|
التحالف العدواني التوسعي الجديد ومخاطره
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5035 - 2016 / 1 / 5 - 11:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تعد الحروب المتصاعدة ، التي تشنها قوى الإرهاب الدولي ، وخاصة ، تركيا ، والمملكة السعودية ، وإسرائيل ، على سوريا ، والعراق ، واليمن ، ولبنان ، لم تعد سؤالاً ملتبساً ، فقد اتضح للجميع ، أنها عملية استبدال الوسائل والآليات الحربية الأميركية والغربية المباشرة ، المكلفة مادياً وبشرياً ، لتحقيق مآربها ومصالحها ، بوسائل إقليمية وإرهابية ، غبية ، ومأجورة . وذلك نتيجة نمو وتصاعد قدرات تنافسية دولية أخرى زعزعت هيمنتها العريقة على العالم . ونتيجة أزمتها الاقتصادية المستعصية على الحلول المعتادة ، والمستمرة أكثر مما كان متوقعاً . وكذلك نتيجة التدخل الروسي العسكري في سوريا ، ما أدى إلى التراجع الفعلي للقدرات الأميركية الغربية ، وبالتالي فتح المجال لأكثر الدول الإقليمية طمعاً وتوسعاً وعداء للشعوب ، لملء الفراغ الناتج عن هذا التراجع ، من خلال تحالف وثيق بين هذه الدول وبين المركز الإمبريالي الغربي .
وهذا ما يفسر الممارسات الشرسة ، والتحديات الوقحة ، التي تواجه بها تركيا والمملكة السعودية وإسرائيل ، شعوب ودول الإقليم المستهدفة . فالبلدان الثلاثة ، على علاقة قوية تاريخية مع أميركا وحلف الناتو . ولولا الاستناد على هذه العلاقة ، لما تجرأت على ارتكاب جرائمها ، بدعمها للإرهاب الدولي الدموي المدمر ، والقيام باعتداءاتها المباشرة كما يحدث في اليمن . ما يعوق عملية ملء الفراغ المطلوب بكل أبعاده ، وخرائطه ، وزمنه المحدد ، هو الحضور الروسي العسكري في سوريا ، ومشاركته الجيش السوري الوطني مسؤولية التصدي للإرهاب الدولي ، وحماية الأجواء السورية ، وإسقاط مشارع المناطق العازلة في الشمال والسوري وجنوبه ، وقد يتسع هذا الحضور ليشمل بلداناً أخرى في الإقليم .
التجلي العملي لملء الفراغ ،، الناتج عن تراجع قدرات أميركا والغرب في فرض استدامة الهيمنة على الشرق الأوسط ، الذي تقوم به تركيا والمملكة السعودية وإسرائيل ، برز في الأسابيع الأخيرة ، بعد تعثر تطبيقه الفعلي ، ضمن الزمن المطلوب ، نتيجة ضغط الجيش السوري الوطني ، والدعم الروسي الجوي واللوجستي ، وضغط الجيش العراقي الوطني ، ونتيجة الصعوبات الداخلية المتفاقمة في تركيا ، المتمثلة بمقاومة الشعب الكردي السياسية والمسلحة ، وفي صمود الشعب اليمني بوجه العدوان السعودي الإجرامي المتوحش ، برز التوجه الحثيث ، لإقامة تحاف يضم الدول الثلاث ، تركيا ، والمملكة السعودية ، وإسرائيل ، بدلاً من عمل كل منها بمشروعها الخاص العدواني التوسعي ، دون الانسحاب ، بطبيعة الحال ، من التحالفات الأميركية الأطلسية .
وهذا التحالف ، وإن كان يحمل التناقض ، والتنافس ، بين المشاريع الخاصة ، فإنه يحمل خطراً ثنائياً لا يستهان به ، في المراحل القادمة من الصراعات والحروب في الإقليم ، وخاصة على البلدان التي تجري فيها الحروب منذ سنوات ، مثل سوريا والعراق ويمكن إضافة اليمن أيضاً . فكل دولة من الدول الثلاث تعمل من جهة على تنسيق أعمالها العدوانية إزاء الأهداف المشتركة ، إلاّ أنها ستعمل جاهدة لتوظيف هذا التنسيق ، في خدمة مشروعها الخاص ، في إطار المجال الطامعة فيه ، جغرافياً ، وسياسياً ، وعسكرياً . ويصبح البلد المستهدف ضحية ضربات عدوانية ثنائية النيران وثنائية الغايات .. أي أنها ستكون حرباً أشد ضراوة وتدميراً .
وهذا التحالف من طرف آخر ، يؤكد على أن المصالح تتجاوز الخصومات ، وأنها فعلت فعلها في تأجيل أو تجميد الخصومة بين تركيا والمملكة ، وبين تركيا ولإسرائيل . بين المملكة وتركيا خصومة حول الأ خوان المسلمين ، وحول تزعم الإقليم والعالم الإسلامي . تركيا تعتبر أن الأ خوان المسلمين هم شركاء موضوعيين لها في مشروعها العالمي العثماني . والمملكة تعتبرهم معوقين ومنافسين لمشروعها الوهابي العالمي ، وإرهابيين ينبغي التخلص منهم . وفعلت فعلها أيضاً ، في انطلاقة مسار المصالحة بين تركيا ومصر ، بمساع دبلوماسية ومالية سعودية .
وتعبيراً عن الجدية بإقامة التحالف ، قام أردو غان بزيارة المملكة السعودية . ونتج عن تلك الزيارة ، تشكيل مجلس أعلى للتحالف الاستراتيجي بين البلدين ، وعقد صفقات تجارية واقتصادية ضخمة ، أبرزها شراء المملكة أسلحة تركية بعشرة مليارات دولار . وتوجهت الحكومة التركية ، عبر صمت ورضا المملكة السعودية ، إلى الكيان الإسرائيلي ، بطلب ، إنهاء التوتر بين البلدين نتيجة عدوان إسرائيل على سفينة تركية في بحر مرمة كانت تحاول كسر الحصار الإسرائيلي لغزة قبل خمس سنوات . والدخول ، انسجاماً مع متطلبات المتغيرات التحالفية الجارية في الإقليم ، في مرحلة تطبيع كامل بينهما . ومازالت المباحثات جارية بهذا الخصوص .
ومن البديهي ، حتى يكتمل ملء الفراغ الشرق أوسطي ، ينبغي ، أولاً ، إنهاء الحرب السورية بإسقاط النظام السوري ، ووصول الموالين لدول التحالف وأميركا والغرب إلى الحكم . وتقسيم العراق ، وإقامة دويلات طائفية متصارعة ، والقضاء على مقاومة الشعب اليمني ، وإعادة " شرعية عبد ربه " إلى حكم اليمن ، والقضاء على المقاومة اللبنانية والفلسطينية . كما ينبغي أن تكون المخططات الإقليمية المتعددة ، التركية ، والسعودية ، والإسرائيلية ، منسجمة ، ومتكاملة ، مع مخططات أميركا والغرب . بمعنى ، أن يتوحد مشروع تركيا العثماني ، ومشروع إسرائيل الكبرى ، ومشروع المملكة الوهابي الدولي ، مع مشروع الشرق الأوسط المراد تغيير خرائطه ، السياسية ، والقومية ، والطائفية ، والاقتصادية . ما يتطلب ، ويؤدي إلى طرد الحضور الروسي من سوريا والإقليم ، واحتواء أو تدمير إيران ، وإقامة قيادة مشتركة متمكنة من السيطرة على ثروات وشعوب المنطقة .
إن مؤشرات بدء عملية ملء الفراغ ، بدأت باغتيال إسرائيل المقاوم الشهيد " سمير القنطار " ، ومن ثم بإعدام المملكة السعودية المقاوم للظلم والاستبداد " الشيخ نمر النمر " . وتصعيد أردو غان من الهجمات العسكرية المتوحشة على المواقع الكردية ، وفي قمع المظاهرات الدموي في تركيا ، وإذكاء المملكة للتوتر الطائفي ، وشيطنة إيران وتحميلها مسؤولية دعم الإرهاب ، للتمويه على جرائم " داعش " والتنظيمات الإرهابية الأخرى ، وللتمويه على انحراف النظام العربي عن الصراع العربي الصهيوني ، وإسقاط القضية الفلسطينية ، وتأبيد عيش الشتات الفلسطيني ، ولجر بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي ، إلى حروب طائفية همجية مدمرة ، ربما تأخذ بعداً عالمياً أكثر خطورة ، لإعادة تكريس الأحادية القطبية الدولية ، وتكريس عبودية الرأسمالية الكونية ، لحقبة زمنية مجهولة النهاية .
وتأسيساً على ذلك ، يمكن التأكيد على أمرين . الأول : أن أميركا ودول " حلف الناتو " التي تمارس لعب دورها عن بعد ، لا يخفف ولا يبعد المسؤولية عنها ، وإنما هي لدعمها غير المحدود للإرهاب الدولي ولقوى هذا التحالف ، تتحمل المسؤولية الأولى ، الناتجة عن الإرهاب الدولي ، وعن أنشطة دول التحالف العدوانية والتوسعية . الأمر الثاني : أن قوى الداخل في البلدان التي تتعرض للإرهاب الدولي ، وأخطار المخططات التوسعية السعودية والتركية والإسرائيلية ، تتحمل بنسبة عالية مسؤولية رد العدوان والتوسع ، وذلك بتجنبها الوقوع في أ فخاخ المفاوضات ، حول خلافاتها البينية الداخلية ، في البلدان الداعمة لعدوان الإرهاب الدولي على بلدانها ، والطامعة بأرضها وثرواتها ، والهادفة لتمزيق بلدانها وشعوبها .. وبرفضها الوطني الحازم للمخططات الأميركية والغربية وعملائها الإقليميين ، التي تعمل على تقرير مصائر بلدانها وفق الخرائط الاستعمارية والتوسيعية .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرض السورية تقاتل
-
إنها البرهان
-
من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
-
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
-
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|