في مسلسل نزار قباني حضرت السياسة والأيديولوجيا , وغاب الشعر والنقد

كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 07:55
المحور: الادب والفن
    

مطلع عام 1983 قرأت زاوية في صفحة تشرين الأخيرة تعليقا على نزارقباني ,بقلم الصحفي قمر الزمان علوش مفادها : تم تكليف السيد قمر الزمان باجراء مقابلة صحفية مع نزار قباني , وحدد الزمان والمكان له في فندق الميرديان بدمشق . وعلى ذمة الصحفي استقبلته روائح واطاييب وعطور نزار قبل أن يصل الى طاولته , وعندما قدم نفسه تغيرت ملامح وسحنة نزار واكفهر وجهه , فقد كان يمني نفسه على مايبدو بلقاء مع صحفية تشبه اسمها . حورية من أساطير ألف ليلة وليلة , فاذا بالمكلف باللقاء صحفيا ذكرا قصير القامة غليظ الشفتين . وبسبب تلك المفارقة لم يتمكن الصحفي من اجراء المقابلة مع الشاعر .
قفزت تلك الخاطرة الى مخيلتي عندما قرأت الاعلان عن مسلسل نزار قباني وعرضه طيلة ايام شهر رمضان على شاشتنا الوطنية وهو من سناريو وحوار قمر الزمان علوش , و قلت لاشك سيكون هناك نقد عميق وشيق لشخصية نزار بناء على تلك الخاطرة ,( اذا اضفت الى ذلك حبي الكبير للمطرب عبد الحليم حافظ ونزار قباني مع أنني خريج مدرسة اليسار العربي الذي تربى على كرهما كونهما رمزا البرجوازية العربية المنحطة )كل ذلك شجعني على متابعة المسلسل على غير عادتي . ومع أنني لست ضليعا بمدارس الشعر قديمها أو حديثها ولا تستهويني كالقصة والرواية والمسرح , الا أن لي مقياسي الخاص بالشعر وهو الموسيقى فيه . وبناء على هذا المقياس فانني أعتبر نزار قباني اكبر شاعر في الوجود العربي وغير العربي . هو لايغرف من بحر ويغرد كبلبل في الشعر فقط , بل كل كلماته شعرا او نثرا او مقالات او حديثا عاديا تنز منها الموسيقى . من هنا كان حبي لنزار ومتابعتي له في كل مايقول او يكتب , وقد أورثني ذلك متاعب كثيرة اذكر واحدة منها .
في عام 1985 كنا في سجن تدمر العسكري حوالي ستين شيوعيا في مهجع المستوصف , وكا ن وضعنا مميزا داخل السجن , وقد أفلحت مطالبتنا المتكررة في اقناع مديره بالسماح لنا استعارة بعض الكتب من مكتبة السجن , أخيرا أرسل لنا لائحة بأسماء بعض الكتب ومعها عشرون استمارة , كل استمارة يجب ان يوقع عليها ثلاثة موقوفين متفقين على طلب كتاب واحد يكونون مسؤولين عنه ويتحملون تغريم تلفه , كانت القائمة غنية ومتنوعة , ادبية ونظرية واقتصادية , وقعت عيناي على دواوين نزار الأولى في مجلد واحد . لم يقبل احد ان يضع اسمه بجانب اسمي سوى اكبرنا سنا – المرحوم سالم قداح – نكاية بذلك العقل المتطرف أكثر منه حبا بالشاعر نزار . لابل بدأت حملة لثنيي عن ذلك كي لااحرم المهجع من كتاب فكري يغذي عقولهم ولما فشلوا في ذلك انهالت علي التهكمات علنا من بعضهم , تستغرب كيف يصل امثالي من المائعين لقيادة حزب ثوري كحزب العمل الشيوعي .
.................................
ومع أنني استمتعت بمتابعة حلقات المسلسل جميعها , لكن خيبتي كانت كبيرة لأنه لم يكتب بطريقة زاوية قوس قزح السابقة , لأسباب استطيع تقديرها . ترى ما الفائدة من كتابة التاريخ السياسي الحديث لسوريا بحجة الكتابة عن الشاعر نزارقباني , وماذا اضاف لنا المسلسل في هذا الجانب عن بقية المسلسلات السورية مثل مسلسل اخوة التراب وخان الحرير ومسلسلات عديدة غيرها , توقعت أن يكون العصر شاهد على شعر نزار بدلا من ان يؤخذ كذريعة لشحن الهمم من اجل النضال ضد الأمبرياية والصهيونية والرجعية . على مايبدو ان ذلك ضروريا للقيادة السياسية التي تتعرض لهجوم خارجي هذه الأيام , ولذلك التكرار يفيد هنا حتي يتعلم الحمار . ولو انسجم الكاتب والمخرج لأبرزا قصيدة نزار – الحب والبترول - التي تهجو مشايخ النفط . كما ابرزا قصيدة – خبز وحشيش وقمر- لكن الغاية عندهما تبرر الوسيلة , والغاية هي توجيه الضربة نحو التناقض الرئيسي بيننا وبين العدو الخارجي, من اجل ذلك لم يهتم المسلسل سوى بشعر نزار الوطني وبمواقفه الدبلوماسية المؤيدة للحق العربي وبدعمه اللامحدود لقيادة حركة التحرر العربية . عبد الناصر وحافظ الأسد وأحمد حسن البكر . هكذا جاء المسلسل ليبرز نزار الشاعر الوطني المتصوف بحب تراب وطنه لدرجة العبادة . ا
أما عن نزار ونرجسيته وعبادة ذاته التي خصها الدكتور خرستو نجم بكتاب نقدي قيم بعنوان – النرجسية في شعر نزار قباني , فلا تستحق أي ذكر لها .
كنت اتوقع أن يكون محور المعالجة الرئيسي في المسلسل هو موقف نزار من تحرر المراة فهو معروف كشاعر عربي بأنه - شاعر المراة - ومع ان معالجة ذلك اخذت في المسلسل المرتبة الثانية بعد مرتبة النضال الوطني . الا ان المعالجة كانت بائسة الى ابعد الحدود وموجهة ايضا كالعادة , لم يهتم المسلسل بتناقضات نزار التي تفضحه قصائده بها , على سبيل المثال لا الحصر
فصلت من جلد النساء عباءة وبنيت أهراما ما من الحلمات
................


مطر مطر وصديقتها معها ولتشرين نواح
..............
عبثا جهودك ... بي الغريزة مطفأة
اني شبعتك جيفة متقيئة .
الأنكى من ذلك أن يصور نزار في كل علاقاته النسائية وكان الدافع لها هو الحب والعاطفة بعيدا عن الشهوة . واذا كان له من اخطاء فقد ندم عليها كما تدل الاشارة العابرة والوحيدة في المسلسل على لسانه في قصيدة ( حبلى ) والذي اعترف بها انه أبا نذلا ,
لكن من سيصدقهم في ما قالوا عن نزار , فنزار شهواني جنسي بامتياز وعلاقته مع المراة تبدأ من هذا الجانب ,وقصائده كلها تشي بذلك .
سبحان من شقها كما تشق الفستقة
............
صار عمري خمس عشرة صرت احلى ألف مرة
والذي كان سويا قد تدور , فتصور
..............
بدراهمي بدراهمي لا بالحديث الناعم

لقد جهد المسلسل ليقدم لنا حبه الصادق لزوجته الأخيرة بلقيس , مع ان خاطرة قمر الزمان تظهره على حقيقته , فبعد اقل من عامين على وفاتها , وبعد ان تجاوز الستين . لم يستطع ان ينوازن ليجري مقابلة صحفية , لأن من يعد المقابلة ذكرا, في حين كان ان يتوقع ان تكون انثى.
هنا نزار الحقيقي بشحمه ولحمه .
العاطفة والشهوة . الحب والجنس , اين يلتقيان واين يفترقان ؟ ممنوع علينا في الشرق معالجتهما بشكل علمي . محرم , تابو . اذا اراد الكاتب والمخرج أن يظفرا بصفقة مالية كبيرة من مؤسسة دولة اعلامها موجه , عليهما الابتعاد عن ذلك . لكن ملامسة لهذا الموضوع ظهرت في المسلسل ربما وبدون معرفة وارادة الكاتب والمخرج معا .
عبثا ذهبت محاولة نزار في المسلسل لاقناع زوجته بانه شاعر , والشاعر نصفه خرافي ونصفه واقعي كما يدعي . كان السبب الحقيقي للطلاق ان زوجة نزار كأي امرأة شرقية شريفة لا تقبل على نفسها تلك العلاقة المفضوحة لزوجها مع نساء اخريات , فاختارت الطلاق رغم حبها له .
المشكلة هنا ليست مع نزار كشاعر فقط بل مع كل انسان وفي كل زمان ومكان . اسال أي رجل عامي متزوج مضى على زواجه اكثر من عشر سنوات فسيبرر لك علاقته الجنسية خارج المؤسسة الزوجية , بان اللحم يتآخى بين الزوج والزوجة ويستحيلان الى اخوين وتفتر العلاقة الجنسية بينهما , في حين قد يكونا في قمة التوافق والانسجام مع بعضهما , والمشكلة هنا بان المؤسسة العائلية في الشرق تتساهل مع الرجل في علاقاته الجنسية خارج المؤسسة الزوجية وتفرض اشد العقوبات بحق أي انثى تفعل ذلك كما يفعل الرجل .
ترى أيهما أكثر خدمة للحقيقة والوطن والانسانية :
معالجة نزار كشاعر وانسان ,وتناقضاته الشعرية والسلوكية مع المرأة
أم معالجته بالطريقة السابقة ؟!
متى يتخلص التلفزيون السوري من خطابه السياسي الخشبي الموجه وينفض عنه غبار الأيديولوجيا والشعارات ويلتحق بركب العصر ؟
كامل ابراهيم عباس – اللاذقية – 3 /10/ 2005

#كامل_عباس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات