رائد عبد الرازق
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 08:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" بابا اليوم بيجيب لنا نمورة "
أصغر أبنائي الذكور " أيوب " يعرف بداية الشهر الجديد من النمورة، حيث أنني اعتدت فور قبضي راتبي و قبل التوجه للمنزل أن أذهب لمحل الحلويات القريب منا و أشتري نمورة للأولاد . مرة قال أيوب لأمه " بدنا نروح على دار سيدي " فقالت له أمه " لما يبدى الشهر الجديد يا ماما " و بقي كل يوم يسألها هل بدأ الشهر الجديد يا ماما ؟ فترد " بعد يومين " ، و في اليوم الموالي ترد غداً يا ماما ، و في اليوم الذي يليه ترد على سؤاله المُلح " اليوم بدأ الشهر الجديد يا ماما و بكرة بنروح على دار سيدك " ففرح و قال لها " يعني بابا اليوم بيجيب نمورة معاه و هو مروح ، صح ياما " فترد " صح ماما " و هكذا أصبح الارتباط موثقاً عند أيوب بين النمورة و بداية كل شهر .
بقية الأولاد عندما يطلبون من أمهم شيئاً بعد اليوم العشرين من الشهر تقول لهم أمهم " عندما يقبض أبوكم قريباً " فأصبح سقف طموح الأولاد كلهم مرتبط بموعد نزول راتب أبيهم ، و أصبحوا يعرفون متى يطلبون مطالبهم بسؤال ذكي لأمهم " متى يقبض بابا ؟ "
أردت ذات مرة اختبار الارتباط بين أيوب و النمورة و الراتب ، فاشتريت بينما أنا عائد إلى المنزل مساءً نمورة ، فور ما دخلت المنزل سألني أولادي دفعة واحدة " هل قبضت يا بابا " فضحكت و قلت لهم لم ينته الشهر بعد يا بابا ، فقالوا طيب ليش جايب نمورة ؟ لم أعرف ماذا أقول لهم ، مذا أقول لهم ؟ أحدكم يتفضل بالجواب .
الموضوع ليس في النمورة و لا في ابني أيوب و لا في بداية الشهر ، بل في الموظف نفسه الذي ينظر الكل له بأنه الإنسان المرفه في المجتمع و خاصة في ظل الظروف الخانقة اقتصادياً التي يعيشها مجتمعنا الفلسطيني المعذب من الرحم إلى القبر .
الموظف في كل دول العالم هو الإنسان الذي يعيش حياة مستقرة كريمة كونه يمارس عملاً نظامياً محدد ساعاته و أنظمته و له قوانينه و يتقاضى في بداية كل شهر راتباً على الأقل يسمح له بأن يعيش بكرامة هو و أسرته و باستقلالية تامة .
أما عندنا فالأمر ليس كذلك ، الموظف يعمل نعم و يتقاضى راتباً شهرياً نعم ، لكن هل هذا الراتب يسمح له بالعيش بكرامة ؟ هل يفي جميع مطالب أسرته ؟ هل يوفر منه للزمن و غدراته و شطحاته و ظروفه ؟ هل موظفنا يعمل في شروط نظامية ؟ هل نوعية الجمهور التي يتعامل معها الموظف واعية ؟ و ما هو سلوكها ؟ ما نظرة مراجعي المؤسسات الحكومية و غيرها للموظفين ؟ هل حقوق الموظف الإدارية مصانة ؟ هل توجد هيكليات معتمدة لمؤسسات العمل الحكومي و الغير حكومي ؟ إذا كان الجواب نعم ، لماذا هي معطلة ؟ و لمصلحة من ؟
قانون الخدمة المدنية و ما أدراك ما قانون الخدمة المدنية ، كثر الحديث عنه و تفاءل الكثير بشكل فاق الخيال و بدأ كل موظف يضع خطط المستقبل لأسرته بعد تطبيق القانون ، لكن ، عند التطبيق فوجئ الجميع بأن الحديث يتم عن ملاليم فقط ، طبق جزء من القانون و بشكل غير كامل و عطل جزء ، مشاكل عويصة فيه بين المالية و الوزارات و ديوان الموظفين ، و الموظف لا يعرف رأسه من قدميه ، و كل يوم حديث جديد عن علاوات معينة و عن بنود تتغير و عن رفع و خفض للراتب الأساسي و جداول جديدة تصل من هنا و هناك ، و عن و عن و عن ..................... لصالح من كل ذلك الذل و العذاب و الإهانة للموظف ؟ و أي موظف هذا الذي لا يعرف رأسه من قدمه في راتبه ؟ و إلى متى سيبقى الموظفون يدفعون ثمن الخلافات بين الكبار ؟
الترقيات موقفة ...
العلاوات الدورية موقفة ...
تغيير الدرجات كاستحقاق دوري متوقف ...
تغييرات المسميات متوقف ... الحجة أنه لا توجد هيكليات ...
هل عمل الهيكليات يحتاج لخبراء من النرويج ؟ ماذا تفعل الوزارات و الوزراء منذ 1994 م ؟ و كيف يعملون بدون هيكليات ؟ و أي عمل هذا الذي ينجح دون مخططات و بنى منظمة ؟
يفيد بعض الموظفين بأنهم عندما يراجعون مدرائهم حول عدم تغيير مسمياتهم الوظيفية و حصولهم على ترقياتهم بناءً على ما يقومون به فعلاً من عمل و خاصة المهام الإشرافية و القيادية ، يقول لهم المدراء كل شيء متوقف بسبب عدم وجود هيكليات معتمدة للوزارات ، فيعود الموظفين لأماكن عملهم محبطين ، فيفاجأوا بعد أيام بأن زميل لهم لا يمارس أي مهام إشرافية فعلية يحليهم بسبب حصوله على درجة " رئيس قسم " رئيس قسم ماذا ؟ لا أحد يعرف ، كيف إذا تم ذلك بدون هيكليات معتمدة ؟ الله أعلم ، هذا علم كبير و لم نصل نحن بعد لدرجة التقدم الفكري لنفهمه يفيد الموظفون ، فهل من لا يملك معارف عليه أن يموت قهراً و ذلاً ؟
السبب في كل هذا هو المجلس التشريعي الذي انتخب الشعب أعضائه لينظموا له حياته و معاملاته و يصونوا حقوقه و يعملوا على تحقيقها ، لكنهم أداروا ظهورهم للشعب فور جلوسهم على الكراسي و منهم من لم يصل حتى اللحظة موقعه الانتخابي ، بل اكتفى بالكرسي و السيارة و الراتب و البدلات و النثريات و البطاقات الهامة و شبكات العلاقات العامة من أجل مصالحهم فقط ، حتى أن من أصبح منهم وزيراً حول الوطن إلى محافظة .
الشعب أيضاً يتحمل نصف المسؤولية لسكوته عن المطالبة بحقوقه منهم طوال السنين الماضية و لسعيه خلفهم من أجل بعض المصالح الخاصة هنا و هناك .
ما الحل إذا ؟ لا أعرف ، لكن الكل يعرف ، الحل هو وجود القانون و النظام فقط لا غير و هذان أمران ممكنان و بسهولة شرط توفر النية عند ذوي الاختصاص .
أما الآن فكلوا النمورة مع ابني أيوب و ناموا كي لا تصابوا بجلطة .
#رائد_عبد_الرازق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟