منير شحود
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال عقود عدة أتقن النظام السوري لعبة البهلوان على حبل قطبي الحرب الباردة. وحتى عندما أصبح القطب واحداَ تشبَّث بالحبل ولم يسقط, رغم العواصف التي كانت تهب بين الفينة والأخرى. وفجأة اغتيل الحريري, وبدا كأن تاريخ سوريا ولبنان قد استفاق من رقدته, وتوجهت أصابع الاتهام نحو النظاميين الأمنيين السوري واللبناني, واجتمعت الإرادات الخارجية في لحظة تبدلت فيها الكثير من القناعات والثوابت. وفي خضم مواجهة غير محسوبة, فقد النظام السوري بوصلته, وبدأ التخبط السياسي والتجاهل والإنكار.
وظهر أثر الضغوط الخارجية جلياًّ على النظام؛ فتم الانسحاب من لبنان, وتشكلت مؤخراً محكمة سورية خاصة للتحقيق في اغتيال الحريري, بعد تأخير أفقد هذه الخطوة الهامة معناها. ولكن هذه الضغوط الخارجية لم تترافق بتحرك في الداخل تنسقه المعارضة بصورة سلمية وديمقراطية, إذ أنها تأخرت عن استغلال الظرف السياسي الجديد للضغط من أجل فكفكة النظام الأمني من الداخل, كما انعكس غياب السياسة المديد عن المجتمع بعدم ظهور حركات احتجاج شعبية. وإذا كان التحرك الشعبي في لبنان هو الذي قاد المعارضة, فإن الداخل السوري ظل ساكناً, إلا من أصوات منفردة هنا وهناك.
وكان الرد على الضغوط الخارجية بتشديد القبض على المجتمع أمنياً, وأعاق ذلك بدوره إمكانية حدوث تحول تدريجي للنظام الاستبدادي نحو الديمقراطية. وبدا أن لا مجال لإدراك أن "المياه تجري في النهر", وأن حواسنا المتيبسة من الحجر المديد بدأت تتبرعم بعد لفحتها رياح الحرية المتدفقة من صدوع السجن الكبير. وما زال النظام وجوقته وجبهته يخلطون بين القبضة الأمنية والوحدة الوطنية.
ويبدو أن الحظ حالف الشعب السوري, بعد تكشف الأخطاء التي تمثلت بمعاقبة شعب بأكمله وحصاره في العراق, علاوة على الطريقة التي تم فيها إسقاط النظام في هذا البلد. وكما رأينا مؤخراً في مجلس الأمن, فإن لا أحد على ما يبدو يرغب في تطبيق عقوبات اقتصادية على الشعب السوري, أو إسقاط النظام دون تبلور بديل مقنع.
معظم المؤشرات تدل على أن العراقيين دفعوا ضريبة التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية دماً غالياً عن شعوب المنطقة كلها, وعن الشعب السوري بصورة خاصة؛ بسبب تشابه الظروف. ومع أن استشراف آفاق التطورات الحالية ما زال صعباً, فإنها تعدُّ في المجمل إيجابية وتاريخية؛ لأنها تفتح الباب على مستقبل تتعدد فيه الخيارات. لكن العبور من المأزق الحالي مفتوح على مخاطر ليست قليلة.
#منير_شحود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟