|
ما اختزنته ذاكرتي عن برد جوريد .
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 07:46
المحور:
الادب والفن
ما أختزنته ذاكرتي عن برد جوريد ( جانيوري ) . تأخذني الذكريات الى خمسون عاما خلت .. كنت فيها لم أبلغ العشرين أو أكدي .. وتزحف بي الذكريات الى بهرز ... القرية الصغيرة والتي كان عدد سكانها لا يتجاوز العشرة ألاف نسمة !.. أو قد يزيد قليلا ، والشارع الرئيس فيها لا يتجاوز طوله عن الكيلومتر ونصف ... وبهرز كبناء كان يبدء من محلة ( مال نصري ) وحتى كهوة أبو ريه ، كان فيها جامعين ..هما جامع ملا روزي رحمه الله ... وجامع محمد عرب ... والمقاهي كانت تتمركز في السوق الرئيس في بهرز والذي مازال على ماهو عليه مع بعض التغييرات الطفيفة فيه .. وكانت مقهى أخرى في منطقة الشاني !.. والتي كانت تسمى مقهى خماس العايز ( البغدادي ) والد الشهيد فيصل خماس العايز ( البغدادي ) وأخرى كانت عند دكان أبراهيم بركة ، وهي مقهى صغيرة كان يديرها رحمه الله ( سيد خليل ) وكذلك مقهى وهاب رحمه الله .. بهرز يغلب عليها البستنة والزراعة ، فجل أهلها أما أصحابي بساتين ( ملاكين صغار ) أو ممتهنين للأعمال الزراعية ..يعملون أجراء عند هؤلاء الملاكين ، ولكن الحقيقة أن الغالبية العظمى من سكان هذه القرية والتي أصبحت اليوم ناحية ونفوسها قد يزيد على الخمسين ألف نسمة ... أن جل سكانها من الطبقة الفقيرة والقليل منهم من الطبقة الوسطى ... ولا يوجد غني مترف بالمعنى الأقتصادي .. كان بيتنا مثل باقي بيوتات الناس ، يتألف من من عدة غرف مبنية على شكل حرف ( L ) وأمام الغرف طارمة عرضها بحدود ثلاثة أمتار ، في الشتاء كانت توضع حزم من سعف النخيل للوقاية من برد الشتاء ومن الأمطار والرياح ، وتتألف الحزمة الواحدة من عشرين سعفة ونسميها ( باكة ) ، وكانت هناك مساحة واسعة مكشوفة للنوم فيها في فصل الصيف ، وموجودة كذلك ضمن البيت نخيل وأشجار حمضيات وشجرة سدر وشجرة للتوت الشامي ، طبعا وهناك مكان للحيوانات ( البقرة .. وتربية خروف أو خروفين وحتى ثلاثة وبشكل موسمي ، ودابة لنقل الفواكه من البساتين وألى البيت وكذلك الحشيش لهذه الحيوانات التي نجنيها في بيتنا ... وموجود في البيت غرفة كبيرة للميرة .. التموين .. مثل الحبوب والتمور والدبس والطحين والخل .. والطرشي .. والملح وغير ذلك . كان الناس يتوجسون من برد جوريد .. وخوفهم من أنخفاض درجات الحرارة دون الصفر !.. وعندها ربما سيأتي البرد وأنخفاض الحرارة الى درجتين أو ثلاثة تحت الصفر ، والذي سيتلف محاصيلهم من الحمضيات ، والتي هي مصدر رزقهم الوحيد ، وفي تلك الفترات لم يثق الناس كثيرا بنشرات الأنواء الجوية ، وأعلام الدولة لم يولي أهتمام كبير بذلك .. بتنبيه الناس عن تطور النشاط المناخي في البلاد ، وقد يعتبره البعض بأنه ضرب من الخيال !.. لأن هذه الأمور علمها عند الله !!.. هكذا الكثير كان يعتقد . كان الشتاء في بهرز رغم قساوته ..لغياب وسائل الحماية المنزلية وعدم توفر الملابس الواقية من البرد لضعف حال الأغلبية من الناس ، بما يتلائم مع متغيرات الطقس ومستلزمات مواجهته ، ولكن بالرغم من كل كان الناس يشعرون بالدفئ وهم يجلسون أمام الموقد من الحطب في داخل الغرفة ، وبالرغم من الدخان وشبه العتمة وخاصة عندما ينقطع التيار الكهربائي .. ويبقى الفانوص هو المصدر الوحيد للأضائة .. كٌنْتَ تشعر بالدفئ عندما تسمع أنهمار المطر وحفيف الرياح والرعد والبرق .. وترانا نلتحف بالأغطية ونحن متسمرين ومنتشين بهذه الصورة الباعثة على شئ من البشر والخير ، على أعتبار أن المطر وهطوله !.. كان يعني الخير والنماء والغنى . كنت في فترة جوريد أذهب أحيانا للمبيت في بستاننا مع الناطور الذي كان يقوم بحراسة البستان من السراق ( الحرامية) وقد تعرفت على المشروب للتو ( الكحول .. العرك ) وكوني لا أشرب في البيت وأمام والدي والأسرة ... فكنت أخذ معي الى البستان ( ربع عرق مسيح .. وعلبة باقلاء ) وأذهب الى البستان في تلك الليالي الحالكة الظلام والقارصة البرد والممطرة في كثير من الأحيان ، فأجد عند وصولي بستاننا / العم الكريم وقد أوقد النار من خشب البستان المعد خصيصا لموسم الشتاء ، وأبريق الشاي في داخل الكوخ ... والحِبْ.. مملوء بالماء وموجود كذلك الفواكه وخاصة الليمون الحامض .. في ضل هذه الأجواء وهذا العالم الذي صنعته الطبيعة وشاركْتَ أنتَ بجزء منه ، فتجلس مع كأسك وخمرتك .. والليل وهزيعه ينادموك ... وفي حكايات وقصص وسرد تلقائي من قبل الشيخ الكريم ( ناطور البستان ) وما عنده من ذكريات عن المَسْقُوفْ وهتلر ..والصٌخْرَةٌ وما عمله الأتراك .. والذين ذهبوا مجبرين من قبل العثمانيين ولم يعودوا .. كنت أسرح بالخيال وأرى وما رسمته ذاكرتي عن تلك اللحضات .. وأنا أنظر الى النار المشتعلة كأنها أنيسي وزادي .. وصوت الرعد والبرق .. والمطر المنهمرفي الليل وأخره ..والقناديل المتلألأة .. البرتقال المتدلي في عناقيده والذي يتراأى للناظر رغم العتمة يضيئ وان لم يسقط عليه ضياء . وأنا أقص عليها حكايتي عن جوريد ... التي ألتقيتها بعد ما تخلفتٌ عن اللحاق برحلتي القادمة من لندن الى كوبتهاكن ، وتأخرت حينها لمدة خمس ساعات أنتضر الرحلة القادمة .. فبادرتني بالسلام .. هل تسمح بالجلوس ؟.... تفضلي ..أهلا وسهلا .. الى أين أنت وجهتك ؟.. فقصصت لها جكايتي وكيف لم ألحق برحلتي الى الدنمارك ... ومتى سيكون الموعد الجديد ؟ .. قلت لها بعد عدة ساعات .. هل تشعرين بالبرد ؟ .. علني أبحث عن مشترك بيننا لنقضي السويعات القادمة معا ، فبادرتني ومن دون مقدمات ، هل تشعر بالسعادة ؟ .. لا أدري .. ولكن الأنسان يبقي ذاته على مقربة من الأمل بشئ متجدد وجديد !.. قالت لم تجبني ؟ .. هل الحياة أنصفتك ؟.. فبادرتها !.. وهل نحن أنصفنا انفسنا والحياة معا ؟.. البؤس والحزن والألم وجحود من نحب ..ومرارة القنوط والتأسي .. تذبح الوليد المنبعث للبشر وصفو العمر وجمال الكون ومباهجه وسعته !... كأنكَ تقول لي وأنتي ؟ .. أنا شمعة أحرقتها الأيام والسنون !.. فكان ضيائها هو أنيسي وظلمتي وأملي ..ولكن !! ... كنت أجتر سنوات العمر !.. وأعيش كطير يبحث عن مأوى يستضل به في يوم شتائي قارص وسط صحراء مجدبة .. لا ضل فيها ولا ضليل ... هل عشتي النهار ؟ .. ونادمتي القمر ؟ ... وهل ما تكتنزيه من شوق الى المجهول قد سخر منك ولم يعد له شئ من الوجود ؟ هل أحْبَبْت ؟.. وهل عِشْتَهُ ؟... وأين مضى ؟ .. كم عِشْتَ من السنواتِ ؟.. أسْتَحْلِفُكِ بالذي تحبيه !.. لا تثيري شجني وشجوني ولوعتي وضمأ الروح وجدب الحياة ... فكلانا نعشق الحياة والزهر والشجر ... والأطفال حتى يكبروا ... والأم والصحب والخلان . فتبسمت وأغرورقت عيناها بدموع ..سقت وجنتيها !.. فقاربت النفس من النفيس .. فأقتربنا ونحن في أنس اللقا ء وشجونه .. ما أجمل وأرفق من مُحْبَيْنِ لم يلتقيا مَرْةُ !..ولكن شاء ربك والعمر .. بزهو وسناء ... وحياء وقبل . صادق محمد عبد الكريم الدبش 20/1/2016 م
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دندنة مع الأوجاع .. عند المساء ..! .
-
أضافة على ما جاءت به الفاضلة ندى محمد .
-
ابرز الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق .
-
قول ... على قول ! ..
-
فتاح فال ...
-
وجهة نظر ..هل العراق أيل الى التقسيم ؟
-
أستذكار الرفيق .. يعقوب قوجمان ... أبو سلام .
-
ما العمل ؟ ... ومصيرنا المجهول !
-
الممارسات الفاشية والارهابية لحزب البعث ونظامه المقبور .
-
في ذكرى مرور ستة واربعون عاما على زواجنا .
-
الى شياطين الأرض ...كنتم حسبتموهم ملائكة ..
-
رسالة مفتوحة الى الصديق أبراهيم البهرزي ..
-
الى من يماثلون الحزب وقيادته العداء !..
-
دع عنك لومي فأن اللوم أغراء ...!
-
تغريدة اليوم الجديد ..2016 م .
-
الى من غمروني بحبهم ...
-
القلم يكتب عندما تداعبه كلمات أمرأة !
-
كلمات تخجل من ناديا القديسة الطاهرة !
-
حوار مع النفس ..من دون رتوش .
-
في منتصف الليل ... والناس قد رقدوا !
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|