أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العراقي والنظافة














المزيد.....

العراقي والنظافة


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5040 - 2016 / 1 / 10 - 21:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كثر الحديث عن الأوساخ في بغداد والنظافة في بلدان الخارج، أليس أمر غريب أن تكون شوارعنا وسخة والإسلام يحث على النظافة وإماطة الأذى عن الطريق وهو دين الأغلبية؟ فإذا كانت النظافة من الإيمان وإذا كان الإسلام نظيف لماذا نرمي الحاجات والنفايات في الشارع والأماكن العامة بكل سهولة؟ هل نحن قليلون الإيمان؟ أم نحن وسخون بطبيعتنا أو همج كما يقول البعض؟ أم أن هناك أسباب أخرى وراء هذه الظاهرة؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه.
العراقي يعلم أن إلقاء القمامة بالأماكن العامة خطأ فهو يلتزم به عند السفر ويصف نظافة تلك الدول بالمثقفة و(ناس أوآدم يفتهمون)! ويصف مجتمعنا بالهمجي! فلماذا لا يلتزم بها إذن في بلده؟ هل يتحضر عند السفر ويعود لهمجيته بعد السفر؟ هل هي ازدواجية أم (حشر مع الناس)؟ وأي يكن الجواب فإنها ليست أسباب أساسية إذ لابد للازدواجية والتلون أسباب أخرى؟ وطبعا أن عمال البلدية غير مقصرين بالتنظيف وليس عددهم قليل حتى نلقي باللائمة عليهم، فلا بد أن يكون هناك سبب آخر مسؤول عن وساخة بغداد. أن العراقي لا يحب الوساخة بل يحب النظافة كأي بشر فهو يحرص دائماً على نظافة بيته لكن على شرط أن لا يكون هو المنظف بل المرأة؟ وهنا نأتي للأدوار الاجتماعية الجنسية الذي أراه علة المشكلة. لأن التنظيف في مجتمعنا يقترن بوظيفة المرأة بالبيت وهذه الأخيرة كائن دوني جنسه شتيمة في مجتمعنا الرجولي وأي تشبه به أو بوظيفته المنزلية هو انتقاص من مكانة الرجل (العالية)، ولهذا فمهنة التنظيف معيبة وعار حين يمارسها الرجال، والمنظف الذي يعمل في البلدية يتلثم لإخفاء وجهه خجلا حتى لا يتعرف إليه احد فيعيره بها ويشتمه بال(كناس) كونها وظيفة المرأة بالمنزل، علماً انه أفضل من المرأة التي بلا أجر ولا قدرة على تسريح نفسها من العمل أما المنظف فله أجر وله حق الاستقالة من عمله. وان النظافة التي يدعوا إليها الإسلام في منظورهم هي نظافة البدن فقط، وان إماطة الأذى عن الطريق محصور بالأشياء الصلبة كالحجارة وما شابه ولا يجمع العراقي من الشارع إلا الخبزة التي على الأرض لحرمتها فيضعها على الرصيف أو مكان عال دون أن يضعها في القمامة!. فالوساخة سببها الأدوار الاجتماعية التمييزية الجنسية بين الرجل والمرأة في مجتمعنا الرجولي.
هناك سبب آخر أعمق مستور فاعل، ويحتاج لحفر إناسي (انثروبولوجي) وهو مفهوم الملكية، إن العراقي لا يوسخ بيته أبدا ويحاول تنظيف حتى عتبة داره بالماء، وخارج حدود هذه الدار فانه يلقي القمامة بدون أي إحساس بمخالفة، فللملكية معنى إناسي عميق عند العربي فهي ترتبط بالأرض الرديفة لغويا ونفسيا للعرض (الأرض عرض) والعرض يجب أن يكون نظيف وطاهر وإذا تلوث فيجب غسله (غسل العار)، فمن الطبيعي إذن أن تكون أرضه التي هي عرضه نظيفة معنويا وماديا كونها مقدسه اجتماعيا، لهذا إن للبيت حرمة مقدسة تزوره الملائكة إذا كان نظيفا ويرتبط بالشرف والسمعة، وهذا هو مفهوم العربي للملكية، أما كون الأماكن العامة بلا صاحب فهي بلا عرض، وهذا ما يجعلها مباحة، فالدولة والقانون تشريعات دنيوية لا ترتبط بالاعتبارات الروحية ذات الحرمة الاجتماعية، فالعام بهذا الاعتبار يصبح لا حرمة عليه، وهذا السبب الثاني الفاعل في إلقاء القمامة بالأماكن العامة. فحين تنصح شخص بعدم رمي القمامة يرد عليك (قابل مال الوالد) أي ليست ارضي أهلي وهذا يؤيد فرضية حرمة الأرض وطهارتها. وعليه إذا كان ما هو ملكنا مقدس فإن كل ما هو بلا مالك مدنس أو يحق لنا تدنيسه، وهذا واضح في لغتنا فالشارع قرين السوء فهو شتيمة تطلق على الآخرين (أبن شارع، أو كلام شوارع) ويمكن البول والتبرز فيه والتجاوز عليه وإحداث أضرار لان (مال عمك ما يهمك) لهذا نجد تراجع الانتماء الوطني بعد العشيرة والطائفة عند العراقي. هكذا يغدوا مفهوما لماذا العراقي يوسخ مدينته لأسباب ثقافية واضحة.
والتحدي هو كيف يمكن تغيير هذه الثقافة المتجذرة بالتاريخ واللاوعي الاجتماعي؟ هل بالتعليم والنصيحة؟ العراقي كما بينت يعرف أن ما يقوم به خطأ، هل بتقنين عقوبة مالية لكل من يرمي الأوساخ بالأماكن العامة؟ هذا لن يغير شيئا فالعراقي سيبقى ينتهز فرص غياب القانون ليوسخ الشوارع وإن كان يقلل نسبيا من هذه الظاهرة، إذن ما هو الحل يا ترى؟ الجواب بتصوري هو بتقديم ثقافة جديدة بديلة عن ثقافة الملكية ودونية وظائف المرأة المنزلية، إن مجتمع فيه مساواة بالقانون بين الرجل والمرأة وتشريعات تحمي التجاوز على المرأة بالمنزل والعمل يقلل من دونيتها ووظائفها، في ظل نظام سياسي علماني، كذلك أن مساهمة المواطن في انتخاب الحكومة والتظاهر والاحتجاج على قراراتها بعد توفير حقوقه الأساسية، وشعوره بأنه مسؤول عنها ومراقبتها يجعل المواطن يشعر بالمسؤولية الاجتماعية ويدرك تلقائيا أن كل الأماكن العامة هي جزء من ملكيته كمواطن وأنها كلها مقدسة للمواطنين، من الطبيعي أن يتغير هذا الوعي القديم تدريجيا بوعي جديد، وقد قرأت في الفيس بوك أن هناك مادة في مدارس اليابان اسمها (الأخلاق) وهي درس تنظيف! يقوم به المعلم مع الطلاب بتنظيف المدرسة التي هي بلا منظفين أصلا! لأنها مسؤولية الكادر التعليمي والطلاب! وعقوبات الجيش الأمريكي هي ألزام التنظيف على جنوده المخالفين ومثل هكذا دروس مهمة جدا لبلدنا مع بيئة ثقافية جديدة لزرع الفكر الحضاري الإنساني. وقد ضرب لنا المحافظ (علي دواي) أنموذجا على أهمية وجود قدوة للناس يزيل صورة المسؤول المتعالية عن عامة الناس والمهن البسيطة، حيث يشارك هذا المحافظ بتنظيف شوارع محافظته لابسا بذلة النظافة دون أن يخفي وجهه! ما جعله شخصية عالمية تتحدث عنها الصحف، لذلك نحن بحاجة إلى قدوة يزعزع فكرة دونية التنظيف كونه وظيفة المرأة. لكنه للأسف بقي استثناء شاذ في ثقافة مضادة. الحل ممكن وليس مستحيل لكن يحتاج للإرادة السياسية ومن المجتمع المدني مساهمة فاعلة لتغيير الثقافة المضادة للنظافة.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاموس العامي للمجتمع العراقي 1
- رؤية إناسية لرأس السنة
- من تعليقات الفيس بوك
- النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي
- المفهوم الاجتماعي للمدنية
- العرقي والخمر
- نقد نقد المجتمع العراقي
- مراجعة في فكر هادي العلوي
- الحرام النوعي للأكل
- العراقي والعيد
- انطباعات عن ثورة التحرير العراقية
- العراقي والحيوانات
- العراقي والشارب
- الحرام النوعي للجنس
- التفسير الاجتماعي للتحية العراقية
- الحرام النوعي للشتائم العراقية
- التفسير الاجتماعي للكذب في المجتمع العراقي
- الحرام النوعي لسلوك المرحاض في المجتمع العراقي
- قيمة السلاح في المجتمع العراقي
- التفسير الاجتماعي للفساد بالعراق


المزيد.....




- لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور ...
- -لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا ...
- -بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا ...
- متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
- العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
- مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
- وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما ...
- لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
- ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
- كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العراقي والنظافة