللغط والوعود والأحلام الخائبة وهنا لابد من تذكر قول أحد الشعراء الموريتانيين :
حذار من تأييدنا أن يخدعك فمعه كنا وها نحن معك
حاذر الكف التي قد صفقت فهي حريّ بها أن تصفعك
وتنتقل من الخاص إلى العام وتتعدى مرحلة البيت الكبير إلى مرحلة العالم الكبير و الأوسع والأرحب من خلال تغلغلها في اللعبة الكونية وكشفها لخباياها وخفاياها من خلال الوصائية والولائية في قصتها القابلة لتآويل شتى ( كوني له أمة )ففيها تصوير حقيقي لخفايا النفس الإنسانية الدفينة وكأني بها تقول هذه الجموع خلقت لتصفق وتلك والأيدي للقمع وهنالك دائماً رسامون جاهزون لرسم تهم تناسب كافة المقاسات حين الاقتراب من الخطوط الحمر ... هنالك مقدرة كبيرة على البوح من خلال نصوصها التي تنضخ اغتراباً وما يجعلها قوية وصادقة هي ملامستها لأوجاع الإنسان وحاجاته الأساسية
هوامش :
في نصوص السيدة جهان المشعان الإنسان هو الهامش والمهمش والمهموش به بكل تفاصيله الإنسانية وهذا ما أدركته دودة قزها عندما فرت من الموت إلى ...الموت...!؟ ليس لانتهاء العمر الافتراضي لها بل لأنها لم تستطع أن تعود لتروي لأخواتها ما رأت في عالم النور والفضاء الرحب... أو لأنها ربما عادت فلم تجد أخواتها ...!!
#خلف_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟