مستوطنة جبل ريش الحمام -4-:

ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 5040 - 2016 / 1 / 10 - 08:20
المحور: الادب والفن
    

أطرقَ سعيد رأسه إلى الأرض، وغاص في لُجج من الحيرة والضياع. فحديثُ الرجل الستيني فتح أمامه متاهات لم تكن في الحُسبان، وأنذره بحتمية صِدامه المنتظر مع مجموعة من العراقيل، لا يريد أن يفكر في ماهيتها ولا في شكلها.
انتبه عمر إلى اشتداد حيرة صديقه سعيد، وللتخفيف عنه رجَّح سبب تعامل السلطات مع الرجل الأمريكي كونه أجنبيا، وقد تثير أي حادثة يتعرض لها في خلوته الجبلية أزمة ديبلوماسية بين المغرب وأمريكا.
نظر عمر حوله فوجد جميع رواد المقهى مصيخين إليهم، فعلم أن خبر عزم صديقه على الاستيطان في الجبل قد يكون وصل إلى مختلف الجهات الشعبية والرسمية. متعللا بهذه الأسباب، أشار إلى صديقه بضرورة تغيير المقهى. فرفض سعيد ذلك، وقال إن خبره وصل إلى الأموات فكيف بالأحرى إلى الأحياء، وفي ذهنه تتراقص صورة طيف المقبرة ويزمجر صوته.
ثم استأنف الرجل الستيني حديثه باقتراحٍ أن لا يبتني سعيد بيته على قمة جبل ريش الحمام بسبب ضيق المكان وانحداره الشديد ومواجهته المباشرة لعناصر الطبيعة. بل من الخيِّر أن يفكر في تشييد بيت متين على الجبل الآخر الذي تستدبره القمة، وهو في أعلاه شديد الإنبساط مترامي الأطراف، تكاد مساحته تتجاوز رقعة ملعب كرة القدم.
أعلن عمر عن استحسانه لهذا الإقتراح بابتسامة واسعة واجه بها ناظري صديقه. لكن سعيدا أنهى الجدال حول هذه النقطة بتأكيد عزمه القوي والثابت على اتخاذ القمة مسكناً، وإلا ما كان هنالك من أي داع لهذا التعب كله.
تزحزح الرجل السيتيني في مكانه، وعدل من جلسته، وأعلن أنه سيدعم الشاب في مسعاه إلى أن يتكلل المشروع بالنجاح. وكما قال فمثل هذه الفكرة تستحق المغامرة وإلا لا داعي لكل هذا.
وتعالت من كل أرجاء المقهى كلمات التأييد، وتكاثرت وعودٌ بالمساعدة والدعم. وتناسلت الدعوات بالتوفيق والصبر وحشد الهِمم. فمن رواد المقهى من اقترح المساعدة في حفر أساسات البيت، ومنهم من أكد على أنه سيوفر لذلك مواد البناء من اسمنت وحديد. بل اقترح أحد الرواد، وهو أستاذ في الفلسفة، أن يتم بناء دُرج اسمنتي طويل يمتد صعودا من الضفة الجنوبية لوادي "موه جديد" إلى قمة الجبل، يكون مثيلا لأطول درج في العالم والذي يزوره عدد كبير من السياح في جزيرة "سانت هيلينا". قاطع كلامه شخص آخر سائلا عن موقع تلك الجزيرة، فأجابه الأستاذ ممعنا في الغموض، أنها الجزيرة التي نفي إليها نابوليون بونابارت.
اندهش عمر من كل هذا اللغط الذي أثارته فكرة صديقه وسرعة انتشار الخبر، بينما تاه سعيد في عالم حلمه المتسامق الذي جاوز قمة الجبل حتى كاد أن يلامس بأعلى خصلات شعر رأسه غيوم السماء.
يتبع...

#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات