|
بين الادب والسياسه
صافي الياسري
الحوار المتمدن-العدد: 5059 - 2016 / 1 / 29 - 20:07
المحور:
الادب والفن
في الادب الفرنسي – العراقي قراءة تحليلية مقارنه بين السياسة والادب اين يقف سياسيونا وادباؤنا اليوم ؟؟
.. بقلم : صافي الياسري الى مبدعة شعر اللوحة الشاعرة اللبنانية سيليا قرضاب مع التحيات للاطلاع فقط ربما في هذه القراءة اردت ا ن ابين لسيليا لماذا قرات شعرها قراءة لوحة وان ابين للقاريء والمبدع العربي وللساسة ومنظري السياسة وشائج وحبال الربط بين الادب والسياسة في فرنسا الابداع على طرفيها وهي في رايي مقطوعة عندنا نحن العرب جميعا بلا نقاش
ادلجة السوفييت وتسييسهم للادب امر لاجدال فيه ،بل كان بعض اسس وجود الاتحاد السوفيتي وقيامه على قواعد ديكتاتوترية البروليتاريا ، وقد كانت مبرراته النظرية محل نقاش في أوربا والاميركتين وافريقيا واسيا وكافة انحاء العالم الذي تأثر بالمعطيات السياسية التي افرزتها المادية الجدلية والماركسية اللينينية ، وقد افرز مدارس مناهضة ومتوافقة يمكن تلخيصها في مدرستين او نظرتين جوهريتين هما جماهيرية الادب ونخبويته ، فالذين اعتمدوا جماهيرية الادب انطلقوا من الفكر الماركسي الذي اهتم بوظيفة الادب والفن باعتبارها وظيفة توجيهية تحريضية تحشيدية لتحقيق اهداف البروليتاريا وخدمتها ، وقد افقدته هذه الادلجة الافاق المتسعه لاجنحته حين حددت وظيفته اذ ان ابسط ما فرض عليه هنا هو ان يكون مفهوما من قبل الجماهير بينما اطلقت النخبوية اجنحته في فضاءات الابداع مفترضة انه ليس بالضرورة ان يقوم الادب والفن بشرح ما هيتهما ونتاجهما ، وبرغم ان الادب السوفيتي قدم ادبا عالميا وانسانيا رائعا ولا يمكن انكار قيمته التاريخية والفنية ، الا انه ارتبط بمرحلته التي تم تجاوزها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ،وبات من السذاجة العودة الى مرحلة تجاوزها الزمن ، وبرغم ان المدرسة السياسية السوفيتية سعت الى تطوير تنظيراتها في اطاراتها القديمة ذاتها الا انها فشلت لاسباب اهمها القصور الذاتي الكامن في بذرة تكوينها وقواعد فلسفتها التطبيقية المتحنطة التي لم تتمكن من التكيف مع معطيات الانتقالة العالمية الى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والاستجابة لتحدياتها التي غيرت فيها الراسمالية اثوابها وقفزت بالطبقة العاملة ( او البروليتاريا ) بعيدا في مستوى المعيشة والرفاه الاقتصادي مما جعل العلاقة بين الراسمال والطبقة العاملة على غير ما كان متوقعا من صدام يفضي بالنتيجة الى انهيار الراسمالية وارتفاع هيكل الاشتراكية بحسب التنظير الماركسي ، وبمعنى ادق ، نجحت الراسمالية بتقديمها الوفرة الانتاجية في طمر الخنادق بنسبة عالية في نظامها المتجدد الاثواب بينها وبين البروليتاريا عبر اشباع حاجاتها بكفالة ضامنة عالية القيمة والموثوقية ، بينما قبعت دول الاتحاد السوفيتي او دول ديكتاتورية البرلوليتاريا المفترضة في اقبية التخلف والقصور والعجز عن تلبية الخط الادنى من الاحتياجات العامة ، والفشل الاقتصادي ، ( والاقتصاد كما نعلم هو مقياس نجاح النظام والفكر والنظرية السياسية التي يقوم عليها ) الامر الذي افقدها ليس فقط جاذبيتها وانما مصداقية اسسها الفكرية ، وافرز الفشل وطبيعة بذرتها تلك وكينونتها الساعية الى الاكتمال والكمال بحسب جدليتها ذاتها عبر الانقلابية النوعية الدائمة او ما عبر عنه المنشقون او يسار اليساراو التروتسكيون نسبة الى ليون تروتسكي - بالثورة المستمرة - وتروتسكي (و اسمه الحقيقي ليف دافيدوفيتش برونشتاين) ماركسي بارز واحد زعماء ثورة اكتوبر في روسيا عام 1917 اضافة الى الحركة الشيوعية العالمية في النصف الاول للقرن الماضي ومؤسس التروتسكية بصفتها احدى فصائل الشيوعية التي تدعو الى الثورة العالمية الدائمة وهو أيضا مؤسس الجيش الاحمر وعضو المكتب السياسي في الحزب البلشفي ابان حكم لينين. وعدم قبول فكرة الاستكانة والتنميط ، افرز ردة او انشقاقات عديدة قادت بالنتيجة الى ردة حتى على المادية الماركسية ودكتاتورية البروليتاريا ذاتها ، ومن ثم تطورت تلك الردة الى طرح غورباتشوف اوائل تسعينات القرن المنصرم ما عرف بالبيروسترويكا ( المصارحة ) والكلاسنوسيت ( الشفافية ) الذي ادى بالنتيجة الى انهيار الاتحاد السوفيتي ككيان سياسي افرزته اللينينية الماركسية في ظروف الحرب العالمية الثانية بعد ان سحب من اسسه مداميكها الاقوى التي تعتمد الارتكاز عليها في ارتفاعاتها وهي مداميك دكتاتورية البروليتاريا ، ومن ثم انهيار المعسكر الاشتراكي تبعا وبالنتيجة الكيانات والقواعد السياسية للنظرية الماركسية التي عجزت عن الاستجابة للتحديات الحداثوية ومابعد الحداثوية في منظومة الفكر والادب والثقافة والاقتصاد والاجتماع والادب والنظريات السياسية التي يمكن الاشارة الى ابرزها الذي عرف بمنظومة الواقعية السياسية ، الامر الذي جعل النظرية الماركسية كما ارى نتاجا ادبيا تاريخيا يمكن عده بضمن التراث الادبي الانساني ليس غير ، ولم نكن نحن هنا في العراق باصحاب شخصية تفردت او تميزت بشيء لا في الادب ومدارسه ولا في السياسة ونظرياتها وتنظيراتها ، فقد كنا في المضمارين مقلدين نمطيين على وفق مبدأ ( ملكيين اكثر من الملك ) وربما ينفع بعض الشيء هنا التذكير بالقول الماثور الذي اطلق في حينها على الشيوعيين العراقيين انه اذا امطرت السماء في موسكو رفع الشيوعيون العراقيون مظلاتهم ولذلك كان الشيوعيون العراقيون يحملون معهم دائما مظلات حتى في عز اب اللهاب !! والامر لايخص الشيوعيين فقط وانما يشمل بقية باقة الشوك والدفلى من القوى السياسية والتنظيمات الحزبية بما فيها حزب السلطة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يقيس الامور على طريقة اذا كان فلان يصلي وهو يغمض عينه اليمنى فساصلي مغمضا عيني اليسرى !!على ذات الطريق سار تنظيم السلطة السابق في تعامله مع الادب فتمت ادلجة الادب وتسييسه ، وبطريقة لم تخرج عن اشد تقاليد الادلجة الستالينية حتى صار الاديب العراقي كاتب تقارير ومخبرا امنيا وعينا ليس على مجتمعه وحسب وانما على زملائه الادباء ايضا وهو ما انحدر بالادب العراقي اسفل سافلين وسحب معه الى نفس الدرك العقليات والفعاليات والممارسات السياسية وهو الارث الذي تحتفل به الان فدرالية الاكراد ولطامة طائفة المنطقة الغبراء . اما الليبراليون فانهم حين عوموا الادب والسياسة وتنظيراتها قدموا لنا طبقا مفتوحا نستطيع نحن تحديد مكوناته ، او طبقا تنافسيا دون قوالب وربما كانت الواقعية السحرية لماركيز او الواقعية الخيالية الامركانية اللاتينية ابرز طبق من تلك الاطباق المفتوحة التي تعيد الى ذهني انا شخصيا سحريات الف ليلة وليلة وعالم الجن او العالم الاخر المخفي الذي يطيش بخيالي بعيدا في دوامات اللذة والرغبة في استعادة قوى ميتافيزيقية مغيبة في تلافيف اصطناعية او الاستعانة بها للخلاص من مشكلاتي الانسانية البشرية اليومية في مواجهة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المرفوض ولهفتي الثقافية حيث تردني الملعومة وتدخل راسي بانسيابية لاجهد لي فيها سوى الاسترخاء في عالم الحلم او الخيال ، قد يكون ذلك نوعا من التخدير والهرب والتدجين لصالح الحكام الاستبداديين ومنابع الاستغلال والسلطات المستلبة ، لكنه من جانب اخر اقوى واكثر فعالية وهو يدعو الى ثورة عارمة تزيل العوارض بين الحلم والحقيقة وهذا ما يمكن ان اعده اشد خطرا على الاستبداد من تنظير سياسي و ادبي بائس يدعو الى الثورة مباشرة ويدفعنا جفافه وقولبته بعيدا عن تلك الثورة التي يقدمها لنا ذلك الخيال الشاهق في تصويره حقوقنا واستحقاقاتنا كبشر نعيش مرة واحدة واذا فقدناها فقدناها مرة واحدة والى الابد وهو ما يشدنا اليها . ويمكننا هنا ايراد روايات بورخيس ايضا كوريث مطور او ثائر على قواعد الفكر والقوالب العائمة التي قام عليها أدب همنغواي الشديد الفردية او الذاتية التي عبرت عنها باخلاص رواية الشيخ والبحر في فرديتها الطاغية على عمق انسانيتها ، اذ تم تقشيرها ونزع لحاها والاحتفاظ باللب الانساني منها ، هكذا جاءت مائة عام من العزلة لماركيز وما تبعها لامادو في ظلال الواقعية السحرية ، ويمكننا هنا ايضا ان نقرأ النقلات السياسية الى جانب نقلات الادب ، في اميركا واميركا اللاتينية ايضا من كنيدي وكاسترو وجيفارا الى اوباما والساندينستيين وشافيز . اما الفرنسيون فقد ادبوا السياسة حقا ورفدوها بالكثير من المثقفين من كتاب وشعراء ، ومن طرائف زعيم فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية شارل ديغول حين سؤل عن رايه في تان تان وهو بطل مسلسل كارتوني كان يعلق بسخرية على شخصيات الحكومة الفرنسية وينتقد اداءها انه اجاب ( ان الوحيد الذي احسب له حسابه امام الشعب الفرنسي هو تان تان !! ) وكان شارل ديغول برغم كل قيمته الرمزية كمحرر لفرنسا ينتهج مدرسة ( اني تلميذ لدى الشعب الفرنسي ولست معلمه .. وهو بوصلتي ومصدر حكمتي وقراراتي !!) وتلك كانت بلاغة السياسة الفرنسية ان صح التعبير، البلاغة التي تجاوزت التنظير والقولبة فعلا وليس قولا وحسب كما اثبت اعتزاله الحكم حين فشل في الانتخابات ونحاه صندوق الاقتراع على عظمته التاريخية والسياسية التي ظل محافظا عليها ، وكما هو الامر في البلاغة في الادب . ومثلما في العربية ، في الفرنسية ، تنهض البلاغة في كيانين بارزين ، الاول الصورة ، وهنا اميز بين اللوحة التعبيرية الديناميكية وبين الصورة الفوتوغرافية في اللغة ، كما هو الحال في الواقع ، فمثلا وصف الحصان التفصيلي بمفردات الجمال والقوة ، وباستخدام العبارة الوصفية القاموسية ،هو في الحقيقة فوتوغراف ،اصطياد وتجميد اللقطة في اللحظة والى الابد ، وهو الغالب في النثر التقريري ،بينما تاتي العبارة الشعرية حتى وهي تصف ، لوحة تتحرك بحيوية وحرارة ، منفلتة الى الابد ، على وفق جدليتها خارج قواعد التصوير ، انظر لوحة امريء القيس وهو يصف الحصان .. مكر مفر مقبل مدبرمعا كجلمود صخر حطه السيل من عل .. حيث ترتفع بلاغة العبارة في كيانيها هنا الى اعلى قممها ، فنقائض المعنى غير القابل للجمع، تجمع هنا بارادة رسام مبدع ، خالق ،في مفردة - معا - وهي هنا تشبه ضربة ريشة بارعة بل شبه مستحيلة لترسم لوحة ما زالت تتحرك حتى اللحظة ،وليس عليك ان تكون شديد الحساسية لتلتقط ديناميكية الصورة والمشهد المرسوم ببراعة لا تضاهى (كجلمود صخر حطه السيل من عل ..) استعد هنا منظر الصخور المتلاطمه بدلا من الامواج المتلاطمه ، وهي تتقافز بكل اتجاه مع السيل ، الحصان ، لا كوصف قاموسي وصورة جامده ،ويمكن للمزيد من ملاحقة كيان الصورة - اللوحة - في الشعر العربي ، معاينة رسومات البحتري ، واقول انها رسومات لانها تبتعد هي الاخرى ، عن القاموسية الوصفية وتدخل الحركة والبعد الزمني لها لاضاءة اللوحة ، وقد برع اغلب الشعراء الفرنسيين ، من ايام الرومانسيه واميرها هيجو ،في بلاغة الصور ، لكنها كانت من السذاجة بحيث كان لابد من الثورة عليها وهو ما حصل ، انظر هيجو في قصيدة من ديوان تاملات الذي صدر عام 56 ولاحظ سذاجة الصورة لديه : عندما عشنا سوياًعلى الصخور قديما حيث ينساب الماءوالغابة تهتزفى منزل يجاور الغابات كان عندها عشر سنين وثلاثون عندى وأنا دنياها كنت آه، كعشب معطرتحت أشجار ممتدة . بينما يرسم توماس ترنسترومار قبل اقل من خمس سنوات لوحة فيها من الغموض والرمزية ما يشي بالانتقالة الكبرى التي قفز فيها فن الرسم الشعري : وسط السهل, في البعيد تتلألأ نقاط ضوء ضئيلة لمدينة على طرف البصر وكأن رجلا لما يبحر في أحلامه حتى أنه لم يعد يتذكر قد مكث بها عندما يعود لغرفته.. وكأن رجلا لما يذهب بعيدا في مرضه حتى يتحول جوهر الأيام لإشارات ضعيفة على طرف البصر القطار متوقف تماما . اما الرواية الفرنسية فقد فقدت براءتها الرومانسية القديمة التي رسخها بلزاك امام الرواية الحديثة وفي رايي ان اكثر من يمثلها اعتبارا اليوم هم الفرانكوفونيون الافارقة والعرب وقد فازت قبل ثلاثة اعوام بجازة الكونكورد ماري تداي ، وهي فرانكوفونية من اب سنغالي وام فرنسيه. هكذا وبعد هذه الالتقاطة يمكن فهم البلاغة السياسية لشارل ديغول التي عبر من خلالها عن منبع نظريته السياسية ببلاغة لا تدانى في المعنى وفي الخلق والانتماء والوفاء وربما بالعودة الى رفضه الانصياع لقبول واقع احتلال بلده من قبل النازية الالمانية ورفضه لقرار الحكومة العميلة في باريس حكومة فيشي التي انتجت دولة فرنسا فيشي واسمها الرسمي الدولة الفرنسية (بالفرنسية É-;-tat Français). واستمرت بين تموز / يوليو 1940 وأيلول / سبتمبر 1944، وقد خلفت الجمهورية الثالثة وأعلن قيام حكومتها المارشال فيليب بيتان عقب سقوط فرنسا بيد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، . ورفضه الخضوع لواقع الاحتلال الهتلري واعلانه الثورة من الجزائر الفرنسية انذاك ، ابلغ البلاغة السياسية لقائد سياسي وطني قبل ان يكون قائدا عسكريا .. بينما نجد ان الكثير من ساستنا لا يخجل ان يقتعد كرسي السلطة وهو يعلم انه انما ينبطح تحت المحتل !! اما اديبنا ؟؟ فلا باس ان نتلمس له في واقع سلطة وتسلط السياسي عليه عذرا لقصوره الابداعي والمعرفي اذ لم يترك له في الزاوية التي حصره فيها هذا السياسي الا واحدا من ثلاث خيارات اما الرضوخ او مغادرة البلد او دخول السجن حيث يتم اغتصابه و تعذيبه وحتى قتله . تذكرت هذا فقد كان واحدا من موضوعات احاديثنا انا وصديقي الشاعر والناقد و الاديب المبدع منذر عبد الحر مدير تحرير جريدة الدستور البغداديه الذي كلما جلست اليه وتبادلنا الحديث حتى لو كان حديثا عاديا يبدأ من سطح التيار ، اجد نفسي مغرقا بانثيالات رؤى وافكار ومشاهد وصور لاتنتهي تدور كلها في فلك الادب ،القصة ،الرواية ، الشعر المسرح ، ولا يريم الحديث يغزل خيوطا لم تغزل من قبل ، واخر حديث لنا كان حول ازمة الادب المقارن ، ( ويمكنكم اعتبار هذا الحديث نوعا من الكتابة عن السياسة المقارنة .. نعم لم لا .. السنا نقارن فيه بين ساستنا و سياستنا ونظرياتها وسياسة وساسة العالم ؟؟ ) وبخاصة ما يتعلق منه بتلك ( الحرثة ) ( الدرب المطروق بالاقدام ) التي هندستها الاقدام العربية اثرا على درب الادب الفرنسي ، وتلك الحرثة التي هندستها الاقدام الفرنسية على درب الادب العربي، وانا من النوع الذي يشتجر الحديث بينه وبينه فكيف بينه وبين الاخر ، كان الحديث بيني وبين منذر مثل شجيرة حور تتفرع اغصانها بلا نهاية تتخلل افرعها غصون مفردة (الله ..) التي تنطلق بين الفينة والاخرى من شفتي صديقي لتعيد تفريع الغصون الى غصينات وتلك الى جذوع في جدلية مرهوبة فكريا وجماليا ، وحين انهض ، تكون الف فكرة قد وضعت أجنتها في رحم ذهني ، والجميع يعرف حين نذكر الادب المقارن اننا نعني حركة الاداب العالمية مثل حركة حدائق الدور التي تقيم علاقاتها السرية والعلنية فيما بينها ويفضحها موسم التلاقح على اطاراتها المنعزلة ظاهريا ، فهي تخرج من ثياب لغاتها لترتدي بعض ثياب اللغات والاداب الاخرى بعد ان تعيد حياكتها و فصالها ،والادب المقارن هو دراسة معمقة بعيدا في الادب القومي وعلاقاته التاريخية بغيره من الاداب الخارجة على نطاق اللغة القومية او الوطنية التي كتب بها ، في الاقل كما هو ظاهر ولن اغور في فلسفة التلاقح والتمثيل والايض الفكري والثقافي والادبي التي اعدها جدلا طبيعيا بحكم وحدة الحياة على الارض ووحدة مقاربة المعاناة الاجتماعية والفردية الانسانية او البشريه بين مختلف المجتمعات على اختلاف معاناتها ، وقد درجت الجامعات الفرنسية فى رسمها لمنهج الادب المقارن على جعل ادبها القومى مركزا تدور دراستها المقارنة حوله. كما انها لم تغفل دراسة الاداب الفرانكوفونية، والفرانكوفونية منظومة سياسية بالاصل افرزت منظومات ثقافية واجتماعية وادبية وثقافية وقيمية واقتصادية وهي في الادب تعني نتاجات ادباء ناطقين بالفرنسية من غيرالفرنسيين والمنحدرين من اصول عربية كانت ام افريقية او حتى غربية، من الذين آثروا الكتابة بلغة فولتير. ولسنا هنا بصدد التعريف بالفرانكوفونية وانما بارتباطها الوثيق بدراسة الادب المقارن واغنائها لذلك الادب لكونها تعينه على تعميق البحث فى لغة ( الاخر) وثقافته. ففي الفرانكوفونية يهتدى دارس النص من الزاوية المقارنة بين الادب الفرنسى والفرانكوفونية بهدى المدرسة الفرنسية وذلك لتخصصها بالتعمق فى عوامل التأثر التاريخية والشخصية، اذ يسعى الباحث الى تعميق الرؤية الاجنبية بحيث يكون التأثر بالاخر تأثرا ابداعيا.مثال على ذلك مؤلفات بلزاك، رائد الرواية الواقعية فى القرن التاسع عشر من خلال مؤلفه ( الكوميديا الانسانية) وكذلك مارسيل بروست، الروائى الفرنسى الذى احدث انعطافة كبيرة فى ادب القرن العشرين لتبنيه ثيمة تحليل الشخصية والعودة بالذاكرة الى الماضى من خلال حدس اللحظة فى مؤلفه ( بحثا عن الزمن المفقود).حيث يجد الباحث هنا ان الكاتبين قد تأثرا تاثرا كبيرا بشخصيات الف ليلة وليلة (حيث تتجدد الفكرة الادبية القديمة المعروفة بالمحاكاة او ما يسمى بالفرنسية "mimésis") .. يطرح الادب المقارن فى هذا المضمار الاختلافات بين الاثرين الادبيين ودرجة التأثر وبعده الزمانى والمكانى ومقوماتة الجمالية واللغوية.,اذا ما تعمقنا بشكل اوسع سنجد ذات التقارب بين البيركامو فى رواية الغريب والكاتب السورى زكريا تامر فى مجموعتة " صهيل الجواد الابيض" من خلال النقاط المشتركة فى الشخصية والمكان والزمان والحدث والسرد.وان تطرقنا الى نقطة التزام الكاتب الفرانكوفونى برسالة اجتماعية وايديولوجية فاننا سنلحظ بوضوح واقع ازدواجية الهوية لدى هذا الكاتب اوذاك وصراعه بين عادات ولغة ومفاهيم موطنه الام وبين ثقافة الاخر التى تتوسل الى العلمية باستخدامها مناهج متعددة فى البحث كالبنيوية والتاريخية والتحليل النفسى. يعد تلاقى الثقافات هذا حوارا يعترف بالاخر شريكا فى بناء الحضارة لا ذلك الاخر المستعمر الذى يبغى الغاء الهوية، والا فكيف يكون الابداع الا انفتاحا على حضارات اخرى؟نقطة تلاقى الثقافات هذة اخذة بالاتساع يوما بعد اخر وبشكل يوضح لنا اندفاع الدارسين والباحثين فى الاداب الفرانكوفونية للتحليق فى هذا الفضاء الثري ، حيث لمعت اسماء لكتاب الادب الفرانكوفونى الذين باتوا ينافسون الكتاب الفرنسيين انفسهم ونالوا اعجاب القراء مع اختلاف اهوائهم وميولهم. نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر الى الشاعر الفرنكوفونى ليوبولد سنكور رئيس جمهورية السنغال الاسبق والذى تفرغ بعد ذلك للادب واغناه بكتابات تغنت بموطنه افريقيا، واطلعت القارىء الفرنسى على سحر تلك القارة السوداء. مثله فى ذلك مثل الكثير من كتاب المغرب العربى مثل كاتب ياسين من الجزائر مؤلف رواية ( نجمة) التى حضت باهتمام الباحثين فى شتى مجالات الادب،( وهذا ما لم تفعله او عجزت او قصرت او ابتعدت عنه منظومة دول الكومنويلث الانجليزية التي ضمت مستعمرات بريطانيا السابقة واقتصرت نشاطاتها على البعد الاقتصادي في حين اريد لها ان تحذو حذو الفرانكوفونية كاعتذار عن سنوات الاستعمار الاعتذار الذي فشل الانجليز في تقديمه للشعوب التي استعمروها ) . كاتبة جزائرية اخرى هى ( آسيا جبار) من الفرانكوفونيين ، اختيرت فى حزيران عام 2009 عضوة فى الاكاديمية الفرنسية لتصبح بذلك اول شخصية عربية وخامس امرأة تدخل اروقة هذه المؤسسة العريقة، منافسة بذلك الكاتب الفرنسى دومينيك فيرنانديز بل ومتفوقة عليه. حرى بنا ان نذكر هنا ايضا الطاهر بن جلون الكاتب المغربى الحائز على جائزة الكونكور عن روايتة ( الليلة المقدسة ) وكذلك امين معلوف من لبنان الحاصل على نفس الجائزة عن روايتة ( صخرة طانيوس) واسماء كثيرة اخرى ممن تخطوا حواجز البحث عن الهوية والتأقلم مع مجتمع الاخر وممن حولوا اللغة الفرنسية من لغة امة محددة الى لغة كونية شاملة اتسعت لآلامهم وعذاباتهم وابداعاتهم، وهكذا ارتقوا بالفرانكوفونية الى افاق واسعة ترسخ فى الذاكرة الانسانية. ومن الصحيح القول اننا هنا في العراق لا نملك تلك الصلات التي تشد بين خيوط نسيجنا الادبي والنسيج الادبي الفرنسي بشكل مباشر ربما لان اللغة الفرنسية لا ترتقي الى مرتبة اللغة الانجليزية كلغة ثانية مساعدة ترسخ حضورها بحكم الاستعمار الكولنيالي والثقافي الانجليزي الذي رضخنا له حقبة من الزمن او زمن بداية تشكيل الوعي العراقي لحقبة ما بعد الهيمنة والاستعمار العثماني ، ، كما ان حركة الترجمة عن الفرنسية وبخاصة خلال العقود الثلاثة المنصرمة اذا استثنينا التكرلي ضمرت ان لم نقل تلاشت بسبب الحرب العراقية الايرانية وانصرف الادباء والكتاب والمؤسسات الثقافية العراقية بعيدا عن الترجمة التي عدت انذاك ترفا لا يمكن قبوله الى جانب متطلبات مجاراة وقائع الحرب وبسبب دخول الكويت وما اعقبه من حصار مرير على العراق دام من عام 1990 حتى سقوط النظام عام 2003، ثم اعوام الاحتلال التي ما زلنا نرزح تحت نيرها وتاثيرها ، اي ضمور ادب الترجمه او الادب بشكل عام ونتاجاته في العراق بفعل سياسي ، لذلك اعتمدنا ترجمات عربيه وصلتنا في الاعوام المتاخرة دون تسلسل زمني للتطور الذي عاشه الادب الفرنسي والفرانكوفونية ومن ثم لوحات الادب المقارن او تلك الحرثة المتبادلة بين الادب العربي والفرنسي ، اتمنى ان تعود حركة الترجمة الى سابق عهدها فهي في الحقيقة ليست ترفا ثقافيا او ادبيا وانما ضرورة ملحة لتوسيع المشهد الثقافي والادبي العراقي الى مساحات اكبر وسد النقص المعرفي الحاد الذي خلفته سنوات العزلة العراقية التي ما زالـــــت تفعل فعلهـــــا في جفـــــاف حقولنا وضمور شجيرات البرتقال والنارنج والتفاح وازهار الاوركيد في حدائقنا . وبالنسبة للسياسة المقارنة في الفرانكوفونية فانه يمكن القول بيقين انه لو كانت هناك جائزة كونكور سياسية لما فكرنا بغير سنكور الذي وضع مصلحة بلده فوق كل شيء وهو يغير العلاقة ما بين بلده المستعمر سابقا من قبل فرنسا الى بلد صديق بندية لفرنسا دون عقد منطلقا من ان السياسة اداة وفن خلق المصالح بين الشعوب بدلا من الحروب واستذكارات التاريخ الاسود .. وان تلك صفحة من الممكن قلبها اذا صدقت النوايا في الاعتذار العملي وتبادل الاحترام والمودة والتعاطف والتعاون دون عقد ، .. تلك النظرية الفرانكوفونية لم يكن اي من زعماء شمال افريقيا العرب الذين كانت دولهم مستعمرات فرنسية مثل تونس والجزائر قادرا على فهمها فقد تحولوا الى طغاة تناضل شعوبهم لاقصائهم ، واحسب انه ليس هناك من مجال للمقارنة بين ديغول وعبد الكريم قاسم او علي عبد الله صالح او القدافي او السادات او مبارك او حتى عبد الناصر وهؤلاء جميعا زعماء عسكريون وضعتهم انقلابات عسكرية على رؤوس شعوبهم ولا علاقة لهم بالادب والسياسة اصلا وانما صاروا جميعا ادباء وساسة بحكم رئاستهم ؟؟ ولا ادري هل يمكن ان ننسى ان الفلاسفة والشعراء كانوا هم حكام اثينا الحقيقيون ، وبعض هؤلاء العسكر ما زالوا يحكمون بلدانهم منذ ثلاثة او اربعة عقود .. وللمقارنة فان مبارك تساقط العشرات من شبان مصر الثائرين على حكمه قبل ازاحته ليحل محله عسكري اخر . وهو لم يفكر في التنحي حتى بعد ثلاثين عاما من الحكم الاستعبادي بينما تنحى ديغول بعد ثورة الطلبة المعروفة مقرا ان مرحلة جديدة تواجه فرنسا تتطلب ان يعتزل .. فاين يقف ساستنا وادباؤنا من ادب السياسة وسياسة الادب امام مثل هذه الامثلة الانسانية وهم يجبرون شعوبهم على القبول بهم ملوكا تشاد عروشهم على الجماجم والدم ؟؟ بينما يقف الاعلاميون والادباء على تلال من الزيف والادعاء يتفرجون على المهزلة الدموية ان لم يشاركوا فيها ككل المرتزقة !! واود اخيرا ان اسجل نقطة مهمة هنا ... هي اني في كل حواراتي مع الساسة المنافيست العراقيين في العراق الجديد لم اجد من يملك فكرا يتسع لفهم نظرية سياسية ما يمكن ان انسبه لها ؟؟ ولا من ادب احفظه له .. اللهم عدا ان علي ان اعترف ان الوحيد بينهم هو طالباني الذي يحفظ كل اشعار الجواهري وتربطه به صداقة حميمة .. لكن طالباني ماذا يعني اكثر من فرد في احسن الاحوال .. ثم انه هو الاخر احد ورثة نظام القمع السابق الفدراليون !!! ساستنا العراقيون بيقين اذن ... على هذا اما بلا فهم سياسي ولا ادب او بلا ادب....ولا فهم سياسي .
#صافي_الياسري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اميركا وسياسة تفكيك الملفات الايرانية العالقه
-
على المجتمع الدولي وضع الميليشيات الايرانية في العراق على قو
...
-
شاهد عيان حي النظام الايراني يعدم المواطنين بسبب ارائهم ومعت
...
-
تقرير هيومن رايتس ووج الجديد
-
هل نجح اوباما في انقاذ الغريق الايراني
-
العفو الدولية في تقرير جديد حول انتهاك حقوق انسان في ايران
-
ما الذي ينتظر روحاني في اوربا ؟؟(2-2)
-
ما الذي ينتظر روحاني غدا في اوربا ؟؟
-
الاقتصاد الايراني بعد رفع العقوبات
-
كم هي اموال الشعب الايراني المجمدة والتي سيفرج عنها ؟؟
-
الخمر في ديوان العرب والمسلمين
-
تقرير موسع عن نشاطات النظام الإيراني الإقتصاديه في العراق
-
ملالي ايران والفساد المالي السرطاني
-
الغاية النبيله وسيلتها نبيله
-
على خلفية رفع العقوبات عن النظام الايراني
-
هوامش اعتراضية على تقرير اليونامي بشان انتهاكات حقوق الانسان
...
-
الملالي وعرض عضلات فارغ جديد سينتهي حتما بكاس سم باليستي
-
نيران العنف الطائفي هل تمتد الى بغداد
-
المخفي والمعلن في مهزلة الانتخابات
-
المرأة الايرانية والبحث عن سواحل الحريه-1-
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|