حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5046 - 2016 / 1 / 16 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يختلف اثنان حول أن النظام المغربي من أكثر الأنظمة عمالة و انبطاحا و تبعية للخارج...
أولا لأسباب تاريخية بحكم العلاقة القديمة-الجديدة التي تربطه بمختلف القوى الاستعمارية الكبرى على امتداد تاريخ "الدولة العلوية". دون أن ننسى أن لفرنسا كل الفضل في استمرار هذا النظام و تثبيثه, حيث استقدمها "العلويون" خصيصا لحماية حكمهم و انقاذه في آخر لحظة من التفكك و الاندثار, فيما سمي بمعاهدة "الحماية", أو اعادة هيكلة النظام المخزني.
ثانيا لأسباب سياسية تتعلق ببنية و طبيعة النظام أو "اللانظام" المخزني الاستبدادية الشمولية الرجعية, و التي تفرض عليه مع مرور الزمن و ارتقاء الانسانية تقديم تنازلات كثيرة للقوى الكبرى المراقبة بدل أن يقوم بالاصلاح الداخلي الجاد و الهادف, لأنه ذو بنية هشة متعفنة غير قابلة للاصلاح أو التعديل. و غالبا ما تكون هذه التنازلات على حساب سيادة البلد و مقدراته, و بالتالي على حساب المواطن البسيط المستعبد.
ثالثا لأسباب اقتصادية تتداخل بدورها مع السياسي في تفاعلات جد مركبة. و تتعلق بطبيعة الاقتصاد المغربي الهشة, و التي تنبني بالأساس على اقتصاد الريع(شراء الولاءات), اضافة الى الدعارة و تجارة المخدرات...
واذا أخذنا بعين الاعتبار أن المغرب كدولة متخلفة لا يتوفر على موارد نفطية يعول عليها, و أن جميع ثرواته المعدنية و الفلاحية و البحرية تخضع لنهب ممنهج من طرف اللوبيات الحاكمة بالبلد, و المرتبطة بدورها مع قوى الاستغلال الغربي. نجد أن الاستقرار الاقتصادي و بالتالي السياسي رهين بمنطق القروض و الهبات و الصدقات التي تغدقها الأطراف المانحة على نظام المخزن. من البنك الدولي و الاتحاد الأوروبي الى حظائر البترودولار.
فبهذه الأموال تتحرك الأطراف الحيوية من الآلة المخزنية, منها يمول النظام الحاكم الصناديق السوداء الخاصة بالأجهزته الأمنية و المخابراتية السرية, و قطعان البلطجية و أئمة المساجد و الزوايا الصوفية و دور القرآن و جمعيات المجتمع المدني أو "المخزني", اضافة الى مشاريع البنى التحتية على هزالتها, و كل المبادرات الرامية الى تمييع الممارسة السياسية و تبخيس العمل الجمعوي و تشجيع التجارة بالدين. و هذه هي أركان الاستبداد في المغرب, و أسرار صموده و استمراريته جاثما على صدور المغاربة.
فما هي انعكاسات و تبعات انبطاح و تبعية النظام المخزني لكلا القبلتين المانحتين, الشرق و الغرب؟
التحليل المنصف العقلاني المبتعد عن الشوفينية الزائدة و التمترس الايديولوجي يقتضي الاعتراف بأن للغرب أفضاله على البلد منذ زمن الحماية. حيث عرف المغرب طفرة نوعية في عدة مجالات و أصعدة من التعليم الى البنى التحتية التي لم يزد عليها الاستقلال المخزني الى يومنا هذا الا القليل.
و رفعا للعتب, فأنا أحمل مسؤولية كل الجرائم المرتكبة و الثروات المنهوبة خلال فترة الحماية للمخزن الذي استدعاها لانقاذه و تثبيت سلطته, و هذا لن يكون بدون مقابل بطبيعة الحال, مصالح متبادلة, فالغرب لا تحركه الا البراغماتية السياسة و المصالح الاقتصادية. لكن هذه البراغماتية غالبا ما تكون ممزوجة بحد أدنى من الحمولة القيمية التي لا يستطيع الغرب التخلي عنها و لو في أجنداته الاستغلالية, حفظا لماء الوجه و تكفيرا عن ماضيه الاستعماري-الدموي, و مراعاة لقيم شعوبه التي تراقب عن كثب مجريات الأمور. و هذا ما يفسر اصطفاف الغرب الى جانب الديمقراطية و حقوق الانسان و لو كان هذا الاصطفاف شكليا و انتقائيا بطبيعة الحال.
أما بخصوص الشرق, و هذا بيت القصيد, فالوضع مختلف تماما و لعدة أسباب. فمن الناحية السياسة, نجد أن جل "الدول" التي تغدق على المخزن هباتها و صدقاتها و استثماراتها.., نجد أنها دول غارقة في الاستبداد و الفساد و التسلط الديني. و هي آخر من ينتظر منه الدفاع عن الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان, لأن فاقد الشيء لا يعطيه بكل بساطة. بل ان بعضها لا يملك حتى دستورا مكتوبا. و كل ما تبتغيه نظير سخائها هو تأمين حماية ايديولوجية استباقية لها, عن طريق نشر الفكر الديني الرجعي المتخلف, و الذي يهدف الى افشاء الطمأنينة و استتباب النوم العام, و بالتالي القضاء على كل أنماط التفكير التي تحث على الشك و التساؤل, كخطوة وقائية من التغيير و الثورة و كل ما من شأنه زعزعة العروش المترهلة.
أما من الناحية الثقافية, فسيكولوجية "الانسان" المشرقي أو الخليجي تتسم في أغلب الأحيان بالصلافة و الغرور و عدم التوازن. و هذا ما يجعل "الشيخ" الخارج توا من تحت الخيمة ليجد نفسه فجأة يعوم على بحر من الدولارات, يجعله يتعامل مع قضايا مصيرية بمنطق البدوي الذي لفحت رأسه شمس الصحراء. و هذا من بين الأسباب العميقة التي كانت وراء العدوان الخليجي على اليمن, و الذي كان بالامكان تجنبه لو قبل حكام الخليج طلب اليمن بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي بمنطق رابح-رابح. و هذا ما يفسر أيضا النظرة الاحتقارية التي يرون بها المغاربة, و التي يتحملون -أي المغاربة- جزءا من المسؤلية فيها نظرا لتدني مستوى الكرامة لدى شريحة كبيرة منهم, و أيضا لكون حكام المغرب يتخذون من القوادة أسلوبا للحكم و الحفاظ على السلطة و تنمية الثروة.
و لكل من لم يلاحظ العلاقة الجدلية بين الغزو المشرقي بشقيه الديني و السياسي و ارتفاع تصنيف المغرب في مجال الدعارة, فليراجع قدراته العقلية. و ليتذكر فقط الفضيحة الجنسية الأخيرة التي كان بطلها أحد صحفيي قناة الجزيرة, و لعبت دور "البضاعة الجنسية" فيها "مناضلة" في صفوف حزب العدالة و التنمية و ذراعه الدعوي"حركة التوحيد و الاصلاح", بينما كان دور "الوسيط" من نصيب "علي حامي الدين", الذي يعتبر من صقور الحزب الاخونجي, زيادة على اشراف قيادات الحزب شخصيا على زيجات الشيخ "القرضاوي" و غيره من أباطرة التنظيم الدولي فيما نسميه بالدعارة "الحلال", و ما خفي كان أعظم بطبيعة الحال.
انه الحزب الاخونجي الذي ينصب نفسه وصيا على المجتمع و حاميا للاخلاق. فعن أي أخلاق يتحدثون؟ و أي مشروع يحملون؟ و اذا كانت هذه ممارسات النخبة السياسية الواعية المتعلمة, فما بالكم بعامة الشعب المجهل-المفقر؟
نستخلص اذن أن المصلحة الوحيدة التي يجنيها المغرب من علاقته التسولية مع الشرق هي زيادة عائدات و مداخيل وسطاء الدعارة و سماسرة الدين و أولهم محمد السادس أمير المؤمنين, سمسار الدين الأول و وسيط الدعارة الأول في البلد, و حاشيته من المتنفعين من كل هذا العبث الذي يمر تحت غطاء ديني يستغل فقر و جهل الأغلبية الساحقة من هذا الشعب المنكوب, و يطعنهم في أغلى ما يملكون أي كرامتهم. هذا العبث الذي بدأت رائحته تزكم الأنوف مؤخرا حيث صار المغرب بفعل هذه السياسات الرشيدة ثاني دولة في ممارسة الدعارة على الصعيد العالمي. و من جهة أخرى تفشى الفكر الديني الدخيل بشقيه الوهابي و الاخواني بشكل غير مسبوق بين أوساط المجتمع, و خصوصا في أوساط الطبقة الفقيرة المسحوقة المجهلة التي تسقط بسرعة في شباك سماسرة الدين, كخطوة أولى للولوج الى عالم الارهاب و التطرف, لأن لديها استعدادا نفسيا لتبني هذا الفكر الخبيث المعطل للعقل و المشيع للطمأنينة و المعبد للانسان, ليس لصالح الاله, بل لصالح المستبد الذي يحكم باسم الاله !!
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟