محمود الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 5052 - 2016 / 1 / 22 - 08:22
المحور:
الادب والفن
بيروت، العام 1982
صيفٌ ليس كأيّ صيف.
صيف انتفض، فجأة، من الخمول، يئنّ ويرتعش؛ فضاؤه مزدحم بأشباح تُغير مخلّفة زمجرة كالرعد، وأرضه تميد وتتحفّر تحت وابل القصف الذي قلّما توقّف.
كان الرجل في حيرة، شدديد القلق. طفلاه مرتعبان ويصرخان بالبكاء مع كل انفجار. زوجته تحتضن الطفلين وترتجف. أمُّه المقعدة بشلل نصفيّ ممدّدة في سريرها وتُتَمْتِم بآيات قرآنية. الوضع خطر ويفوق التحمّل، وعليه أن يغادر منزله الى أيّ مكان آمِن.
قال لزوجته:
- خُذي الطفلين الى السيارة واتركي الباب الخلفيّ مفتوحاً. سأحمل أمّي وأتبعكم. هيّا؟
توقّفت أمُه عن التمتمة، وقالت:
- لا تنشغل بي يا ولدي. أتركني واذهب. فأنا، في أفضل الأحوال، نصف ميتة. خُذ عائلتك واسلم برأسك.
أوجعته أمّه كثيراً. تسمّر الرجل كأن على رأسه الطير، فتبلّد فيه القلق، وغاب عن عالمه ضجيج الموت. وتدفّقت السنين مسرعة الى شغاف القلب، فحدّق الى وجه أمّه، والى عين تدمع: ويحكِ يا أمّي! أأترككَ فريسة للموت؟! أترضين بأن يقال: فرّ وترك أمّه وراءه؟ وكيف أعيش بضمير واقف لي بالمرصاد، يُعَيّرني ويزدريني؟ كم مرّة حملتَتي على ذراعيك؟ ها؟ كم مرّة؟
وانحنى فوق سريرها. مدّ ذراعه اليمنى تحت ظهرها وأسندها. سحب ذراعها الميتة وألقاها على كتفه، وأتى بذراعها الحيّة لتطّق بها عنقه. مدّ ذراعه اليسرى تحت ركبتيها، وانتشلها من السرير ومشى. نزل درجات المنزل ووضعها في المقعد الخلفيّ. وقبل أن يغلق الباب، ربّت على ركبتها، وقال:
- نعيش معاً، أو نموت معاً.
__________________
كانون الثاني ( يناير) 2016
#محمود_الخطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟