|
هل تدفع بوركينا فاسو ضريبة التدخل الامبريالي الفرنسي في بلدان غربي إفريقيا؟
مرتضى العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5054 - 2016 / 1 / 24 - 19:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
15 جانفي: الإرهاب يطال لبوركينا فاسو
رغم الأوضاع المتوترة التي تشهدها منطقة إفريقيا الغربية، كانت بوركينا فاسو تمثل شبه استثناء، إذ هي لم تشهد حتى هذا التاريخ عمليات إرهابية تذكر فوق أراضيها. وفي اليوم المذكور هاجمت عناصر إرهابية مسلحة مقهى "كابوتشينو" الواقع في إحدى أكبر شوارع العاصمة البوركينية واغادوغو، شارع "كوامي نكرومة" وأطلقوا النار بصفة عشوائية على الحرفاء المتواجدين داخله. وقبل مغادرته، أضرموا النار فيه واتجهوا نحو نزل "سبلانديد" المقابل، وفي طريقهم إليه كانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات ويحرقون السيارات الرابضة في الشارع. وكرّروا نفس الصنيع داخل النزل بعد أن احتزوا العدد الأكبر من المتواجدين داخله. ومعروف أنّ هذا النزل يؤمّه بالخصوص زوّار أجانب، وكان ينتظم داخله ساعة الحادثة حفل استقبال نظمته "وكالة حماية وتأمين الملاحة الجوية في إفريقيا ومدغشقر"، يحضره وزير التشغيل البوركيني. وكان الإرهابيون قد فخخوا جميع المنافذ المؤدية إلى النزل والمدارج الداخلية حتى يمنعوا أو يؤخروا اقتحامه. ولم تعط الأوامر بالتدخل إلا في ساعة متأخرة من الليل ممّا جعل الحصيلة ثقيلة إذ تشير الأرقام إلى وقوع 29 قتيلا من جنسيات مختلفة من بينهم فرنسيان وسويسريان وأمريكي و6 كنديين. وقد تمكنت القوات البوركينية مدعومة بعناصر من طلائع الجيش الفرنسي ومساعدة لوجستية أمريكية من اقتحام مبنى النزل وقتل المهاجمين الثلاثة وإخلائه من حرفائه الأحياء وعددهم 126 من بينهم ما لا يقلّ عن 33 جريحا.
تنظيم القاعدة في بلاد المغرب يتبنى العملية
وقد تبنى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي العملية ونشر بيانا على موقعه يهنئ فيه "المرابطين" بنجاح العملية التي أسفرت عن مقتل 30 "صليبيا" حسب ما جاء في البلاغ. وتأتي هذه العملية بعد أقلّ من شهرين عن العملية المشابهة التي نفذها نفس التنظيم في العاصمة المالية "باماكو" في نزل "راديسون بلو" والتي قتل خلالها 21 أجنبيا من المقيمين في النزل. وفي نفس اليوم شهدتمنطقة "تين أكوف" الشمالية المحاذية لمالي هجوما مسلحا ضدّ دورية من الجندرمة كانت تحرس الحدود، شنته مجموعة مسلحة تضمّ قرابة العشرين نفرا، أسفر عن قتل رجل أمن ومواطن غير عسكري وجرح اثنين آخرين. أمّا في شهر أفريل الماضي، فقد قام نفس التنظيم أي "المرابطون" وهو أحد أذرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي باختطاف مسؤول الحماية الأمنية بمنجم "تمباو" للمنغانيز وهو روماني الجنسية ولم يُعرف شيء عن مصيره إلى حدّ الساعة. كما قامت عناصر مسلحة في وقت لاحق باختطاف شيخ مسنّ وزوجته وهما من أصل استرالي يعيشان في بوركينا فاسو منذ سنة 1972، ولا أحد يعلم شيئا عن مصيرهما ولم يتبنّ أي تنظيم عملية اختطافهما. فتنظيم القاعدة المذكور يعتبر بوركينا فاسو من البلدان المعادية نظرا لاحتضانها قواعد للجيش الفرنسي التي تنطلق منها حملاته فيما يعرف ببالحرب على الإرهاب في بلدان الساحل والصحراء. كما أن وحدات من الجيش البوركيني تساهم منذ مدّة في البعثة العسكرية الأممية في مالي، وهي تتمركز في مدينة "تمبكتو" منذ أن شرعت فرنسا في تنفيذ حملتها العسكرية المسمّاة "سرفال" سنة 2013 لصدّ هجمات "الطوارق" وفصائل ما يُعرف بالتنظيمات الجهادية في المنطقة على الأنظمة القائمة في تلك البلدان.
التدخل الفرنسي يقوّي نفوذ الجماعات الإرهابية في المنطقة
لكن أين وصلت حملات الجيش الفرنسي التي كان هدفها المعلن تطهير المنطقة من هذه الجماعات؟ فالمعلوم أنّه حتى أواخر سنة 2012، كانت هذه الجماعات تتمركز أساسا شمال مالي. لكنها اليوم فإنها تبسط نفوذها على كامل مناطق البلاد بل وتتعدّاه للبلدان المجاورة. فالمتتبع لأنشطة هذه الجماعات الإرهابية في المنطقة، يلاحظ نوعا من تقسيم مناطق النفوذ بينها. فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب يسيطر بالخصوص على منطقة "تمبكتو"، بينما تتحرّك مجموعة أنصار الدين التي يتزعمها "إيفاد غالي" وهو من الطوارق في منطقة "كيدال" أساسا وجناح آخر لها في الجنوب قرب الحدود الإيفوارية. وجبهة تحرير "ماسينا" في وسط البلاد. أمّا شرق البلاد فيسيطر عليه ما تبقى من التنظيم الذي يطلق على نفسه "حركة توحيد الجهاد في إفريقيا الغربية" الذي يسعى إلى إخضاع متساكني المنطقة بقوة السلاح لسياساته الإرهابية وينفذ من حين لآخر هجمات في أراضي النيجر. وأخيرا تنظيم المرابطين الذي يتزعمه الإرهاب مختار بلمختار والذي يُعتبر أحد أذرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي والذي ارتحل في وقت ما إلى ليبيا ثمّ عاد إلى مالي حيث أعلن عن عودته بعمليتين إرهابيتين في العاصمة باماكو، الأولى في شهر مارس الماضي واستهدفت إحدى المطاعم والثانية يوم 20 نوفمبر بالهجوم على نزل "راديسون بلو". فأين نحن إذا من أهداف الحملة الفرنسية المعلنة في مكافحة الإرهاب؟ ألا يمكن القول أنّه لم يتحقق منها شيء إن لم تكن أدّت إلى نتائج عكسية؟ وهذا الفشل لا يجب النظر إليه من الزاوية العسكرية البحتة بل وخاصة من الناحية السياسية، شأنه شأن التدخل العسكري الفرنسي في عديد مناطق التوتر الأخرى، وفي سوريا خصوصا.
في أيّ ظرف تتنزّل العملية الإرهابية الأخيرة؟
إن هذه العملية الإرهابية تأتي في ظروف إقليمية ومحلية دقيقة تميّزت إقليميا بتفاقم الأعمال الإرهابية في كامل منطقة إفريقيا الغربية ومحليا بالسعي المحموم من قبل القوى الامبريالية والرجعية المحلية للالتفاف على مكاسب انتفاضة 30 و31 أكتوبر 2014 التي أطاحت بالديكتاتور بلاز كمباوري وجعلته يفرّ بجلده من البلاد، حيث تعدّدت المناورات لإيقاف المدّ الثوري الشعبي، بتدخل سافر من القوى الامبريالية وخاصة من قبل الحكومة الفرنسية حيث كان سفيرها يعمل تأمين انتقال السلطة إلى أيد أمينة فتتالت الحكومات في ظرف وجيز إلى أن استقرّ الرأي على حكومة انتقالية تقود البلاد إلى انتخابات عامة في غضون سنة، فانقلب عليها جهاز الأمن الرئاسي في مرّة أولى، فوقعت ترضية قادته بإقحامهم ضمن هذه الحكومة ليضمنوا بذلك عدم فتح ملفات القمع والاغتيالات التي ساهموا فيها أمرا وتنفيذا ولعلّ أبرزها اغتيال الرئيس السابق توماس سنكارا سنة 1987 والصحفي المعارض نوربارت زنقو سنة 1998. ولعل آخر هذه المناورات الانقلاب الأخير على نفس هذه الحكومة بضعة أسابيع قبل تنظيم الانتخابات العامّة من قبل قائد الجيش الجنرال جلبار دينديري يوم 15 سبتمبر الماضي والذي تصدّت له الجماهير بصدور عارية وأفشلته وفرضت إيقاف المنفذين وإيداعهم في السجن ومحاكمتهم. وقد كشفت الأبحاث عن تورّط رئيس البرلمان الإيفواري في العملية التي كان يُراد منها إعادة بلاز كومباوري إلى سدّة الحكم. وقد سارعت بعض الصحف الصفراء إثر العملية الأخيرة إلى تمجيد الديكتاتور المخلوع لما كان يتسم به عهده السعيد من "أمن وأمان".
تشابك المصالح والأطراف وراء العملية الأخيرة
إذا، وحتى وإن كان الطابع الإرهابي الديني مؤكّدا في العملية الأخيرة فإنه ليس مستبعدا أن تكون مصالح عديدة وجهات متعددة محلية وإقليمية ودولية تضافرت جهودها ووفّرت الأرضية لتنفيذ مثل هذه العملية. فكوت ديفوار التي شكلت دوما الملاذ اللاجئ لديكتاتور بوركينا فاسو ليست غريبة عنها. فهي التي آوته لمدّة شهر سنة 2011 بعد ثورة شعبه عليه ومدّت يد المساعدة العسكرية لزبانيته الذي أعادوه للحكم. كما أننا نعتقد أنّ مخابرات الدول الامبريالية ليست غريبة عن هذه العملية كذلك خاصّة بعد تصاعد المطلب الجماهيري بإنهاء التواجد العسكري الامبريالي، الفرنسي خاصة على الأرض البوركينية وهو المطلب الذي تمّ رفعه خاصة خلال انتفاضتي أكتوبر 2014 وسبتمبر 2015. فتدخل القوات الخاصة الفرنسية إلى جانب القوات البوركينية خلال العملية الأخيرة يهدف بالأساس لتبرير الوجود العسكري الفرنسي وإقناع المشككين أن الجيش البوركيني لن يقدر بمفرده للتصدّي لمثل هذه المخاطر. وهو ما يُعطي الشرعية الكاملة لمطالب الحركة الثورية والديمقراطية في بوركينا فاسو في تطهير أراضي البلاد من كل تواجد عسكري أجنبي الذي لا غاية منه سوى حماية المصالح الامبريالية في كامل المنطقة ومساندة الأنظمة الرجعية المفروضة بقوة السلاح على شعوبها.
#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أردوغان يستغلّ انشغال العالم بالحرب على سوريا ليشنّ الحرب عل
...
-
-التنمية في تونس-، كتاب جديد للأستاذين محمود مطير وحسين الرح
...
-
الطبقة العاملة تستقبل السنة الجديدة بموجة من النضالات في أنح
...
-
الانتخابات التشريعية في فنزويلا: هل هو انتصار للثورة المضادّ
...
-
هل هي نهاية الاستقطاب الثنائي على الساحة السياسية الإسبانية؟
-
الانتخابات الجهوية بفرنسا: الشعب يعبّر عن رفضه لبرامج الأحزا
...
-
صدور العدد 31 (أكتوبر 2015) من مجلة -وحدة وصراع- في نسخته ال
...
-
خلفيات إسقاط الطائرة الحربية الروسية وتداعياته
-
القمة الدولية للمناخ: رهانات وعوائق
-
علامات من ثقافة المقاومة زمن الاستبداد
-
ثنائية الأمن والحرية في مواجهة الإرهاب
-
حوار مع الأستاذ عبد الحميد الطبابي حول كتابه الجديد -دراسات
...
-
ماذا يحصل في تركيا بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات
...
-
لا لسياسة الحرب والإرهاب والبؤس! من أجل جبهة مشتركة لنضال ال
...
-
العمليات الإرهابية في باريس ترسم مجددا خط الفرز بين القوى ال
...
-
حوار مع الأستاذ مصطفى القلعي حول كتابه الجديد -التيار الإخوا
...
-
اليونان من الاستفتاء إلى قبول المذكّرة الجديدة
-
أمام هجمة رأس المال، الطبقة العاملة العالمية تتجنّد للدفاع ع
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|