|
القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 00:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم أتخيل أننى سأعيش لأسمع شعوب العالم والشعب المصرى يهتفون: الشعب يريد اسقاط النظام، فى طفولتى حلمت بسقوط الملك وشيخ الأزهر الأكبر، الذى كان يدعو فى صلاة الجمعة، أن يحفظ الله الملك الصالح زخرا للبلاد، والصحفيون والأدباء والمطربون يغنون للملك صاحب الجلالة المعظم، حتى سقط عن العرش فانقلب عليه، كل من مدحوه وأصبح مخلوعا فاسدا زيرا للنساء. عالم مجنون تديره القوى الخفية وأرواح الجن، وإن كنت مسئولا عن كشف الفساد وكشفت عنه فأنت المخطئ وليس الفساد، وإن لبيت النداء لخدمة الوطن وكنت من المجددين للفكر الدينى فأنت الذى تعاقب وليس المتجمدون بالأزهر، وإن كنت امرأة وأفنيت عمرك فى خدمة الأسرة المقدسة ثم أقسم زوجك بالطلاق فى البرلمان فأنت الضحية. وإذا كنت رجل أعمال امتلكت المليارات من الثقوب السوداء فى قوانين الانفتاح، ثم دخلت البرلمان بأموالك واعوانك فأنت وطنى ليبرالى محترم. سمعت فى طفولتى عن قريبة لنا يسمونها المجنونة التقى بها أحيانا فى الطريق تبتسم لى يعينيها العسليتين يكسوهما بريق حنون، أكاد اتحدث معها لولا أن كلمة "جنون" كانت مفزعة، وقد ماتت هذه السيدة قبل أن ادرك انها كانت أعقل النساء والرجال فى عائلتنا، وصموها بالجنون لهروبها من زوجها (كان أكبر منها بنصف قرن) وعاشت معزولة وحيدة دون أسرة ولا أطفال حتى نهاية عمرها. فى بداية حياتى الطبية، كانت السلطات تعاقب الطبيب غير الخاضع للنظام، بتعيينه فى مستشفيات الأمراض الصدرية أو الجلدية أو العقلية، بأمل أن تنتقل إليه جرثومة الدرن الرئوى أو مرض الجذام أو عدوى الجنون، وقد قضيت فترة من ربيع عمرى محاطة بهذه المخاطر دون أن تنال مني، بل أكسبتنى مناعة أكبر. لحسن حظى اشتغلت فترة فى مستشفى المجانين، أحدهم كان ينهض فى الليل ليهتف: الشعب يريد اسقاط النظام، سألته يوما: ماذا تقصد بالشعب؟ قال: أنا الشعب أنا مصر، وحملق فى وجهى بعينيه البراقتين يسألني: هل أنا مجنون؟ قلت له، أنت لست أقل عقلا من رؤساء الدول الكبري، منهم ديجول الذى قال أنا فرنسا، والسادات، الذى اعتبر نفسه جمهورية مصر الكبري. وكتبت رواية بعنوان "جنات وإبليس" دارت أحداثها بالمستشفي، تصور أحد المرضى أنه الرب الأعلى والرجال عبيده والنساء جواريه وملك يمينه، يتعارك فى الليل مع مريض آخر تصور نفسه ابليس، كان الرب يوقظ ابليس ويقول له: اصح يا ابليس عندك شغل، يرد ابليس: شغل ايه يا مولانا عاوز أنام، يزعق الإله: تنام ازاى يا ابليس ومين يوسوس للناس؟ ويرد ابليس: الناس نايمة يعنى ضرورى أوسوس لهم يا مولانا؟ ويرد الإله: أيوه ضرورى توسوس لهم، يعنى أنا عامل النار لمين يا حمار؟ يتغطى ابليس باللحاف ويقول: اشوى عليها الخرفان يا مولانا. ومسرحية أخرى كتبتها من وحى الخيال عن فساد النظام بالمستشفى وخارجه، لم توافق أجهزة الرقابة على نشرها بالطبع، فلا يكشف الحقيقة إلا الخيال، وما إن علمت السلطات بأثر المجانين الايجابى على أعمالى حتى أمرت بنقلى إلى حيث العقلاء وحيث توقف الالهام. أحد النواب العقلاء فى البرلمان أقسم بالطلاق، ما علاقة زوجته بفساد الدستور؟ لكن المشكلة هى جنون قانون الأسرة منذ العصر العبودى حتى يومنا هذا، إذ يعطى الرجل الحق فى تطليق زوجته أو ضربها، لمجرد أنه عاجز عن ضرب رئيسه، أو لأنه مصاب بتصلب الشرايين أو ضغط الدم وغازات فى الأمعاء. واحدى النائبات فى البرلمان قالت: نالت المرأة المصرية جميع حقوقها ولم تعد لها قضية بعد نجاحى فى الانتخابات، كأنها تقول: أنا كل النساء، أنا مصر، أنا فرنسا. لو قرأت النائبة التاريخ منذ نشوء الانتخابات لأدركت أن البرلمانات لم تحقق الديمقراطية ولا العدالة للنساء، لم يتحرر شعب فى التاريخ بالانتخابات أو بالبرلمان، بل بالثورات الشعبية خارج البرلمان. ويرتج العالم اليوم بالملايين يهتفون: الشعب يريد اسقاط النظام، يطلق رجال البوليس الرصاص على الشعوب، وتسقط أعتى الامبراطوريات والشعوب باقية، فشل النظام الرأسمالى الأبوى الدينى فى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة للشعوب، بل أنتج الحروب والتجسس والنهب والأزمات والكوارث والأمراض والفقر والهجرة 99%، لا يملكون شيئا و1% يملكون كل شيء وأصبح الرجل بعد التسعين يشترى فى السوق طفلة تحت اسم الشرع والقانون، تتهاوى دعائم النظام بثورات النساء والشباب والأطفال، وينكشف الفساد المستتر فى الدول الكبري، والقلاع المقدسة، بما فيها الفاتيكان فى روما والبيت الأبيض فى واشنطن والأزهر الشريف فى مصر والدولة اليهودية فى إسرائيل، وأصبح الأطفال والبنات فى فلسطين يحاربون بسكاكين المطبخ، والنساء يقتحمن الكنيسة والفاتيكان لتصعد المرأة الأوروبية إلى منصب البابا، وكان منصبا أبويا ذكوريا منذ تأثيم حواء، وسوف نسمع قريبا عن "الماما" تحت قبة الفاتيكان، وشيخة الأزهر الكبرى فى القاهرة، وسقوط الدولة اليهودية فى تل أبيب.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أتكون هى أنبل النساء؟
-
الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء
-
حوار بعد منتصف الليل
-
منذ بداية اللامساواة والخطيئة الأولى
-
ساندرا الحبيسة وقدسية الجسد؟
-
معارك تحرير النساء اللا نهائية
-
النقاب ورجم الشيطان
-
وتسعد المرأة بعقلها المبدع؟
-
مؤتمر النساء فى إسبانيا
-
الاستغناء والانعتاق من العبودية
-
مفاهيم متطورة للأبوة والرجولة
-
العبء الذى قتل أمى وأبى
-
بذور الإبداع والثورة لا تموت
-
وكان للأطفال كرامة العظماء
-
يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء
-
أسئلة الأطفال المحرمة وتجديد الفكر الدينى
-
تقتل الموت وتنتصر الكتابة
-
المسكوت عنه فى السلوك؟
-
وضحكت الطفلة بدموع كالبكاء
-
الوجه الآخر لنيلسون مانديلا
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|