مرتضى عصام الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 23:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعدّ البيروقراطية من نظريات إدارة الدولة، وكان أوّل ظهور لها في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل في ظهورها إلى ماكس فيبر عالم الاجتماع الشهير، وقد كان يسعى من خلال نظريته هذه إلى وضع نظام إداري محكم رسمي يفرض القوانين بالقوة؛ ليزداد من خلاله الإنتاج، ويتسم هذا النظام بالصرامة التي لا تسمح للمصالح الشخصية بالتدخل فيه .
.
ومن جرّاء هذه الصرامة حوربت هذه البيروقراطية، واتهمت بإهمالها الجوانب الإنسانية في كثير من تطبيقاتها، والأمر الآخر الذي يؤخذ عليها أيضاً أنّها لم تمنع النوازع الشخصية من التسلل إلى مفاصل الدولة، فأصبحت للأسف توحي لدى المفكرين الناقدين لها بخلاف ما أرادته من وضع الأنظمة على إجراءات موحدة، وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية، والعلاقات الشخصية .
.
ولو تراجع الأسس التي وضعها ماكس لنظريته؛ لوجدناها ضرورية لعراقنا، ونسمعها من الساسة لكن للأسف فارغة المحتوى؛ ليسكتوا الشعب بها، والأصح؛ ليضلّلوه بهذه المصطلحات ، ومن هذه الأسس هي :
1. الخبرة، والمهارة، والتأهيل هي أساس اختيار القائد .
2. وجود إجراءات، وخطوات محددة، ومنسقة مسبقاً .
3. الاختيار الأمثل لمن ينفذ هذه الخطوات من المرؤوسين في أداء العمل .
4. مبدأ أن لا وقت في العمل إلا للعمل .
.
ما حدا بالعراق إلى هذا المنزلق الخطير هي بيروقراطية الأحزاب، والكتل السياسية التي احتكرت المناصب، والوزارات بحيث أصبحت هذه المكاسب، وكما يحلو لهم تسميتها بــ(المصالح) هي شغلهم الذي يستطيعون من خلالها تقوية الحزب شعبياً ، واقتصادياً؛ لذلك بتنا نعرف لدى كلّ حزبٍ هيئة مالية تحصي مكاسب الأحزاب من هذه الوزارات، والمناصب، والشركات، وهذه مرحلة متطوّرة من البيروقراطية تعرف بــ(الدواوينية)؛ إذ أصبحت هذه الوزارات دواوين، ومحال تجارية لهذه الأحزاب .
.
لذلك نجدهم يتغنّون بالوطن، وضرورة سيادة القانون، واحترام الدولة؛ لكن في الحقيقة هم يتغنّون بمصالحهم، وهدفهم حفظ مكاسبهم؛ لأنّهم هم أوّل من يقفز على القانون، وهم المسؤولون الأوائل عن إضعاف هيبة الدولة، فهم أصبحوا رموزاً، وقادة، وخطوط حمراء إياك أنْ تفكرّ أن تتجاوز عليها، وبعدها يأتونك يحدّثونك عن حبّ الوطن ..!! .
.
إذن فالحلّ يكمن في بيروقراطية الدولة التي تقطع أيادي هذه الأحزاب من التلاعب بمقدراتها التي هي مقدرات شعبها، ويكون ذلك بتفعيل القانون، والقضاء بصرامة على الأقوياء قبل الضعفاء، وعلى القادة قبل الرعية .
وسلطة هذه البيروقراطية مصدرها الشعب؛ إذ لو أراد الشعب العيش على وفق القوانين، والنظام سوف يجبر هذه الأحزاب الكفّ عن هذه السرقات، والممارسات الإدارية التي وضعتها على وفق مصالحها، وهي مرحلة متطوّرة من الوعي السياسي لدى الشعب، وإنْ بقي الشعب يسير خلف هذه الأحزاب، فمعنى ذلك استمرار بيروقراطية هذه الأحزاب تتجذّر في واقعنا السياسي؛ حتى لتطغى على الدولة، وبمرور الزمن يصبح الحزب هو الدولة، والقائد السياسي أعلى من الدولة كما هو حالنا الآن ...!! .
#مرتضى_عصام_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟