|
ماهي أسباب أحداث الشغب في ضواحي المدن الفرنسية، وماهي النتائج المترتبة عليها، وهل هناك أمل في انتهائها؟؟
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1373 - 2005 / 11 / 9 - 13:06
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
من الذي يملك السلطة، والقوة، والادراك لردم الهوة العميقة، التي تزداد اتساعاً يوما بعد يوم بفعل الأحداث التي تجتاح جل المدن الفرنسية اليوم، وتشكل تهديداًواضحا وصريحاً، وذا أبعاد خطرة على الوحدة الوطنية، وعلى تكوين المجتمع الفرنسي خاصة، وصحته عامة . هذه الأحداث التي سرت كالنار في الهشيم ، وتزداد رقعتها وحدتها، بل تكاد تصل عدواها الى دول مجاورة تحمل نفس الدوافع والصفات الاجتماعية وتملك كل الحوامل لتكون عرضة هي الأخرى لانهيار الأمن فيها... ومع كل ما أبداه وزير الداخلية" السيد نيكولا ساركوزي " من حزم وتصميم على اخماد العنف ، وزجه بآلاف مؤلفة من قوات مكافحة الشغب ، لكنه بتصريحاته الأخيرة ، والتي دلت على مدى ضيق الأفق السياسي ، والمنحى العنصري الذي انطلق منه، وأدين فيه من كافة الأطراف والهيئات السياسية، خاصة اليسارية منها...حينما صرح وعلى الملأ أنه " سيجتث هذه البؤر وسيقوم بتنظيف البلاد من هذه الحثالة بمادة ـ الكارشير ــ وهي المادة الكيماوية القادرة هلى ازالة أشد الأوساخ التصاقاً " ، وبهذا صب الزيت على النار وأشعل فتيل حرب لايمكنها أن تخمد ، بل أدت الى ازدياد ردود أفعال الجيل الشاب من الوسط المهاجر والافريقي ...مما حدا ببعض الأصوات أن ترتفع بالمطالبة في استقالة ساركوزي؟؟؟ ورغم مايبديه رئيس الوزراء السيد " دوفيلبان " من حكمة وتعقل وهدوء أعصاب يتمتع بهما بالاضافة لكثير من الاحترام في الأوساط السياسية والشعبية ومحاولته اظهار الدعم لوزير داخليته ـ فالخلاف على الدوام واضحا بين توجهاتهما وطرقهما في التعامل ــ فان رئيس الوزراء ظهر في الأمس في التلفاز، محاولا ايجاد التهدئة أولا ثم الحلول والحوار ثانياً وحتى لو استعمل كل الوسائل المتاحة بما فيها منع التجول مساء في المناطق " الساخنة " الى جانب قانون طواريء مؤقت!! تكثر الحوارات والنقاشات في كافة وسائل الاعلام وبين كل الأطراف السياسية على الساحة لايجاد الحلول الناجعة وأخذ العبرة من مشاكل تعود ذكراها، و تكررت في أعوام سابقة مثل حوادث الستينات في نيويورك، والثمانينات في لندن ، وقد اضطرت السلطة للاستيعان بالسلطات الدينية باعتبار أن منظمي أعمال الشغب هم من العرب والأفارقة وكلهم من أصول مسلمة!! فقام رئيس السلطة الدينية" السيد أبوبكر".. وأفتى في باريس( باعتبار كل من يشارك ويقوم بأعمال عنف وشغب خارج عن الاسلام)!!بالطبع الكثير من العرب والمسلمين يتخوفون من ردود الفعل المعاكسة من اليمين المتطرف ، خاصة لدى حزب الجبهة الوطنية الفرنسية ، والتي يتزعمها " ماري لوبين " ، الذي يقتنص الفرص ويسخرها لخدمة أهدافه السياسية العنصرية، والتي تطالب على الدوام بابعاد كل المهاجرين واعادتهم الى بلدهم الأم، وينفث سموم سياسته ويحقن بها الشباب الفرنسي...معتبراً أن من أسباب ازدياد البطالة قدوم الأيدي العاملة المهاجرة، وأن الأخطار المحدقة بالمجتمع الفرنسي تأتي من انتشار الاسلام والمسلمين ، بل ويشكل خطراً على التركيبة الديموغرافية المستقبلية للمجتمع الفرنسي .. نسبة لازدياد الولادات عند المهاجرين .. ، وعبر هذه الثغرات تزداد شعبية رقعته السياسية؟؟ لكنا ، وبعد هذه اللمحة السريعة للوضع ، والذي أشعلت فتيله بعد أن قضى يافعان ( أحدهما تونسي المنشأ ، والثاني افريقي) نتيجة مطاردة بوليسية لعصابة سرقة في الضاحية الباريسية الشمالية " سين سان دوني " والتي يقطنها الكثير من العرب والأفارقة، ولنكون أكثر انصافا وأدق رؤية للأحداث علينا أن نرى معاناة سكان المنطقة عن كثب ، وخاصة بين الشباب منهم ونعزيها لمايلي:ــ أولا ــ تنتشر البطالة في سكان الأحياء الفقيرة " الساخنة " وتعلو نسبتها على غيرها من المناطق الفرنسية. ثانياًــ نسبة الخدمات المقدمة لهذه المناطق أقل منها في غيرها " البريد ، المواصلات ، المدارس، المرافق العامة ، النوادي الرياضية...الخ " ثالثاً ـ تزدهر فيها كل أنواع النشاطات الممنوعة والمحرمة قانونياً " المخدرات ، الرق الأبيض ، تبييض الأموال وتزويرها، عصابات سرقة من مختلف المستويات...الخ " رابعاً ـ وهنا الأهم والأكثر تخوفاً بالنسبة للفرنسيين والغرب عامة ...انتشار الحركات السلفية وازديادها عما كان سابقاً حيث يلقى دعاتها أذانا صاغية من العاطلين عن العمل والذين يعيشون على هامش المجتمع.. خامساً ـ معظم شباب هذه الأحياء يحملون الجنسية الفرنسية، فهم اما من أبناء الجيل الثاني ، أو الثالث كون آباءهم من الرعيل الأول القادم للهجرة.. سادساً ـ نسبة تواجد الفرنسيين في هذه الأحياء ضئيلة، ومعظم بلدياتها تنتمي اما للحزب الشيوعي الفرنسي أو الاشتراكي ، وذلك بحكم الانتماء الطبقي طبعاً ، والذي يعزز مواقف اليسار السياسية ويكسبها أصوات سكان المنطقة.. لكن هذه البلديات تعتبر من أكثر البلديات فقراً ..لماذا؟؟ لأن مايدفعه الفقير من ضرائب سكن ، وضرائب دخل ...هي الأقل والأضعف ..بل تكاد تنعدم ، حيث أنه يعيش معظم سكانها على المساعدات الاجتماعية والضمان الصحي ، وضمن الحدود الدنيا من الأجور ...وبهذا يشكلون عبئاً على الدولة ، ومقدار المخصصات من الميزانية تكون أقل بكثير مما يطال غيرهم من المناطق التي يدفع فيها المواطن الكثير لمصلحة الضرائب، وبهذا تعود الرفاهية وتحسين أوضاع المنطقة من شوارع ومدراس وغيرها بنسب أكبر فيزداد التفاوت وتبرز الفوارق واضحة بين منطقة وأخرى؟ سابعاً ــ لقد ابتدأ بناء هذه المدن الضواحي .. منذ الخمسينات، وجرى عليها بعض التحسينات والتجديدات في أواخر الستينات وأوائل السبعينات لتتسع الكثير من المهاجرين، الذين سمحت لهم القوانين المعدلة آنذاك بلم شمل أسرهم ...بعد أن بنوا معامل فرنسا واقتصادها المنهار بفعل الحرب العالمية الثانية...ولتستوعبهم ..أقيمت لهم في الضواحي أبنية شاهقة وضخمة ...تشكل الواحدة منها حياً بكامله...لهذا أخذت تسمية خاصة تدل على ساكنيها " سيتيه " وأعتقد أنها أقرب "للغيتو اذن معظم ساكنيها ينتمون طبقياً لنفس الشريحة الاجتماعية، ويتكلمون غالب الأحيان نفس اللغة، يعتنقون نفس الدين " الاسلام " فهل يمكنهم هذا الوضع من الاندماج بالمجتمع الفرنسي؟؟؟؟ فلو أتيح " لمحمد "أن يتعلم وأراد أن يخرج من الحي فيبدأ بالبحث عن عمل ...محمد بسحنته السمراء ...أو شعره الأجعد ..أو لباسه الغريب ...ولهجته التي تدل على منطقة سكنه ومنبته ....هل ستفتح أمامه السبل ؟؟وهل سيجد سكنا في غير الحي؟؟؟ يكفي مايحمله في شكله وجعبته من ميراث ...ليزيد من حدة التعقيدات والعوائق أمامه ...لهذا فقد صنع أبناء هذه الأحياء قوانين خاصة بهم ...ترفض كل قوانين الدولة ...بل سعوا للمتاجرة بكل ماهو ممنوع ...منهم من فعل ...بدافع العيش ، ومنهم من لا يعرف غير هذه السبل فقام بالامعان في تعميق الهوة واستغلال الشباب لصالح تجارته ...حيث يجد فيهم الطرائد المناسبة ......فانطلقت منها كل أنواع الغرائب ...والمظاهر الغير مألوفة لدى المجتمع الفرنسي ...(.اللحى ...الحجاب ...اللباس العريض والغير مألوف للشباب ....بل أحيانا سيارات فارهة لاتعرف من أين تأتي نقودها... اعتداءىت واغتصابات للنساء ...تضييق على الفتيات المنتميات لأسر في الحي )....الخ هذا يعني أن الثقافة الجديدة المنشرة لم يستطع المجتمع الفرنسي فهمها كونه لم يحاول فهم ساكني هذا الغيتو ...الذي وضعهم فيه ...وعلى امتداد وتعاقب السلطات في الحكم ...من يسار ويمين لم يستطع أياً منها فهم أبعاد المشاكل ولا دراسة واستيعاب معاناة جيل الشباب في تلك المناطق ، والذين يحاولون الخروج من عنق الزجاجة ... للنجاة، كثيراً مايخفقون ...فيعم بينهم اليأس والاحباط، وخاصة عندما يعاملون كالحشرات ...بالاقصاء والابعاد عن الحياة العملية والعامة ...العلم والعمل ...هما اكسير الحياة ...فكيف يمكنهم تجاوز أوضاعهم والخلاص من بؤسهم اذن؟؟ لهذا ينتشر العنف، ويصبح نوع من أنواع التعبير ...نوع من الرفض للمجتمع وقوانينه ...بل صرخة لاثارة انتباه السلطات ...التي تمادت في اقصائهم ...وترفض اعتبارهم جزءا من نسيجها الاجتماعي.. ان احساس الفرد منهم بالعجز ...بالتهميش ...بانعدام الاحترام لكيانه وانسانيته وكرامته بالتالي ...وعدم تفهم اختلافه الديني واستيعاب ثقافته ضمن الاطر الاجتماعية ....التي تتيح له أن يجد طريقه في المجتمع ، ويندمج فيه ليصبح بالتالي جزءا من مكوناته ، ويساهم في تطوره وتنميته ...مثله مثل أي مواطن فرنسي... أعتقد أنه ان لم يتعمق ... الحـــــوار.. وتتم دراسة الواقع بكل سوءاته وان لم يساهم المثقفين العرب في الوعي الثقافي والسياسي لأبناء المهاجرين وقراءة واقعهم ...بما يمثلونه من احترام وتقدير في كلا الوسطين العربي والفرنسي ...فان ماينتظرنا نحن العرب والمسلمين ...سيكون مرعباً !!!لآن أبواب جهنم انفتحت على ازدياد الحقد وتغذيته من كل الأطراف .. فمن سيكفل عدم نهوض رد الفعل العنصري من أطراف اليمين الفرنسي؟؟؟ لم نستيقظ بعد مما جرته علينا من ويلات ...الحادي عشر من ايلول ، وأحداث اسبانيا ولندن ....والارهاب الذي حصل في فرنسا في أنفاق المترو ...خالد قلقال وغيره ....كل هذا وذاك لايعطينا السبب في استمرار العنف ...ولا يذكي نار الحقد ...فالعنف لم ولن يكن حلا لمتحضرين ولن يكون وسيلة لحوار ...نهيب بكل المثقفين العرب في الأوساط الأوربية والفرنسية ..وبكل ذوي الرأي السديد ...أن ينهضوا بدورهم لتهدئة الوضع ...ويساهموا مع المسؤولين الفرنسيين لرأب الصدع ...كي لاتأكلنا نيران أولادنا..
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في وطن الحكايات
-
أنخاب الحياة
-
المفتاح -الحل - بيد رئيس الجمهورية السورية
-
لن أبقى هنا
-
هل يقدم النظام الشعب السوري أضحية لينقذ أزلامه؟!!
-
نواح الدم
-
لعروس الليل
-
كروم
-
وجه أمي
-
حباً بالحياة ونصرا على الموت
-
رد على السيدة ماجدولين الرفاعي
-
بداية للنهاية
-
رســالة لرجــل شــرقــي
-
الى جبـــل الشـــيــخ
-
في السادس من آب ماتت هيروشيما، وعاشت هيروشيما
-
ومــا حــواء الا نـون للنـســــوة
-
وزير الاعلام السوري يحذو حذو مثيله - محمد سعيد الصحاف-
-
كــانـــت زوجـــة للقــيــصــر
-
هاأنت تمضي - مهداة الى روح الشهيد هايل أبو زيد-
-
مقتــولــة والقــاتــل بـطــل
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|