خليل صارم
الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 08:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان لابد من إخراج هذه المشاهد -( راجع ج1العدد1364 الحوار المتمدن )- في محاولة للولوج إلى الذهنية العربية خاصة ذهنية النظام السياسي العربي ومواليه لنتمكن من خلالها الإلمام الجيد بثقافة الموالاة وثقافة المعارضة الموروثة في ظل هذا النظام والتي سبق وحددنا أهم أسسها وهي( ثقافة الانتقام مقابل ثقافة القمع ) وعلى خلفيته التي باتت هي ثقافة الشارع العربي وبالتالي إتمام سبر المفاهيم التي ترتكز عليها الذهنية العربية عموما ( سلطة وموالاة ومعارضة ) إن وجدت معارضة
بالمستوى المطلوب فعلاً .
من حيث السلطة فان مجتمعاتنا لم تتعرف سوى على نوع واحد من السلطة الشمولية وإن لبست أزياء مختلفة ( خلافة – سلطنة – إمارة – ملكية _ جمهورية – رئاسية – ثورية ) وقبل ذلك سلطة المستعمر الأجنبي ,( وعلى ما يبدو أنها قد عادت مجددا هذه الأيام ) . كل هذه الأشكال مارست القمع والقسر والإرهاب بأسوأ أشكاله ولم تسمح بأي شكل من أشكال الحرية للمجتمع الذي بقي غائبا مغيبا مهمشاً يحكم من فوق بأوامر تصدر عن( فرد واحد وحيد أوحد يعطي ويحرم يمنح ويمنع يعفو ويعاقب يهادن ويحارب كل شيء يصدر بإسمه ويلغى بإسمه , ولا ظل إلا ظله) .!!! فصار كبير الآلهة يحكم بواسطة آلهة أصغر منه وعلى الجميع أن يسبحوا بحمده ,( أصاب أم أخطأ فهو مأجور فـــي الحالتين )..؟!! على رأي فقهائه *
هذه هي الثقافة التي أرساها النظام السياسي العربي منذ نشوئه وحتى الآن , لم تتغير ولم تتطور ولم يتعرف المجتمع على أي شكل حضاري من الثقافة أسوة ببقية مجتمعات العالم , إلا ما تسرب إليه منذ بضعة عقود فقط ورغم الرقابة الصارمة .
فالاستعمار العثماني سار على نفس النهج معتمدا على تراث النظام السياسي العربي وأضاف إلى التراث رؤيته الخاصة , بحيث سيطرت تماما على ثقافة المجتمع طيلة أربعة قرون وخرج تاركاً لنا عادات وإضافات حلت محل ما قبلها تداخلت مع المعتقد الديني وليست من الرسالة في شيء فأضافت لكل هذا الفكر ألظلامي المتشدد والمنحرف مزيداً من التخلف والانحراف والانحطاط.
أما الاستعمار الغربي فلم تطل مدة إقامته بالرغم من أنه حاول إرساء مفاهيم حضارية لشكل ونموذج الدولة لكن النظام العربي سرعان ما عاد إلى نهجه بزوال هذا الاستعمار الذي قسم المنطقة إلى دويلات تاركا على رأسها وكلاء له . أما المعارضة فلم تقم لها قائمة كون النظام قد عاد إلى سابق عهده وتراثه ينهل منه أسلوبه الخاص في الحكم فحرم أي صوت أو رأي آخر . بنفس الوقت فان القوى التي تشكلت كمعارضة عادت لما سبق لتغذي الشرائح التي تؤيدها بالحقد والأحقية بالاستيلاء على السلطة من تحت الطاولة بسبب القمع على الرغم من الشعارات التي رفعتها عن العدالة والاشتراكية ومصلحة الشعب لكنها وعندما وصلت إلى السلطة في النصف الثاني من القرن العشرين وبدلا من ترجمة شعاراتها على أرض الواقع دخلت في دوامة الانتقام ومطاردة القوى السابقة ثم انتقلت بعد ذلك لتكميم الأفواه ومطاردة كل من ينتقد أو يعارض حتى ولو كان من بين مؤيديها السابقين أو من قواعدها وكوادرها لتفرز بعد ذلك نخبتها الخاصة التي تحكمت بكل شيء وجيرت إمكانيات المجتمع لخدمتها متناسية كل شعاراتها التي انقلبت الى مجرد أكاذيب وتحولت السلطة الى عصابات قهر وقمع وابتزاز ونهب.
إذاً فإن المعارضة وتاريخها لدينا يؤكد أنها لم تؤسس لأية ثقافة أو أفكار وقواعد حضارية (عدا شرائح قليلة منها تجلت بأشخاص أو مجموعات مبعثرة بقيت محاصرة ومطاردة على مر القرون ) لكنها زرعت عنفا مقابل العنف فلم يترك
لها النظام الذي كان يقتل على النوايا أي خيار آخر . وتتابعت ثقافة القمع والانتقام والحقد التي تطورت أشكالاً وأساليباً من قبل الطرفين .
باختصار فان المعارضة اليوم في مجتمعاتنا ليست أكثر من رد فعل خال من المنهجية وتثقيف الشارع لأنها وبسبب الانتقام من عنف النظام وتعدياته قد عميت عن رؤية الواقع وعن إيجاد السبل السليمة للتوجه نحو تثقيف المجتمع وتلقينه كيفية فرز ما أدخله النظام من انحراف على ثقافته ومنظومته الأخلاقية , كما أنها لم تتمكن من تثقيف نفسها وتطويرها بحيث تواكب التطور الحضاري الطبيعي الذي يحصل من حولها , فكانت التطورات تفاجئها وتشلها وتقعدها عن الحركة ولم نراها تقدم نفسها للمجتمع كحامل حضاري ولم تطرح أمام المجتمع أي برنامج فكري , اقتصادي , سياسي تلزم نفسها به وتتبناه وجل ما طرحته أنها كررت الحديث عن أخطاء النظام التي يعرفها القاصي والداني وحتى أن النظام يعترف بها علناً ولا ينكرها في بعض الأحيان . لكننا في الوقت عينه لاننكر بروز مفكرين وفلاسفة أظهروا تفهماً عميقاًً ورؤية دقيقة للواقع ووضعوا الحلول الصحيحة لكن جهودهم كانت كصرخة في واد بسبب محاصرة النظام لهم ونقيق الموالاة الغبية ومعارضات ردة الفعل والثارات الشخصية والديكور الفارغ المضمون اضافة الى مايثيره الأصوليون المتخلفون من غبار يعطل الرؤية ويشوش عليها سببه الخوف من يقظة هذه المجتمعات مع ذلك فقد لقيت تأثيراً
مهماً نوعاً ما.؟ولكن وفق قاعدة النكاية .( اذا ً فقد تحالف النظام بكل بؤره وبكل إفرازاته وقيمه المنحرفة مع الاصولية الأكثر تخلفاً ضد أي بادرة وعي وتثقيف للمجتمع ولو كانت فردية) .
- بالرغم من أن بعض هذه المعارضة في ظروف سابقة مختلفة قد مالأت بعض أنواع الأنظمة وأظهرت التحالف معها تحت شعارات قومية أو اجتماعية. تقدمية
و ( طبقية ) ..الخ إلا أن هذه الأنظمة لم تمنحها ثقتها وبقيت تتعامل معها بحذر وتوجس في الوقت الذي كانت فيه هذه الأنظمة تحاول التحالف مع القوى الظلامية وتلبي طلباتها سراً وعلناً وتمنحها هامشا من الحرية لم تحصل عليه القوى التقدمية والحضارية والليبرالية حتى الآن . ذلك أن القوى الظلامية وبزعم الدفاع عن الدين وبسبب تخلف المجتمع القسري بقيت قادرة على تعبئة بعض الشرائح بشكل أعمى بمواجهة القوى التحررية تحت ستار حماية الدين من الكفر والإلحاد والارتداد كما تفعل الآن بمواجهة قوى العلمانية والديمقراطية . خاصة وان هذه القوى الظلامية كانت وربما ما تزال تحظى بتغطية ودعم لا محدود من القوى الخارجية وعلى رأسها النظام الأمريكي , فطيلة ما أتفق على تسميته بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي استعملت القوى الظلامية ( تحت أسماء إسلامية شتى ) ككلب حراسة شرس بيد النظام الأمريكي يشهرها بوجه أي من بؤر النظام السياسي العربي التي ترغب بالإنعتاق من السيطرة , والتحرر من الوصاية . للتوجه وطنياً بما فيه مصلحة مجتمعاتها . تحت عناوين ومزاعم الوقوف في وجه المد ( الشيوعي ) وحماية المجتمع من الكفر والإلحاد . وهي الآن تنبح العلمانية بنفس الأسلوب ؟!!.فقد ثبت وبعد الخوض في فكرها ومرتكزاته أنها هي الملحدة فعلاً ولاعلاقة لها بالدين الذي تزعم الدفاع عنه وفرضت وصايتها عليه وأكثر من ذلك أنها هي من يشهر عوامل هدم الدين وتخريبه ففكرها قد قضى على كافة الجوانب الايجابية الأخلاقية الانسانية التي يتوجب أن تميز الدين .وأن القوى التي كانت القوى المتخلفة دينياً تتهمها بالكفر والالحاد . ثبت أنها هي المؤمنة كونها تحتفظ بالجوانب الانسانية الأخلاقية وكل مافيه خير المجتمع . والواضح أن المعسكر الغربي وعلى رأسه النظام الأمريكي كان يعد هذه القوى بإيصالها إلى السلطة دون أن يحقق لها ذلك بالفعل , مع ذلك فإن المعسكر الغربي قد تمكن من إيجاد وخلق حالة من التنسيق بين هذه القوى الظلامية وبين البؤر الأوتوقراطية في النظام السياسي العربي للوقوف بوجه قوى التحرر والحداثة داخل المجتمع وخارجه فكانت هذه القوى تنفذ ما يخجل النظام السياسي العربي وحتى الأمريكي من تنفيذه , من تكفير وتصفيات جسدية واغتيالات لنخب المجتمع وقياداته التحررية وخبراته الاقتصادية والمهنية والسياسية مفرملة حركة المجتمع سنوات طويلة بسبب خسارته لنخبه المتنورة , ولما كان النظام السياسي العربي بحاجة ماسة لإرضاء النظام الأمريكي فقد عمل على إبقاء نوع من العلاقة بينه وبين القوى الظلامية وعدم المساس بها أو إزعاجها سيما وأنها كانت تقدم خدمات جلى للمعسكر الغربي بما فيه إسرائيل .وهذا أمر مؤكد ونستغرب أن يعترف بها الآن كقوى معارضة!! .(فأية معارضة هذه .؟ هل هي تجمع قوى محض لايربط بينها أي انسجام فكري وحتى أخلاقي ؟؟ هذا مؤكد والهدف هو السلطة فحسب بغض النظر عن مصلحة المجتمع .. وهذا مايؤكد عدم الصدقية ونفاق مثل هذه المعارضة التي سيكون ناتجها تقسيم المجتمع وتشظيته ودفعه باتجاه الصدام ).
ونتيجة لضيق أفق النظام السياسي العربي وقصر نظره ظن في نفسه أنه قد أرضى أمريكا بذلك ناسيا عن عمد أو عن غباء أن مصالحها هي التي تحكم علاقاتها وأن الأولوية عندها في كل شيء لإسرائيل .
والواضح الآن أنه وبعد أن انتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربي بدأت أمريكا بالتخلي عن القوى المتخلفة الظلامية ( كلب الحراسة ) هذا بعد أن انتهت مدة صلاحيتها ومعها الكثير من بؤر النظام السياسي العربي وذلك لإيجاد كلاب حراسة جديدة وبديلة تتقن النباح وقراءة السيمفونية الجديدة . مستدرجة القوى العلمانية الديمقراطية نحو فخ معد لها كون النظام الأمريكي يرفض حقيقة ً أي توجه علماني ديمقراطي سليم وحقيقي في المنطقة .
يتبع .
#خليل_صارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟