|
الثقافة والطائرات
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 07:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصبحت الثقافة الشعبية أكثر السلع الأمريكية تصديرا بعد الطائرات . الأفلام الأمريكية والمسلسلات ، وأقراص الموسيقى المدمجة تشكل 40 % من السوق العالمية ، وربع سوق التلفزيون العالمي . ويكفي أن تعلم أن 80% من تذاكر دور العرض في العالم تعود لأمريكا ، وبذلك أمست هذه الثقافة مصدرا هاما من مصادر الدخل القومي الأمريكي . هذه الأرباح الهائلة ، تجعل أمريكا تصر على اعتبار أن الثقافة سلعة وتتشبث بعولمتها . وكانت منظمة اليونسكو قد أعلنت ما يسمى بالعقد الثقافي ( 1988- 1997 ) عكفت خلاله على دراسة قضية " التنوع والخصوصية الثقافية ". وفي اجتماع المنظمة عام 2001 أعادت اليونسكو تأكيدها على أن التنوع الثقافي يشكل أحد أهم مصادر التنمية ، كما رفضت رفضا قاطعا نظرية صدام الحضارات والثقافات . وعام 2002 ثبتت المنظمة تصورها ذلك بموافقة أغلبية الدول . وفي 2003 أصدرت المنظمة تقريرا ضخما بعنوان " تنوعنا الخلاق في الثقافة والتنمية " ليكون بمثابة إعلان عالمي ملزم للدول الأعضاء كلها ، وملزم - وهو الأهم والأخطر - للمنظمة العالمية للتجارة بحيث تقوم بتعديل قوانينها التي تتعامل مع الثقافة باعتبارها سلعة ، بحيث لا تتعارض تلك القوانين مع الإعلان العالمي والمعاهدة الثقافية . وفي 20 أكتوبر الحالي تم التصديق على المعاهدة التي عكفت اليونسكو على إعدادها سنوات طويلة ، ولم يرفض المعاهدة سوى أمريكا وإسرائيل ! . وتشير الاتفاقية إلي : " الاعتراف بخصوصية السلع والخدمات الثقافية " ، و : " حماية أشكال التعبير الوطني " ، " إقرار حق الدول في انتهاج السياسات الثقافية التي تحددها لنفسها " ، وأيضا : " حماية المنتج الثقافي " ، وكذلك : " أن الأنشطة والسلع الثقافية تتسم بطبيعة مزدوجة اقتصادية وثقافية " . وفي مادتها الأولى تشير الاتفاقية إلي : " حق الدول السيادي في تبني وتطبيق السياسات والإجراءات التي تراها مناسبة لحماية التنوع الثقافي والارتقاء به على أراضيها " ، أما المادة رقم 20 التي أثارت جدلا واسعا فتنص على : " أن للاتفاقية القيمة ذاتها التي لاتفاقية منظمة التجارة العالمية " . وباختصار فإن اتفاقية اليونسكو تحرر الثقافة من النظرة الأمريكية إليها بصفتها مجرد سلعة . وقد تمكنت اليونسكو من القيام بتلك الخطوة نظرا لأن أمريكا لا تتمتع بحق النقض في مؤسسات الأمم المتحدة ( خلافا لمجلس الأمن ) ومن ثم فإن موقفها ليس حاسما . أما أمريكا التي انسحبت من منظمة اليونسكو عام 84 عهد إدارة الرئيس ريجان وعادت إليها فقط عام 2003بعد قطيعة استمرت 19 عاما ، فقد رأت في الاتفاقية خطرا على الهيمنة الثقافية الأمريكية ، وصرحت كوندوليزا رايس بأنه من الممكن إساءة استخدام بنود تلك الاتفاقية لتقييد حرية التجارة ، وأعربت صراحة عن خشيتها من أن تضر الاتفاقية بصناعة السينما والموسيقى الأمريكية . وبرر مسئول أمريكي آخر رفض الاتفاقية بقوله إن بها من البنود ما يمكن استغلاله لوضع الحواجز التجارية باسم " التنوع الثقافي " ، وأن ذلك سيسبب أضرارا بالغة بحرية التجارة . علما بأن الاتحاد الأوروبي كان قد رفض من قبل إخضاع المنتجات الثقافية لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية ، على أساس أن تلك المنتجات ذات طابع إنساني لا يمكن التعامل معها وفق اعتبارات الربح والخسارة التي تحكم العلاقات التجارية . إن الرفض الأمريكي – الإسرائيلي للاتفاقية يوضح العداء الأمريكي للتنوع الثقافي ، ومعاداة مختلف أشكال التعبير الثقافي الأخرى . ويذكر ذلك بانسحاب أمريكا من مؤتمر ديربان بجنوب أفريقيا لإصرار المؤتمر على إدانة الصهيونية ، ورفضها تجديد عضويتها في لجنة حقوق الإنسان عام 2001 ، وانسحابها من اليونسكو عام 1984 . ولا تشكل الهيمنة الاستعمارية الأمريكية خطرا على الثقافة فحسب ، بل وعلى البيئة أيضا فقد سبق لأمريكا أن رفضت توقيع اتفاق " كيوتو " عام 1997 الذي يهدف للحد من الغازات التي تتسبب في رفع درجة حرارة الأرض ، رغم أن أمريكا هي أكبر مصدر للتلوث في العالم ، كما رفضت أمريكا نتائج مؤتمر " قمة الأرض " عام 2002 ، وأعلنت أنها لا تعترف بتحديد أهداف ملزمة بمكافحة الفقر والتلوث في العالم . إن أمريكا لا تعترف إلا بالطائرات التي تشن بها حروبها على العراق وأفغانستان وتهدد بها سوريا وإيران وكوريا وغيرها ، ولا تعترف بثقافة إلا في حدود أنها سلعة ، ولا تعترف بأهمية حماية البيئة والمياه من التلوث ، فهي لا تعترف بشئ سوى صناعة الطائرات والقنابل ، والمسلسلات والأفلام المشبعة بالعنف والجريمة ، وهي في الحالتين تقاتل دفاعا عن حقيقة مؤلمة وهي أن عشرين بالمئة من سكان العالم يحصلون على ثمانين بالمئة من الدخل العالمي . في وقت ما ، وقف العالم كله في جبهة واحدة يتصدى للنازية الألمانية باعتبارها خطرا مشتركا على العالم أجمع ، وقد أصبحت أمريكا تشكل خطرا مماثلا .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
-
اللحظة الحرجة
-
علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
-
هي وأخواتها علماء العراق
-
الرواية اليوم
-
الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
-
الثورة مع الاستعمار
-
فاجعة مسرح بني سويف
-
نجم .. من الذاكرة !
-
جغرافيا الفكر والثقافة
-
رواية الصحن لسميحة خريس
-
أقلام وأوراق
-
جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
-
كنت في شرم الشيخ
-
هذه الرواية - نادي القتال
-
الفساد جملة واحدة مستمرة
-
الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
-
أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
-
الرقابة والثقافة في مصر
-
مسيحيون من أجل القرآن
المزيد.....
-
بعد إعلان حالة التأهب القصوى.. لماذا تشعر اليابان بالقلق من
...
-
-روتانا- تحذف أغنيتي شيرين الجديدتين من قناتها الجديدة على ي
...
-
منطقة حدودية روسية ثانية تعلن حالة الطوارئ مع استمرار تقدم ا
...
-
كييف تتحدث عن تقدم قواتها في كورسك وموسكو تعلن التصدي لها
-
هاري كين يكشف عن هدفه الأبرز مع بايرن ميونيخ
-
منتدى -الجيش - 2024-.. روسيا تكشف عن زورق انتحاري بحري جديد
...
-
وزير تونسي سابق: غياب اتحاد مغاربي يفتح الباب للتدخلات الأجن
...
-
أيتام غزة.. مصير مجهول بانتظار الآلاف
-
سيناتور روسي يؤكد أن بايدن اعترف بتورط واشنطن في هجوم كورسك
...
-
حصيلة جديدة لعدد المعاقين في صفوف القوات الإسرائيلية جراء حر
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|