|
أديب في الجنة (44) * منطق الظاهر ومنطق الباطن في فلسفة عقيدة الكاهن الطوبي !!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5071 - 2016 / 2 / 10 - 07:35
المحور:
الادب والفن
أديب في الجنة (44) * منطق الظاهر ومنطق الباطن في فلسفة عقيدة الكاهن الطوبي !! وهما يقفان ظاهرين أمام غرفة الراهبة المعلمة تساءلت الملكة نور السماء موجهة كلامها إلى الملك لقمان : - لا بد أن هذا الراهب يحمل منطقا فلسفيا ولو من وجهة نظره ، أدى إلى إقناع طاقم معبد - قد يتجاوز عدد رهبانه وراهباته المئات - بهذا الفكر الإنقلابي . لقد تحدثت الراهبة عن زنديق يبطن عكس ما يظهر في فهم معتقده ،حين يتطلب الأمر أن يواجه الناس خارج معبده . - لا شك أن لديه منطقه . سنرى ذلك خلال لقائه . سار الملك والملكة بشكل مكشوف في ردهات المعبد. ظهورهم المفاجئ في الردهات بعث الخوف لكل من رآهم ، فراحوا يهرولون إلى غرفهم ليلوذوا بها . وقد طلب الملك لقمان من الملك شمنهور وضع حراسة جنية خفية على غرف الأطفال فلم يعد أحد قادرا على الدخول إلى غرفهم ، فما أن يقدم أحدهم للدخول إلى غرفة حتى يشعر بيدين خفيتين تصدانه عن الباب، وإذا ما حاول المقاومة فإن قوة الدفعة تزداد حسب ردة الفعل ، وقد تؤدي إلى سقوط القادم . بدا الأطفال في غاية الفرح وهم يرقبون بعض ما يجري على مرآهم ليشعروا بأمان لم يستشعروه من قبل . ****** فاجأ الملك والملكة رئيس المعبد وهو يجلس مطرقا في مكتبه متفكرا كما يبدو في هؤلاء القوم الذين حطوا بمركبتهم على مقربة من المعبد ، وبدا أنه يتوقع حدوث ما لا تحمد عقباه . نهض مرتبكا حين رأى الملك والملكة يقفان في مواجهته دون أن يتفوها بكلمة . هتف متلكئا : - ككككك كيف دخلتم ولم لم تستأذنوا للدخول ومقابلتي ؟ تجاهل الملك تساؤله وجلس على أريكة في مواجهته فيما جلست الملكة على أريكة إلى جانبها . وبدا أنه قرر المواجهة من البداية فقد راح يحدج الكاهن باحتقار ويهتف : - أمثالك لا يستحقون الإحترام لكي يُستأذنوا ! ارتعد جسد الكاهن وكأن صدمة كهربائية مسته ، وحاول أن يتمالك أعصابه ويستعيد رباطة جأشه ، بأن هتف متلعثما : - لا لا لا أسمح لك ! هتف الملك بهدوء : - اجلس أمامي وأجب عن أسئلتي حتى لا ترى ما لا يسرك ! كان الكاهن ما يزال واقفا خلف منضدة مكتبه ، تردد في الإستجابة لطلب الملك ، بل وتشجع لأن يهتف وهو يضغط على زر أمامه طالبا نجدة من رهبان الدير : - ومن أنت حتى تحقق معي ! ولم يكد ينهي عبارته حتى وجد نفسه يحمل بعنف ليخبط جسده على أريكة في مواجهة الملك ، فيما كان بعض الرهبان يهرعون متدافعين خلف الباب وايدي خفية تصدهم عن الدخول . هتف الملك : - هل عرفت من أنا أيها الكاهن ؟ - ماذا تريد مني ، وبأي حق تستجوبني ؟ - أريد الحقيقة ؟ وأستجوبك باسم العدالة ! دُفع الرهبان بعيدا من أمام المكتب دون أن يعرفوا من يدفعهم ! - أي حقيقة وأية عدالة ؟ - حقيقة معتقدك واللاعدالة التي جعلتك تحول معبدا إلى مبغى ! ارتجف الكاهن وقد أدرك أن هذا الرجل عرف كل شيئ ! حاول أن يتهرب وينكر قدر الإمكان : - هذا غير صحيح يا سيد ! - وهل يكذب الأطفال الخمسة الذين تغتصبهم ، أم لعل المعلمة المدربة تكذب ؟ صعقت المفاجأة الكاهن " كيف استطاع هذا (الشيطان ) الوصول إلى أطفاله وإلى المعلمة "؟ - ليست الحقيقة كما عرفت يا سيد ؟ - كيف ؟ - إن ما أفعله هو من أصول معتقدنا ! - وهل تدريب الأطفال على فنون الجنس ومن ثم اغتصابهم هو من أصول المعتقد ؟ - نعم ! - وأين ذهب الدنس والترفع عن المتع والرغبات ورغد العيش والسعي إلى الطوبى ؟ - معتقدنا يا سيد يفهم من كل فئة اجتماعية حسب مرتبتها الإجتماعية ووعيها وثقافتها . فالدين له وجهان : ظاهر وباطن ! فالعامة لهم ظاهرالدين وكل ما يمكن فهمه ببساطة وعليهم أن يتقيدوا بتشريعاته وقوانينه ! والفئة الأرقى في المجتمع عليها التقيد بمعظم الفهم الظاهر والقليل من فهم الباطن ! والفئة الأرقى تتقيد بما يمكن القول أنه نصف الظاهر ونصف الباطن . أما الفئة السامية التي بلغت من مراتب الرفعة والسمو والثقافة والتبصر في المعتقد أعلاها وأرفعها ، وهي فئة كبار الرهبان والكهنة ، فهي لا تمارس المعتقد إلا حسب فهمه الباطني ، الذي هو أقرب إلى الطوبى التي تنطفئ أو تذوب أرواحنا فيها وتتحد معها بعد الموت الأخير ولا تعود إطلاقا إلى دورات التناسخ المديدة . فنحن كما عرفت نمارس المعتقد على وجهه الأكمل ! ونحن لم نصل إلى هذه المرتبة الرفيعة من المكانة والسلوك والتمتع بملذات الحياة الدنيوية إلا بعد دورات تناسخية ربما دامت لعصور ! وتوقف الكاهن عن شرح منطقه الفلسفي ! فيما نظر الملك لقمان إلى الملكة مبتسما وهو يهز رأسه وكأنه يقول لها " أرأيت ما هو منطق الكاهن الفلسفي "؟ - لكنك لم تخبرني بهذا الفهم في لقائنا الأول ،ولم تطلعني إلا على الفهم الظاهر أو الدارج الذي يتبعه عامة الناس ! - وهل تريدني أن أطلعك على ما يمكن ألا تفهمه كما يحدث الآن ؟ - طيب لنأخذ مسألة واحدة فقط وهي مسألة الجنس . كيف عرفتم أن حكيمكم مؤسس المعتقد قصد عكس ما أظهره وقاله للناس ! - لأنه ببساطة شديدة لم يتخذ موقفا مضادا من المرأة والجنس إلا لأنه لم يكن قادرا على تحقيق رغباته الدنيوية منهما ، فالنفس تواقة دوما إلى الجمال ،وبما أنه لم يكن قادرا على تحقيق رغباتها كانت ردة الفعل هذه ، وليحيل الأمر إلى الطوبى التي فيها السعادة الأبدية المطلقة ! - هل هذا يعني أنه يمكن أن يوجد جنس في الطوبى ؟ - لا نعرف ! ما نعرفه أن المتعة في الإنطفاء في الطوبى هي المتعة التي لا تضاهيها أية متعة على الإطلاق . يمكن القول أنها متعة المتع . - طيب ولماذا اخترتم الأطفال تحديدا لممارسة متعكم ؟ كان يمكن أن تختاروا نساء بالغات ؟ - وهل البالغات أجمل وأمتع من الصغار الجميلين ؟ - ألا ترون أنكم ترتكبون أكثر الفواحش إجراما ؟ - أبدا هؤلاء الأطفال سيفتخرون ذات يوم بأنهم كانوا محظوظين بعلاقتهم مع النخبة الأرقى في المجتمع ، نخبة كبار الكهنة ! وهؤلاء لن تحل أرواحهم بعد الموت في بشر أو حتى كائنات أقل شأنا ، ستحل حتما في بشر أرقى وأرفع متجاوزين أكثر من دورة تناسخية ! - يعني ممكن إلى المرتبة التي أنتم فيها ! مرتبة ما قبل الطوبى ! - هذا صحيح ! - قل لي ؟ هل المعابد الأخرى من المعتقد نفسه تفعل ما تفعلونه أنتم ؟ - بالـتأكيد لا ،لأنهم لم يبلغوا مرتبتنا لا الإجتماعية ولا الدينية ! - حسنا أيها السيد الكاهن بما أنني لم أقتنع بفلسفتك ولا بمنطقك ، رغم احترامي للمعتقد وللعامة من معتقديه حسب أصله . فقد قررت أن أبقيك سجينا في مكتبك هذا إلى أن أنظر في أمرك وأمر رهبانك وراهباتك ! أما الأطفال فسأعيدهم إلى ذويهم ليخبروا بما جرى لهم وليعيشوا طفولة سوية بعيدا عنك وعن أمثالك . واختفى الملك والملكة . ليغلق الباب على الكاهن . ****** يتبع
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات اللون والكلام ! همس إلى لون تفيأ ظلال المطر!!
-
أديب في الجنة (43) * اعترافات رهبانية وفظائع عقائدية !
-
أديب في الجنة (42) * قوانين طبيعية وطموحات لقمانية !!
-
أديب في الجنة (41) * الأنوناكي والطوبى التي لا يعرف الكهنة م
...
-
ساعة مع الله !
-
الدين والعقل البشري! شاهينيات 1163
-
أديب في الجنة (40) * العشاء في بحر معلق في السماء !
-
أديب في الجنة (39) * قوانين خارقة وإعجازية !
-
أديب في الجنة (38) * انقلاب تكنولوجي ينتج إلها تكنولوجيا !!
-
أديب في الجنة (37) * غيرة ملكية وحديقة محلقة في الفضاء !
-
أديب في الجنة ( 36) * وحدة الوجود ومذهب الملك لقمان!
-
الدين اليهودي في الإسلام ! شاهينيات 1164 .
-
أديب في الجنة (35) * الوجود مادة وطاقة لا تنفصلان !
-
أديب في الجنة (34) *مستقبل كوكب الأرض لا يبشر بالخير !
-
* أديب في الجنة (33) * بشر يتعبدون لأنفسهم دون أن يدروا !!
-
أديب في الجنة (32) * الألوهة في الإنسان ،والإنسان في الألوهة
...
-
أديب في الجنة (31) * تجليات الحب على الأرض وفي السماء!
-
أديب في الجنة (30) * حوارات فلسفية على موائد سماوية وراقصات
...
-
أديب في الجنة (29) * الوجود بين منطق العقل ومنطق الأسطورة !
-
أديب في الجنة (28) *الملك لقمان في كوكب الملحدين !
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|