عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 21:52
المحور:
الادب والفن
طموح مرير قبل الولوج ...
تحضرني صورة أمي، و صورة الدراجة التي امتطيتها آخر مرة في طريقي إلى الثانوية، كما لم يغب عن ذهني كلمات التلاميذ المدينيين العنصرية وأنا أنتظر بتلهف ولوج القسم الداخلي لكي لا يسقط طموحي الدراسي في السراب. كنت في سن 11، يسكنني الخوف والرعب من الظلام. كم مرة طلبت من الأستاذ أن يستأذن لي بالذهاب لعلي أصل إلى الريف باكرا. في أحيان كثيرة كان يقبل، لكن الظلام كان يداهمني كوحش مارد، جيبي فارغ، الجوع ينهك كياني، والدروس أثقلت ذاكرتي، وخوف من مصير مجهول ...كنت أقطع الكيلومترات، أضغط على الدواسة، المرة تلو الأخرى معلقا أملي على ألا تسقط بي أو تثقب العجلات من طرف الأشواك المزروعة في الطريق. كان تحضرني الجنية التي اعترضت أصحاب الدراجات بالقرب من بئر "النكش" *، كان الدم يغلي في كياني وأعصابي تنهد عند استحضار جنية بأرجل ناقة، أو الجني الأسود صاحب العينين المفزعتين الذي أرقد جارتنا السعدية لشهور طويلة، تستغرق رحلتي ساعات مديدة، رجلاي ما عادتا قادرتين على الاستمرار في الضغط، ينهد جسمي و أسقط صريعا . أستجمع قواي، تجتاحني موجة من البكاء، الظلام يطوقني، أتحسس دراجتي، أجرها بين كتل من الدوم، بعد نفس من النشيج، يلتمع ضوء في البعيد، أفرح فرحة من خرج من كهف عميق ...هناك شمعة تنوس في ظلام فاحم يجتاح الريف . أصل إلى المنزل و أفتح الباب، أنظر إلى أمي فأجد فيها عزائي. منذ شهور كنت قد غادرت المدرسة القروية وطفت في ذاكرتي كركام من الأحجار، الآن بعد أن رحلت عنها صرت ضعيفا، أصل منهوكا ورأسي مثقل بالآلام والبؤس والجوع، وجسدي يرتعد من هول البرد. من قبل كنت أنا المحتفى به من قبل أساتذة مدرسته، والآن صرت الغير الغريب والمهجر والآتي من الأقاصي البعيدة، إنه "العوبي"** كما تلفظ تلميذ مديني عنصري هذه المسبة، أو من بلاد "الكرت" كما تقيأ تلميذ آخر . المدرسة المدينية كانت سجنا غريبا وموحشا ما فتىء يشيئني ويفتتني إلى قطعة أحاسيس تلوذ هاربة باحثة عن الخلاص في الريف البعيد حيث الصلاة والخشوع في حضرة الأم الطبيعة .
-------
* بئر تحيط به مرجة، يتموقع بخمسة كلم في الجنوب الغربي لمدينة بنسليمان / المغرب .
** تعني العروبي أو البدوي المتخلف والهمجي .
*** تعني بلاد الحجر ...في مقابل المدينة حيث الحضارة !!!
عبد الله عنتار/ واد زم - المغرب/ 30 أكتوبر 2015
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟