أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راجي سعد - رحلة مستقيمة ورحلة هلالية














المزيد.....

رحلة مستقيمة ورحلة هلالية


راجي سعد

الحوار المتمدن-العدد: 5045 - 2016 / 1 / 15 - 02:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رحلة مستقيمة ورحلة هلالية

في نهاية سنة عاصفة بالاعمال واخبار النكبات من الوطن قررت مع العائلة ان نستغل فرصة اعياد الميلاد وراس السنة ونختم السنة ببعض الهدوء في شوارع ومقاهي ومتاحف مدينة بوسطن الاميركية. اسقلينا السيارة من تورنتو الكندية وسرنا لها حوالي 850 كلم الى بوسطن عبر ولاية نيويورك. كانت الرحلة مريحة فالمرور على الحدود اخذ اقل من 10 دقاءق والطقس المتغير والمتقلب لعب لصالحناز بعد الحدود سرنا في طريق شبه مستقيم وعبرنا القرية تلو القرية والمدينة تلو المدينة ولولا الآرمات على الطريق لكان من الصعب علي ان افرق بين معالم القرى والمدن فكل شيء يبدو متشابها ويتبع النمط ذاته. الاستراحات على الطريق والمطاعم والمدن واهاليها المتشابهين جعلني اشعر بالضجر فبدات اكلم نفسي واسالها ماذا لو كنت اسلك هذه المسافة في الوطن فهل ستكون الرحلة مشابهة لهذه الرحلة؟

ماذا لو بدانا رحلتنا من القدس واتجهنا نحو بيروت ومن ثم دمشق ومنها انطلقنا الى بغداد وعرجنا جنوبا نحو البصرة. كيف سنكون هذه الرحلة وهل ستتبع النمط ذاته. كلما استقامت طريق بوسطن اكثر كلما زاد خيالي تعمقا في طريق الوطن فاذا بنا ننطلق بين المسجد الاقصى وكنيسة القيامة في القدس ونسير نحو حيفا ونمر في صور وصيدا فاذا بي ارى على الشاطئ معالم الفينيقيين وسفنهم التي اغنت المتوسط وشعوبه بالحَرف والحِرف. بعد متابعة السير بين الجبل والبحر لفترة قصيرة وجدنا انفسنا قرب الجامعة الاميركية في بيروت مع التلاميذ يحضرون انفسهم للمستقبل وبعد التعرج صعودا نحو الجبل استقبلنا الثلج ببياضه في ظهر البيدر فسرنا ببطئ قبل ان ننحدر نزولا الى سهل البقاع لتستقبلنا مدينة الشمس بعلبك بدفئ معابدها الفينيقية-الرومانية. فجاة تبينت امامنا سلسلة جبال اخرى في الشرق قبل ان يعود بنا التاريخ الى اول مدينة بناها واهلّها الى اليوم فتنشقنا ياسمين العموريين والاراميين الدمشقي في استراحة قصيرة على نهر بردى.

بعد متابعة السير شرقا ادت لنا عواميد وهياكل زنوبيا في تدمر التحية فلم نستطع الا ان تتوقف وتنحني اجلالا واكبارا لمملكة تحدت جبروت امبراطورية لم تغب عنها الشمس. امام رهبة الموقف ودفىء الجو لم نستطع الا ان ندير المكيف ونسير في البادية التي اهملها اهلها بسبب الحروب والزحف الصحراوي التجويفي من الجنوب. رغم دفنها بالرمال فتشعر ان هذه الارض تنتظر بلهفة نسمة هواء من حرمون مرطبة بقطرات ندى من الفرات لكي تعود الحياة اليها من جديد وتزيل الغشاء عن وجهها. بعد عمل المسّاحات لاكثر من ساعتين لمسح الغبار عن وجه السيارة، اوقفتها حقول الارز الانباري ومياه الفرات التي رايت فيها عرق الانسان الاول الذي نقل البشرية من عصر الحجر الى عصر الزرع والتمدن.

قبل ان اشرد كثيرا في هذه الحقول الشاسعة، طلت علينا بغداد حفيدة بابل فاذا بنا في احد المقاهي التي تطل على دجلة، نُبحر في علوم الفلك والجبر وغيرها ايام العباسيين ومن ثم نقف امام مسجد المنصور الذي عولم الاسلام الرحمن الرحيم واوصله شرقا الى حدود الصين. بعد السير جنوبا تراءت لنا بابل وبوابة عشتارها التي ما زالت تنتطر تموز العصر ليزيل عنها السواد وظلم الايام ونتابع السير بين النهرين جنوبا فنرى في كل مدينة وقرية وكل شجرة نخيل روح حمورابي وسرجون الاكادي الى ان نصل الى ارض سومر في البصرة حيث يصافح ويهنئ التوامين دجلة والفرات بعضهما البعض في زرع الخير والجمال على الارض.

هذه الرحلة الهلالية في الوطن لم تكن اتعب على الجسد من رحلة بوسطن المستقيمة رغم طولها لانها كانت اغنى للنظر والنفس والعقل واملت فراغ الجسد من روحه. كم نحن بحاجة لاعادة الحياة لهذا الطريق فلا نعد نصدر طلاب الجامعة الاميركية وغيرها الى عالم يلبي حاجاتهم المادية لكنه يفرغ روحهم من اي حياة. كم نحن بحاجة لرحلات على هذا الطريق بدون حواجز وفواصل لنبتي ونعمر ونشجر فنوقف تمدد الصحراء الفكري والمادي الى ارضنا الغنية بانسانها. كم نحن بحاجة لنسلك هذا الطريق الهلالي لنغني نفسنا بهذا التنوع الحضاري الذي يكمل بعضه الآخر. لا نريد خط مستقيما لا طعم له ولا لون بل خطا متعرجا متنوعا هلاليا خصيبا فيه الجبل والسهل والبادية والتاريخ والحضارة والمستقبل ليسير عليه الانسان الجديد بجنب ابن وطنه الانسان فيتجانس مع السماء ويكسب الارض والحياة وجنة الخلود.

راجي سعد
تورنتو، كندا
10 كانون الثاني، 2016



#راجي_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يُسقط السوخوي 24 لوزان 1923
- لا يا اوروبا
- استشهاد انطون سعاده: من نكبة فلسطين الى نكبة امة
- عشتارتي وأليسارتي وزنوبيتي
- ديمقراطيات المشرق: حصاد عنب أم حصرم
- سدود وأنابيب كردستان ... فواصل أم تواصل
- الهرولة الى تركيا ... بدون ماء


المزيد.....




- بعد لقاء السوداني والشرع، ما دلالات ذلك بالنسبة للعراق وسوري ...
- هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تُكبد قناة السويس خسائر بـ6 م ...
- اليمن.. الحوثيون يعلنون ارتفاع حصيلة قتلى الغارات الأمريكية ...
- قاضية أمريكية تعلق العمل بخطط إدارة ترامب لتنفيذ عمليات التس ...
- الأمين العام لحزب الله: نزع سلاحنا بالقوة خدمة للعدو الإسرائ ...
- دعاوى جنائية ضد المتورطين في تزوير ملفات الجنسية الليبية
- -واشنطن بوست-: روبيو ووالتز يؤيدان تدمير القدرات النووية الإ ...
- ترامب لا يستبعد وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا
- انكشف أمرها بعد 16 عاما.. إسبانية تدعي فقدان القدرة على الكل ...
- -تشرنوبيل الصامتة-.. كارثة جيولوجية نادرة في بحر آرال!


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راجي سعد - رحلة مستقيمة ورحلة هلالية