احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 21:55
المحور:
الادب والفن
روى لي احد الاصدقاء ،وهو اخ مقرب ،وصاحب مجرب ، في ان احدهم ممن تجشم عناء الادب ، وتحمل هموم المعرفة ، قد انتقل الى جوار ربه ، وكان ان ترك فيما ترك ، وخلف فيما خلف ، مكتبة تزدان بمختلف العناوين ،وشتى المؤلفات ،وصادف ان اولاد المتوفى ،كانوا غير ميالين الى القراءة ،لم يرثوا حب المطالعة ، ولم ينالوا شرف المتابعة ، حالهم في ذلك حال اقرانهم ،الذين اعرضوا عن القراءة ،واحجموا عن الدراسة ،فقدموا الترفيه على التفكر ،واللهو على الجد ، لذلك رأت الام ان تعرض مكتبة الزوج للبيع ، بعد ان دفعت الى ذلك دفعا ، فقد لمست من اولادها اعراضا عما تركه والدهم ،وخلفه معيلهم ، من عظيم الاثر ،ومحمود الارث .
يروي لي صاحبي المقرب، ان الام قد اتفقت مع احد معارف زوجها ،على شراء مكتبته ،حتى اذا ما تم الاتفاق ، وهمّ المشتري برفع مقتنيات المكتبة ، تفجرت الزوجة باكية ،وتهاوت ناحبة ،وهي تصيح بأعلى صوتها (الان فقط مات زوجي ) .
الكلمات التي رددتها الزوجة ، كانت تختزل الكثير من المعاني ، وتستبطن العديد من المدلولات ،فقد عبرت خير تعبير ،عندما اعتبرت بيع المكتبة ، بمثابة موت زوجها المقسوم ،واجله المحتوم .
يبدو ان مكتباتنا هي الوجه الاخر لنا ، نحن معشر القراء والكتاب ، فنحن اذا ما افتقدنا هذا الاديب او ذاك ،فسوف نجده بشكل واخر من خلال ما كان يحتفظ به من كتب ، ويؤثره من مخطوطات واثار فنية وادبية ، ،لكننا عندما نفتقد ما خلفه من مكتبة تعكس ثقافته ،وتحوي تطلعاته، فهنالك نشعر اننا قد افتقدناه الى الابد .المكتبة ليست مجرد خانات ورفوف ،قد انتظمت بين ثناياها الكتب ،بل هي اكبر من ذلك ،فقد استودع فيها صاحبها كل ما يعتز به ،واغلى ما يفتخر فيه، من اسماء وعناوين وافكار ونتاجات ،باختصار المكتبة هي الجزء الحي والفاعل الذي يبقى عصيا على الموت والضعف والتلاشي .
السؤال الذي يطرح نفسه ، هو هل ستحظى مكتباتنا بعد رحيلنا عنها ، بمن سيرتب صفوفها ،ويبوب عناوينها ، وينسق بين احجامها ،ويزيح الغبار عن اوجه اغلفتها ،ام اننا سوف نشهد ذات المآل ، الذي آلت اليه مكتبة الزوج ، حيث يموت احدنا مرتين ، مرة على يد من اوكل بقبض ارواحنا ،ومرة اخرى، على يد من يشتري كتبنا ،بدراهم معدودة ،ودنانير محدودة .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟