احمد مصارع
الحوار المتمدن-العدد: 1373 - 2005 / 11 / 9 - 13:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السيناريو السوري المتوسط : وهو سيناريو حسابي متوسط بين السيناريو العراقي واللبناني و يأخذ بعين الاعتبار العوامل التي لعبت دورا ايجابيا في التغيير , بهدف البحث عن أعلى جدوى ممكنة للتغيير , يقلل من كلفة التغيير المقصود , بشريا واقتصاديا , بدون تغيير للأهداف المفروضة دوليا ؟.
التطورات السياسية المتتابعة على الساحة الدولية , والتي جعلت الشأن السوري في بؤرة الاهتمام داخل سوريا وخارجها , ومن نتائج تقرير المحقق الدولي القاضي الألماني ميليس , وما اتخذه مجلس الأمن من قرارات وفقا للبند السابع , والذي يهدد بالعقوبات مالم تتحقق الاستجابة لمطالب التحقيق , بقصد الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الحريري , وهو الزلزال الذي هز المنطقة بأسرها , ولم ينته بعد , بل ولا يبدو في الأفق القريب , امكان أن يمر بسلام دون أن يحدث تغييرات جوهرية , لتتوافق مع المخطط الدولي ومرة أخرى , مع مشروع الشرق الأوسط الجديد .
عاصفة التغيير بالقوة , لمن لا ينحني أمام القوة العاتية , بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , والقوى العظمى المتحالفة معها , قادت في الماضي القريب الى حصول مجموعة من التطورات الدراماتيكية , العنيفة , المختلطة , بحيث يصعب فيها , فرز المعطيات السلبية عن الايجابية , ولم تخلق بشكل صحيح , النموذج الذي يمكن النظر إليه , دون مخاوف عميقة تنتاب الجميع , وهو ما يمكن تسميته برهاب الخوف من التغيير , (فوبيا ) التجديد المفتوح على المجهول , بما فيه كراهية تطوير العادات , حتى بالنسبة لمراقب كسول أو آخر يعيش على الأماني وأحلام اليقظة , فلا شيء سيتغير بالسهولة المرجوة .
لقد كانت تكاليف التغيير لنظام الطغيان في العراق باهظة التكاليف بشريا , فأزهقت أرواح كثيرة , والأهم البريئة منها , ومع الخسائر المادية المتعاظمة , التي حلت على الجميع , الأمر الذي أدى الى اختلال الأمل بحياة أفضل , مع كوابيس الواقع , ومع دوامة العنف , وانعدام الأمن , فلم يظهر بعد الجدوى التحررية , أو على أقل تقدير ملامح العيش الكريم , بعيدا عن الصراعات الدموية والمأساوية .
لقد أصبحت العقدة الأمريكية من الحرب الفيتنامية , العتيقة , طافية على سطح الرأي العام الأمريكي , ولم تتبدد بعد مشاعر التشاؤم في منطقتنا , من الهزائم المتتالية التي أصابتها في الماضي البعيد , وشكلت نقطة التهاب ميتافيزيقية , عاطفية وغير واقعية , تتطلب الكثير من العمل الداخلي والخارجي لإعادة الشعور بالثقة المنعدمة بين المريض والطبيب الذي يقترح نفسه جراحا له , ومداويا , فقد أصبحت بيداغوجيا كل المهن خاضعة لروح شكوكية كبيرة , ولا يبدو أن من السهل التغلب عليها .
حتى من كان يدعى بشكل تقليدي , بعيدا عن المجريات الواقعية , بالعدو ( التاريخي ) , وهو من يعلق على شماعته الصهيونية , والماسونية , فهو متردد بقبول امكان التغيير بدون تطورات مزعجة , بل والخوف الخفي , من حدوث مالا يمكن احتسابه حتى لدى الخبراء , بل وفي أبرع العقول الإلكترونية .
في القضية ( حرب الجميع على الجميع ) نقرأ جميعا خوف الجميع من الجميع , الداخل من الخارج , والخارج من الداخل , بل حتى الجوار من الجوار , وهو بحق أوسع عملية قلق دولية - شرق أوسطية , فهل يستطيع الجميع أن يقبل بعملية التخدير , ويقلص مخاوفه , ويستسلم الجميع للتغيير كقدر وبدون مخاوف , وليخضع للعملية الجراحية المفروضة , كما لوكانت شرا لابد منه , وهذا إن تم فلابد أن ينسجم مع ضرورة الأخذ بعوامل الإخفاق التي حطمت معنويات ( الجميع ) .
كان من الضروري ملاحظة أن التوافق اللبناني الداخلي , على مسارين , من لبنان المحررة أرضه من الاحتلال , وهو يسعى للاستقلال التام , وبذلك ارتفعت وتيرة المطالبة لإنجاز تلك المهمة المستعصية , وقد تأخرت الأمر الذي أدى الى نتائج كارثية ,
الأمر الذي سمح لبعض الواهمين ( الحق الممتزج بالباطل ) , مما جعل الأعداء والأصدقاء, بل والأخوة من مرتبة واحدة , وهذا بالضبط ما حدث , ومن نتائج اليأس الشعبي الفلسطيني , من امكان حصول المعجزات , في صراع طويل غامض وغير مفهوم , اختلط فيه الحق المشروع , مع الحد الدولي الممنوع , وأحال المنطقة برمتها , الى حالة اللا حرب واللا سلم من جهة أخرى , بل نحو فاعلية مراوحة مكانيا , في حالة عقم مستديم , من الموت الدماغي , واللاعقلاني , جعل ماهو ثانوي يختلط بمرارة مع ماهو رئيسي , في حرب الداخل على الداخل , ولعبة الطبيب الفاشل وهو ينصح الجميع بالصبر الى ما لانهاية .
لقد ظلت منطقة الشرق الأوسط الصغير وعلى درجات , تعيش وهم انتظار مالا يأتي أبدا , بوهم أنه هناك على الأبواب فضاعت عليها بحق فرص تاريخية من البناء والتطور , وعيش حياة السلام لأجيال متعاقبة , وهو بحق وضع يصعب تشخيصه , وفهم طبعته الاستبدادية والعنا دية , بل وحتى في مناحرته القدرية الاستسلامية في جوهرها , فلم تتمكن أبدا , وخاصة شعوبها المقهورة من جميع الجوانب من طي صفحة قديمة , وخط صفحة جديدة , ولم تظهر صفحات للتطور والأمل , فخلال عدة عقود والجميع يجتر في قراءته لصفحة واحدة مهترئة لا تتناسب مع المتغيرات الدولية , والواقع الحالي .
بتساؤل : هل يوجد نظام ( عربي ) اليوم يؤمن بأن تحرير فلسطين يمر عبر تحرير بلدان عربية أخرى , وهو تصور لم يعد واقعيا أبدا , بل والتهديد بمخاطر ( سايكس - بيكو ) جديد , الذي يطلقه البعض , ويتناسى فيه أن المخطط المذكور والذي يحمل في بصمته خطوطا للمصالح الدولية , وما تبعه كان أشد سوءا , من حيث ( فعل الجاهل بنفسه , يفوق كيد العدو بعدوه ) , فالطريق نحو حرية مصر ووداعا للسلاح كانت عبر كامب ديفيد , والطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة تمت عبر أوسلو , في حين ظل البعض يراوح في متاهات الطريق : عبر بغداد- دمشق والعكس , أو عبر الكويت - بيروت ؟ أو عبر العالم نحو الداخل , وقد يصر البعض أن تلكم الأزمات من نفس العقدة السايكس بيكوية , مصرا على لي عنق الواقع وفقا لأهوائه وأمنياته .
السيناريو السوري المتوسط : وهو سيناريو قد يكون قد برزت ملامحه عبر المتوسط الحسابي بين بغداد وبيروت , فما حدث في بغداد , عبر توافق المعارضة الخارجية مع الإرادة الدولية المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , لدك البنية التحتية للشرق الأوسط الجديد , هو من صنع الخارج (المحلي والدولي ) , في حين لم تراعى المصالح الداخلية من ضرورة حدوث التغيير المحتسب وفقا لما تدعيه قوى الأبهة الخارجية في الحالتين , وذلك بخلاف ما حدث في لبنان , حيث التقت المعارضة الداخلية وهي قوية نسبيا ضمن العرض السابق ذكره مع المخطط الدولي , في حين فشلت قوى الموالاة الداخلية في تحالفها الإقليمي , أو الداخلي بطريقة أخرى , (معارضة داخلية وخارج دولي ) مقابل موالاة تزعم داخليتها , فكيف يمكن أن نرسم ملامح السيناريو السوري المتوسط , عبر تقرير ميليس , وعبر التهديد بالعقوبات , والحل العسكري , والجميع يشك , والجميع يخاف , من فداحة التجربة , ومن شهوة التغيير , ما تزال الى يومنا هذا شكوك من فداحة عمليات التفكيك وصولا الى المشروع المعروف .
من الواضح أن ما سيحدث في المستقبل القريب , هو التمازج مابين السيناريو العراقي والسيناريو اللبناني , بحيث يلجأ المخططون الى ربط الداخل نفسه (بره وجوه ) , وإطلاق سراحه ليلعب بشكل سلمي وديمقراطي , في نفس الوقت تفكيك آليات النظام التقليدية بضغط من الخارج , وعبر التصعيدات المتتالية لتحقيقات ميليس المدعومة دوليا , والتهديد باستعمال القوة العسكرية , لنشر روح اليأس من كل أنواع الممانعة للتغيير القادم , وعبر ترك الفرصة الكافية للجميع في مراجعة النفس وتجنب الانزلاق نحو السيناريو العراقي أو اللبناني , وهذا ما سيحدث مستقبلا , بخاصة إذا توافقت القوى الدولية , ولم تنشأ أي ثغرة من نوع فقدان الشرعية الدولية , وهذا هو الظاهر في تحركات الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية والإقليمية .
#احمد_مصارع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟