|
أية هيئة ؟ .. أي حل سياسي ؟ ..
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 12:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم كل التحركات السياسية والدبلوماسية الدولية والإقليمية ، ذات الصلة ، والمصلحة في التعامل ، بهذا الشكل أو ذاك ، مع حرب الإرهاب الدولي بعامة ، والحرب على سورية بخاصة ، التي ’تركز في ظاهرها على إيجاد " حل سياسي " لما اصطلح على تسميته بالأزمة السورية . فإن الحل السياسي المزعوم الذي يكرس له كل هذا الجهد ، لسي بوارد الآن . لأن الحل الذي يجري الشغل عليه حقيقة ، كما يذكر في المحافل الدبلوماسية ، عمداً أو سهواً أحياناً ، هو حل حول سوريا ، بين الدول المتصارعة على سوريا ، وليس حلاً " سورياً ـ سورياً " حلاً لحرب داخلية " سورية ـ سورية " أو صراع داخلي صرف " سوري ـ سوري " .
لقد وضع الصراع السوري ـ السوري ، أو ما سمي بالأزمة السورية ، خلف الظهر ، منذ أن ارتضت قوى معارضة متعددة ، ربط المتغيرات المطلوبة داخلياً ، بمخططات الأجنبي ومصالحه ، ورحبت باستخدام الخارج مطالبها في الداخل ذريعة لتدخله بما فيه التدخل العسكري ، وفي برنامجه الشرق أوسطي والعولمي ، وانتقلت إلى ممارسة الصراع المسلح تحت قيادته . ومنذئذ لم يعد من الواقعية بمكان ، تسمية ما يجري في سوريا " أزمة سورية " . بمعنى أن نشوأها وحلها شأن سوري ، ويمكن معالجتها من خلال تحركات ونضالات وتفاهمات سورية بحتة . وقد تعزز هذا التدويل في حراك هذه " المعارضة " بانتقالها إلى المرحلة الأسوأ ، في الاندماج مع التدخل الخارجي في الشأن السوري ، التي تجلت بتصعيد عدوان الخارج على سوريا ، من خلال جلب قواه الإرهابية من مواقعها في مختلف بلدان العالم ، وزجها في الحرب على سوريا ، والسماح لها باستباحة سوريا أرضاً وشعباً . ومنذئذ أيضاً تحولت هذه " المعارضة " إلى قوى معادية تؤدي خدمات أجنبية . . وبات ما يجري في سوريا حرباً تشنها قوى منظومة إرهابية خارجية . وبطبيعة الحال ، إن الطرف السوري الآخر ، الذي تمثله الحكومة السورية ، قد صار من حقه أن يتحالف مع قوى صديقة ، مهددة أيضاً بالعدوان وجرائم الإرهاب ، لمشاركته في التصدي للقوى الخارجية الإرهابية الغازية المتدفقة بأعداد هائلة ، وبآليات عالية الحداثة والدقة ، وعبر حدود دولية وإقليمية معادية على البلاد .
وغدا المشهد السوري يتضمن بوضوح ، قوى دولية كبرى معادية " مقررة " . ودول وإقليمية " مشاركة " تؤوي وتدرب وتعبئ وتجند وتسلح قوى الإرهاب الدولي التي ترسل .. أو سترسل .. إلى ميادين القتال في سوريا ، ويتضمن قوى دولية وإقليمية صديقة " مساندة " للحكومة السورية وجيشها الوطني . ومجمل هذه القوى الخارجية ، تشكل القوى المتصارعة الأساس في سيرورة الحرب . وعلى الأرض توجد قوى الحكومة السورية العسكرية من طرف ، وقوى الإرهاب الدولي من طرف آخر . ونتائج قتال الطرفين الميدانية ، تلعب دوراً أساسياً في صياغة القرارات السياسية لقوى الخارج ، التي تنتج عنها مبادرات وأنشطة سياسية ودبلوماسية ومؤتمرات .. ألخ .. وكل تغيير ملموس في الخريطة الميدانية العسكرية ، ’يحدث تغييراً في مستوى المبادرات السياسية .
ولهذا غمر مجمل " المعارضة السورية ، بؤس لا قدرة لها ، طالما هي منقسمة وبعيدة عن التكامل الوطني ، على رده . فمن جهة " المعارضة المعادية المرتبطة بالخارج ومخططاته ، لا تستطيع أن تحيد قيد أنملة عن متطلبات إملاءاته ، لاسيما وأن أغلبها يجري مباشرة . ومن جهة المعارضات الوطنية غير المرتبطة بالخارج ، لكنها مستمرة بممارسة المعارضة التناحرية للنظام ، تبقى أسيرة الارتهان للنتائج العسكرية الميدانية من جهة ، ولفعالية المعارضات الأخرى في الضغط لتعديل موازين القوى السياسية الداخلية ، لصالح إضعاف الحكومة والقبول بمطالبها بالتغيير من جهة أخرى . ويتجلى هذا البؤس في أروقة " المعارضات " في الداخل والخارج ، حين تجري الحوارات ، وتحدد ، المواقف منفصلة عن أساسيات الخارج الاستراتيجية .. وعن نتائج التحركات والمتغيرات الميدانية العسكرية .
ربما بعد أربع سنوات من الحرب ، والحكي عن الحل السياسي ، ومن توزيع ، وإعادة توزيع مراكز القوى الفاعلة في الساحة السورية ، صارت الأمور أوضح للإجابة بدقة أكثر ، على مجموعة أسئلة تشكل مفتاح فهم لغز الحل السياسي الملتبس على نطاق واسع جداً : هل الشعب السوري يبحث عن أي حل سياسي وبأي ثمن كان لما يعانيه من كوارث الحرب .. ويقبل بأية هيئة بصرف النظر عن أشخاصها ومضامينها لإدارة شؤونه بديلة للنظام القائم ؟ من هي الجهة التي تقرر ، أنه قد آن أوان " الحل السياسي .. وأي حل سياسي يجب الوصول إليه ؟ . من هي القوى التي ستدعو إليه ، وتدير الاجتماعات المنوط بها التوصل إلى حل سياسي ، وماهي مضامينه وأهدافه ؟. هل هي الدول الكبرى التي تلعب الدور الأول في السياسية الدولية ، وفي الحرب السورية .. وبقية الدول ملحقات تنفيذية لما تقرره ؟ أم هي الدول الإقليمية التي تتحمل مباشرة عبء ومتطلبات الحرب في سوريا ومخا طرها ؟ . أم هي القوى العسكرية الميدانية الضاربة ، وحجوم سيطرتها الجغرافية والديموغرافية ؟ . أم هي الحكومة السورية ، التي ما تزال شرعيتها سارية الصلاحية دولياً ؟ . أم هي قوى " المعارضات التي تحضر في المؤتمرات بدعوة من هذه الجهة الدولية أو تلك ؟ .
من النظرة الأولى لمركب القوى في ضفتي الحرب ، يتضح أن مركز القرار الدولي ، يتألف من ثنائي يقتصر على " روسيا وأميركا .. أي الولايات المتحدة الأميركية ، والاتحاد الروسي " . ولهذا المركز تأثير على الدول الأخرى بحكم المصالح الاقتصادية والعسكرية والأمنية . وقد جرت في أواخر العام الماضي في " فيينا 1 " مشاركة كل من تركيا والمملكة السعودية في نقاش الحرب السورية . ثم ضم " فيينا 2 " سبعة عشر دولة ، ولم تجر دعوة السوريين لحضورهما لا من الحكومة ولا من المعارضة وكذلك في " فيينا 3 " . وقد تمخض عن هذا الحراك السياسي الدولي ، مشروع " لحل سياسي للحرب السورية ، سوف يطرح في " جنيف 3 " الذي سيدعى إليه ممثلون عن الحكومة والمعارضة السوريتين ، في نهاية الشهر الجاري . لكن المملكة التي كلفت خطاً بعقد لقاء للمعارضات السورية في الرياض ، يتم فيه تشكيل هيئة عليا تمثل المعارضة في المفاوضات مع الحكومة السورية ، قد حالت بالتواطؤ مع تركيا ورضا أميركي ، دون حضور قوى معارضة أخرى ، وخاصة الكردية منها ، وفخخت نتائج اللقاء بشكل ومكونات الهيئة العليا . بل ودعت ممثلين لقوى وفصائل إرهابية لحضور اللقاء والمشاركة في نتائجه ، ما أدى إلى تهديد " جنيف 3 " بالفشل .
إذن ، هناك قوى عدة تقوم بالتحرك من أجل ما سمي " الحل السياسي السوري " . وأولها المركز الدولي الذي يتعامل مع فكرة ومشروع أي حل سياسي ، على ضوء مصالحه الاستراتيجية الإقليمية والدولية . ثم دول المحيط الإقليمي ، التي تتصارع ، لتجسد مشاريعها الإقليمية الخاصة بها ، وتتعامل مع ما يطرح من حلول سياسية لسوريا ، بما يضمن عدم تعويق مشاريها الخاصة . وهي ( إيران ، و تركيا ، وإسرائيل ، والمملكة السعودية ) . ثم تأتي القوى العسكرية الضاربة ميدانياً ، التي تحدد أوزان قواها الميدانية ، ترجيح هذا المشروع أو ذاك ، الذي يجسد الحل السياسي المنشود . الدور المتبقي للسياسيين السوريين المعارضين ، حسب توزع مكوناتهم ومستوى قوى الخلفيات الداعمة لهم ، والسياسيين الحكوميين ، من خلال المؤتمرات التي يدعون إليها ، هو الموافقة على " الحل الدولي " الذي يجري التوصل إليه ، ومنحه الجنسية السورية .
ولذلك وقبل السؤال : هل سينجح مؤتمر " جنيف 3 " آخر الشهر الجاري ؟ . لابد من السؤال : هل اتفق القطبان الدوليان الراهنان ، أي روسيا وأميركا ، على صيغة تتوافق مع استراتيجيتهما الإقليمية والدولية ، آخذة بالاعتبار ، الحد الأدنى من توفير السلام والاستقرار والوفاق الداخلي السوري ؟ .
لقد فشلت المملكة السعودية مدعومة بالتواطؤ التركي الأميركي ، بتمرير حصر الهيئة العليا للمعارضة السورية الموالية .. " المحجبة " .. نسبة لرئيسها رياض حجاب ، التي أنتجها لقاء الرياض . وقد رفضتها سوريا وروسيا وإيران والأمم المتحدة . وتم تأجيل " جنيف 3 " دون موعد مسمى . وعلا صراخ " عادل الجبير " مصراً على أن هيئته المحجبة هي التي تمثل المعارضة السورية ، وربما نسع غداً صراخ أردو غان وغيره . فهل هذا يعني أن لا اتفاق روسي أميركي قد حصل .. أو أن هذا الصراخ توزيع أدوار في لعبة الحوار ؟ . لقد تعرض وضع المعارضة .. نتيجة لذلك .. إلى المزيد من التردي . و’وضعت قوى المعارضة التي أهملها " الجبير " برضى تركي أميركي .. وانزعاج روسي .. أمام مسؤولية كسر الحجاب السعودي الأميركي .. وأمام مسؤولية بناء جسور الثقة والتواصل والعمل الوطني المشترك ، مع كل القوى التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن البلاد .
وهنا تبرز حقيقة .. أن الجنود السوريين والوطنيين المقاومين .. الذين يقاتلون بشجاعة وشرف دفاعاً عن سيادة الوطن ووحدته .. هم .. ومعهم كل القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة .. وغير المعارضة .. الذين يحق لهم التكلم في أي مكان باسم سوريا .. والشعب السوري .. ومن آلام ودماء تضحياتهم .. وإراداتهم تنبع مشروعية أي حوار .. أو تفاوض .. أو حل للحرب بين سوريا وأعدائها .
أما حل الخلاف .. أو الصراع الداخلي .. فهو ليس من اختصاص دول الخارج . وإنما من اختصاص وحق الشعب السوري . والمكان الذي يجري الحوار حوله ، بين أبناء الشعب الواحد .. هو فقط .. تحت سقف الوطن .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوع من الحرب
-
دفاعاً عن آمال العقلانية والعلمانية والتقدم
-
التحالف العدواني التوسعي الجديد ومخاطره
-
الأرض السورية تقاتل
-
إنها البرهان
-
من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
-
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
-
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|