محمد يوب
الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 00:54
المحور:
الادب والفن
حين يغيب المثقفون الحقيقيون وتسكت أقلامهم؛ يخيم الصمت؛ ويسود الفراغ؛ وتتسرب من بين الشقوق أقلام يشبه بعضها البعض؛ تتسابق لجمع بقايا كلمات شاردة تنتشي بتواري أقلام رصاص حقيقية؛ هادفة؛ ترقى بالمشهد الثقافي وتزكيه من الضلال والزيغ عن المسار الحقيقي لوظيفة العقل وهي وظيفة عَقْلِ العقلِ من الشرودِ و الضياعِ.
خاصة أن راهنية الواقع العربي وظروفه السوسيوثقافية بدأت تصنع عنفها وإرهابها بنفسها؛ نظرا للفراغ الفكري وغياب منهجية نقدية موضوعية مبنية على المنطق؛ منهجية تحترم وضعية النقاش والشخص المحاور؛ وفي مثل هكذا وضع ثقافي تنتشر ثقافة صراع الديكة المدججة بمخالب ومناقير حادة مستعدة للهجوم. إنها حلقة من النقاش أشبه ما تكون بثكنة يسودها الحوار الدكتاتوري والنقد الدموي المتعصب؛ لا يكتفي بالنقد اللاذِع وإنما يتعداه للتصفية الجسدية؛ وما نراه من إعدامات في واضحة النهار لعلماء الأمة ومفكريها خير دليل على ذلك...
وهذا النوع من النقاد يغيبون ديموقراطية الحوار؛ ويوسعون مساحة العقول المريضة التي تؤمن بالنقد الوحشي الدموي؛ الذين ينصبون أنفسهم شرطة الثقافة يُجيشون المعتقد الديني أو الطائفي ضد كل ما يرونه مخالفا لهم؛ إلى درجة اعتباره كفرا من وجهة نظرهم. ويتجلى هذا النوع من النقاد في المعجم الذي ينتقون منه مفرداتهم؛ من مثل الزنديق والعلماني والشيوعي... وهي مفردات راسخة في أذهانهم بل هي جزء من تركيبتهم الفيزيولوجية التي لا يمكن فصلها عن ذواتهم وعن كياناتهم ووجدانهم.
وللخروج من هذا المأزق المأساوي ينبغي الاشتغال سويا على ترسيخ ثقافة الحوار والاستماع إلى الآخر؛ وهذا النوع من الثقافة يحتاج إلى أسرة ناضجة متزنة نفسيا واجتماعيا؛ بالإضافة إلى منظومة تربوية سليمة تعطي للعقل مساحة واسعة في مناهجها التعليمية؛ لكي يصبح عندنا في مدارسنا عقول تعليمية قادرة على التحليل الدقيق للوضعيات وتفكيكها من أجل معرفة نواقصها ثم تعيد تركيبها وربط أجزائها بشكل محكم ومنظم؛ وفي ضوء هكذا ثقافة نكون قد حققنا الرهان الحقيقي الذين نتوخاه لأمتنا...
محمد يوب
ناقد أدبي
#محمد_يوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟