|
هل ينجلي ليل الرمادي؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 15:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد التقدم الذي أحرزته القوات العراقية في الرمادي وبدعم من مقاتلي العشائر وإسناد من قوات التحالف الدولي، بات من المرجّح إن تنظيم «داعش» فقد زمام المبادرة، ولم يعد بمقدوره بسبب الخسائر الكبيرة التي مُني بها أن يحقق مفاجأة كبيرة تقلب موازين القوى في المعارك الدائرة، والتي قد تستمر بضعة أيام وحتى أسابيع على الرغم من تقهقر تنظيم «داعش». بعض الجيوب والألغام والدروع البشرية قد تحول دون الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية في الرمادي وتحريرها كلّية، ليس هذا فحسب، بل إن فشل الهجوم الكبير الذي قام به تنظيم «داعش» مؤخراً في إقليم كردستان والذي تم إحباطه من جانب قوات البيشمركة الكردية والإسناد الأمريكي الملحوظ، أربك خطط التنظيم وجعله في وضع لا يُحسد عليه. لكن هل سيكون تحرير الرمادي مفتاح الاستقرار في العراق أم أن تجربة محافظة صلاح الدين ستتكرر وأن الانقسام الطائفي والسياسي سيزداد وتيرة؟ يبدو أن الصورة على تشوّشها وضبابيتها. إلا أن التطورات الأخيرة تساعد في قراءة أولية بحكم الاستقطابات الجديدة التي حصلت فيها. وينقسم الموقف إلى قسمين متعارضين: الأول الذي تمثله بعض قيادات السنّية السياسية، سواء المشاركة بالعملية السياسية أو المعارضة لها ويحظى بمشاركة رؤساء عشائر الأنبار بشكل عام وبدعم واشنطن، وهذا الموقف لا يريد إعطاء أي دور للحشد الشعبي الذي يمثله القسم الثاني المدعوم من إيران ومن التحالف الوطني الشيعي الحاكم والذي قطف ثمار تحرير محافظة صلاح الدين ومدينة تكريت تحديداً، تلك التي أسهمت فيها بشكل فعّال قوات التحالف الدولي وضرباته الجوّية. وبسبب هذا الانقسام نشب خلاف بين قوات التحالف الدولي الذي تؤيده أغلبية العشائر السنّية، وقوات الحشد الشعبي المدعوم من عشائر سنية أيضاً والذي كان يُراد إبعاده عن المشاركة في عملية تحرير الرمادي. وكانت واشنطن قد أبرمت اتفاقات وتفاهمات مع ما يطلق عليه السنّية السياسية وبعض رؤساء عشائر الأنبار، وذلك بدعوة هؤلاء إلى لقاءات خاصة بمعزل عن بغداد، بل بمعارضة منها، وذلك تحت عنوان تكوين تصوّر عن الكيفية التي يمكن المشاركة فيها لإدارة محافظة الأنبار. وكانت قد ارتفعت في أوساط السنّية السياسية دعوات إلى إقامة الإقليم السنّي الذي يشمل المناطق المحرّرة والتي قد تمتد إلى الموصل بعد تحريرها، لكن الأمر لا يزال من جانب واشنطن لم يحسم، علماً بأنها لا تعارض الفكرة التي كان الكونغرس الأمريكي قد اتخذ قراراً بشأنها بتأييد مشروع جو بايدن لإقامة ثلاثة أقاليم في العراق ووضع نقاط تفتيش عند حدود كل منها وإصدار هوّيات خاصة، اقرب إلى «باسبورتات» وتشكيل قوة تفصل بين الحدود مؤلفة من 300 ألف عسكري مع تخصيص مليار دولار لتنفيذ المشروع الذي أقرّ في عام 2007. قد تنشأ معادلات سياسية جديدة بعد تحرير الرمادي، علماً بأنه حسب المصادر الأمريكية، فإن «داعش» خسر نحو 90% من قدراته وموارده النفطية، وإن نحو 40% من الأراضي التي احتلها بعد سيطرته على الموصل في 10 يونيو/حزيران عام 2014 قد فقدها. ومع ذلك فلا يزال بحوزته الموصل والشرقاط والحويجة ومناطق من محافظة الأنبار. العراق حتى الآن لا يزال في عنق الزجاجة، سواء تحرّرت الرمادي أو امتدّ التحرير إلى الموصل، طالما يعاني أزمة اقتصادية خانقة، تعود أسبابها إلى انخفاض أسعار النفط بصورة رئيسية خلال عام 2015، إضافة إلى استمرار تفشي الفساد المالي والإداري وهدر المال العام واستمرار ظاهرة الإرهاب والعنف، إضافة إلى نظام المحاصصة الطائفية والإثنية وغياب الوحدة والمعالجة الوطنية الحقيقية، فضلاً عن التوجه بتخصيصات هائلة للمعركة مع «داعش» خصوصاً أن الخزينة خاوية. لقد كان عام 2015 عاماً أسود على العراق، وهو استمرار للعام الذي سبقه، ولم يتمكن فيه العراق من إنجاز مشروع الإصلاح الذي وعد به رئيس الوزراء حيدر العبادي، لأسباب موضوعية، أو لأسباب ذاتية، خصوصاً أن الأغلبية الساحقة من القوى السياسية المشاركة في الحكم أو في العملية السياسية وقفت بشكل أو بآخر ضد الإصلاح أو شكّكت فيه أو في إمكانية نجاحه، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنها جميعها، وخصوصاً قوى الشيعية السياسية المتنفذة في الدولة مسؤولة عنه، ولهذا لا تريد أن يطولها أو يؤثر في مصالحها وامتيازاتها التي حصلت عليها. حاولت واشنطن أن تكثف ضرباتها خلال الشهرين الماضيين ضد تنظيم «داعش» في العراق، والذي يمكن أن تتوّج بتحرير الرمادي، والهدف إرسال عدّة رسائل إلى الفاعلين السياسيين في العراق أو إلى اللاعبين الإقليميين: الرسالة الأولى- تريد الولايات المتحدة القول إن الدور الأكبر في تحقيق الإنجازات العسكرية يعود إليها وإلى ضربات قوات التحالف الدولي، وليس إلى قوات الحشد الشعبي أو الجيش العراقي، كما جرى تصويره عند تحرير تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين. الرسالة الثانية - قصدت واشنطن من تحقيق نصر يحتاج إليه العراق وتحتاج إليه هي أيضاً، إلى تأكيد أن الرهان ينبغي أن يكون عليها وعلى التحالف الدولي، وأنها القوة الأولى في العراق وهي ترتبط معه باتفاقية الإطار الاستراتيجي، وليس على التعاون الرباعي، والمقصود اتفاق الخلية الأمنية حسب تعبير العبادي بين العراق وإيران وروسيا وسوريا. وكان الأمريكان قد طلبوا منه عدم دعوة الروس لتوجيه ضربات جوية لتنظيم «داعش»، واستجاب لما أرادوا. الرسالة الثالثة - أرادت من خلالها واشنطن أن تعيد إلى الأذهان نفوذها الفعلي في العراق، على الرغم من النفوذ الإيراني، وذلك عندما قرّرت قبل يوم واحد من معركة تحرير الرمادي، إرسال قوات خاصة ذات مهمات خاصة إلى العراق، وقالت إن هذه القواعد بموافقة الحكومة العراقية. وعلى الرغم من الخلافات العميقة بين واشنطن والحشد الشعبي الذي شكك بنواياها إزاء الحرب ضد «داعش»، فإن القوات الأمريكية الخاصة دخلت العراق غير مكترثة لتحفظات قوات الحشد الشعبي التي تصل حسب بعض المسؤولين في التحالف الوطني الشيعي (الحاكم) إلى اتهامات بضعف أداء قوات التحالف الدولي (الذي يضم نحو 60 دولة)، وكذلك عدم تنفيذ التزاماتها ووعودها لحكومة بغداد الاتحادية، سواء بخصوص التسليح أو التدريب، في حين هي تهتم بشكل متميّز ومتحيّز بقوات البيشمركة الكردية، وتحاول تسليح العشائر السنّية لدفعها لمحاربة «داعش»، وإن كان هذا التسليح، هو الآخر، محدوداً حتى الآن. الرسالة الرابعة - لفت نظر إيران وروسيا إلى أن العراق هو منطقة نفوذ حيوية لواشنطن، بل هو لن يكون خارج دائرتها، ولعلّ معركة تحرير الرمادي ستوجّه الأنظار صوب «داعش»، وستسهم في تخفيف حدّة التوتر مع تركيا التي تحتاج إلى تهدئة، علماً بأن ردود فعل واشنطن كانت سلبية إزاء اجتياح القوات التركية للأراضي العراقية، على الرغم من مناشدة بغداد وشكواها لدى مجلس الأمن للضغط عليها لسحب قواتها. إن ليل الرمادي الطويل مثلما هو ليل العراق ككل لن ينجلي دون إعادة الأمن والأمان والاستقرار وعودة المهجرين والمهاجرين إلى ديارهم، وتعمير مدنهم وقراهم التي حلّ بها الخراب والدمار والقتل والتكفير، وذلك يحتاج إلى معالجات طويلة الأمد، ليس بخصوص الحرب الضروس ضد «داعش»، بل للأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والثقافية والتربوية التي كانت وراء مثل هذه الظاهرة الخطرة. [email protected]
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي
-
هل القضاء على التطرف بات مستعصياً؟
-
فكر التطرّف والتكفير : عالم على الحافة
-
هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟
-
رسائل الاجتياح التركي
-
هل المجتمع المدني ضد الدولة؟
-
فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان
-
الفيدرالية والأقاليم: معنًى ومبنًى
-
آرا خاجادور وزيارة التاريخ!!
-
هل سيبقى العراق موحداً؟
-
العراق.. من الدولة الفاشلة إلى الكيان الهش
-
ماذا يريد البرلمان العراقي.. وماذا يريد العبادي؟
-
وماذا عن التجارة غير المشروعة ؟
-
دستور وعقول وأقلام
-
محمود البياتي: سنّارة الحلم والذاكرة التي تأكلنا!
-
الأزمة العراقية والسيناريوهات المحتملة
-
من سيحسم معارك الأنبار وصلاح الدين : واشنطن أم موسكو؟
-
جائزة نوبل والمجتمع المدني
-
«الجنائية الدولية».. تغوّل السياسة على القضاء أم ماذا؟
-
العراق و شعار الدولة المدنية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|