|
الأرض السورية تقاتل
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5028 - 2015 / 12 / 29 - 12:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" إن الجغرافيا هي إحدى حقائق التاريخ ــ هيغل ــ "
كشفت الحرب السورية ، بعواملها وأبعادها ، الداخلية ، والخارجية ، عن حقائق هامة ، يندر أن تتحقق مجتمعة في حرب واحدة ومكان واحد ، في حروب أخرى . وهذه الحقائق تتضمن ، داخلياً ، الصراعات حول السلطة ، وحول توزيع فائض القيمة ، ومستوى المعيشة . كما تتضمن ، خارجياً ، عمليات التدخل والاجتياح والاحتلال ، التي تشترك فيها جيوش مموهة بأشكال مجموعات إرهابية مسلحة ، معظمها من دول مجاورة أو مستجلبة من بلدان بعيدة في قارات العالم ، مدعومة إقليمياً ودولياً رجعية واستعمارية ، مالاً وسلاحاً ورجالاً وإعلاماً ، وأفكاراً مذهبية متطرفة متعصبة .
وحقيقة الحقائق هي الرابط الشاذ الوثيق ، الذي يجمع بعض الداخل والخارج المعادي في حرب واحدة للسيطرة على الدولة .. وعلى الأرض . فقوى الداخل المعارضة المسلحة ترمي الوصول إلى السلطة .. " الدولة " .. وقوى الخارج التي تمثلها الجماعات المسلحة ، ترمي إلى السيطرة على الدولة .. " الأرض " .. وتبرز الأرض .. الجغرافيا السياسية السورية لدى الجميع هدفاً ، لابد من الفوز به ، للتمكن من دحر الآخر ، وهنا يتجلى دور الأرض المتميزة السياسي ، في الصراعات والمتغيرات السياسية الدولية .. وفي صنع التاريخ . وبالمعنى السوري .. في الحرب السورية .. إن الأرض تلعب دوراً مقاتلاً أيضاً .. في تقرير مصير الحرب .. وفصل من فصول التاريخ . ولذلك ليس من التكرار ، أو المبالغة ، أن يقال أن السبب الرئيس للحرب السورية ، فيها وعليها ، هو الأرض ، وما في باطنها . أي الاشتباك مع الأرض لنهب ثرواتها المخزونة والمنتجة بعرق وجهود شعبها .
وفي حال تفاقم واحتدام الصراعات الدولية حول الجغرافيا السياسية .. أي الأرض .. يزداد دور ووحدة الشعب في الذود عن الأرض وحماية الوجود . وفي حال فشل هذا الدور ، تتمكن الدول المعتدية من إحكام سيطرتها على الأرض ، وتحويل الشعب إلى كتل مهاجرة ، أو مقيمة مستعبدة تحت الهيمنة . ويصبح ابن الأرض غريباً فيها . وتكف الأرض عن التفاعل مع محيطها .. وشمسها .. وهوائها كما في السابق .. كما يحصل بعد الزلازل الكبرى . وتكبر المأساة .. الأرض تحت الاحتلال يعني أن الشعب .. أو من بقي من الشعب .. هو مهان ومستعبد .
ولا غلو بالقول ، أن الإنسان والأرض جسد واحد . يوحدهما عدد من المكونات المشتركة في بنية الجسد والتفاعل بآليات وحواس كونية . يعبر عن ذلك الكثير من معطيات علم الفلك وعلم الفضاء . وعلوم أخرى . وهناك مثال بسيط جداً ، إن الإنسان الذي يعيش في الغربة ، يحس بحنين لا يوصف للمكان الذي ولد وترعرع فيه ، وعند عودته للوطن أول شيء يقوم به هو تقبيل الأرض واستنشاق عبق أديمها ، وإن قارب الموت ولم يعد له فرصة للعودة ، يوصي برجاء أن يدفن إلى جوار أبيه وجده في وطنه .
الحقيقة المرة ، أن الأرض في زمن الحرب ، تصبح الضحية الأولى .. تصبح هدفاً للقوى المتحاربة ، وتتحول إلى طرف في الحرب . إذ بقدر اكتساب أو خسارة الأرض ، وما عليها من عمران وقيم مادية ، تقاس نسبة الربح والخسارة . وكل طرف يقدر حجم قواه ، بقدر مساحة ما يسيطر عليه من الأرض . ولتحقيق ذلك ، تقوم الحرب بتشويه الأرض .. تمزقها إلى أجزاء ، وكيانات مفككة .. تدمر معالمها .. ومسيرات الطبيعة فيها .. تحرق محاصيلها التي أعطتها من أعماقها نسغ الحياة لتنمو وتثمر .. وتعطل حركة عطائها الأبدية ، بتهجير إنسانها المتفاعل بحنو وجدية مع خيراتها ومواسمها .
وكلما ابتعد الوصول إلى قواسم مشتركة بين الدول الخارجية المتصارعة على الأرض " الجغرافيا السياسية " المتسمة بها ، طالت الحرب ، وعوقت من طرف آخر ، وصول تجمعات الداخل المتصارعة إلى اتفاق . غير أن مسؤولية امتهان الأرض وضياعها ، هيمنة ، واحتلالاً ، وتمزيقاً ، مرتبطة موضوعياً وواقعياً بقوى الداخل الوطنية والشعبية على مختلف أطيافها . والسؤال المطروح هنا هو : هل يمكن أن تتجاوز هذه القوى انقساماتها وحساسياتها من بعضها البعض ، للحفاظ على وجودها كقوى تشكل جزءاً من مقومات البقاء الوطني .. وللحفاظ على حق الحياة لكل أبناء الشعب ؟ .
من أسف ، إن الخريطة السياسية السورية ، تبين بوضوح ، أن تجمعين اثنين يتقاسمان الأرض . هما تجمع الحكومة والجيش السوري الوطني والقوى الشعبية الرافضة للإرهاب ، واحتلال الإرهاب لمساحات من الأرض ولعدد من المدن وممارسة أشكال التعصب والتخلف على من يقع تح سيطرة مسلحيه . وتجمع قوى المجموعات الإرهابية المسلحة ، وقوى مدنية معارضة مسلحة ، التي تقودها كلها قوى إقليمية ودولية . وهناك تجمع معارض سياسي ، يتواجد معظمه حيث تسيطر قوى الحكومة ، وهو يكابد تعدد وجهات النظر حول جدوى الوسطية بين التجمع المعارض المسلح وبين الحكومة . وقد نسي الجميع ، أن هناك طرفاً رابعاً ، هو الطرف الأساس ، الذي يتمثل بالأرض ، التي تجري عليها الحرب والتغيرات الميدانية والمصيرية وبتفاعله الطبيعي مع الحرب .
بإيجاز .. إن الحرب التي تقاتل فيها الأرض ، هي الحرب التي تدور للسيطرة عليها وعلى مكانتها الجغرافيا السياسية ، التي تدفع فيها الأرض ، لاسيما الحرب الخاسرة ، ثمناً باهظاً ، من وحدتها ، ومكوناتها الطبيعية ، والسكانية ، المتكاملة معها ، ضمن إطار وطن ، له حدوده ، وهويته ، وقيمه ، وحضارته ، وطموحاته ، والتي تلعب فيها خيانة أطراف داخلية ، لكل ما تمثله الأرض ، من قاعدة حياة ، ووجود وطني وإنساني ، وتبادله ، أو أجزاء منه ، مقابل مال ، أو سلطة ، أو تحقيق ثأر ، ومغنم ، تعصبي متطرف .
وسلاح الأرض السورية ، في قتالها ضد المعتدين والخونة ، هو مفاعيل جاذبية الجغرافيا السياسية القاتلة للطامعين والمعتدين المتنافسين على السيطرة عليها ، وقيمتها التبادلية التي لا تقدر بثمن ، المغرية للخونة والمتآمرين ، التي تتحول إلى وصمة عار أبدية ، ترسل ارتدادات إدانة سياسية وأخلاقية وحضارية للحرب ، وللمعتدين ، والخونة ، الذين أشعلوا الحرب ، وتسببوا بالدمار الهائل ، ومآسي النازحين ، والمهجرين ، والمشوهين جسدياً ونفسياً ، والضحايا التي لا تحصى فيها .
كثيرة هي الهجمات ، والغزوات ، والاجتياحات ، والفتوحات الهمجية ، والفتوحات ، والاحتلالات الإمبراطورية التوسعية ، التي تعرضت لها الجغرافيا السياسية السورية ، من الشرق ، أو من الغرب . قبل الميلاد وبعده . بيد أن الغزاة هزموا ، أو رحلوا ، وانهارت الإمبراطوريات .. وبقيت سوريا .. الجغرافيا السياسية السورية .. الأرض المتميزة .. تثير طمع الطامعين والمعتدين . وتتكرر في الظروف الحالية حروب حول الأرض السورية .. وتجري فيها هزائم .. وانتصارات .. ومتغيرات .. لكن سوريا باقية .. وستبقى . إن من يخون الجغرافيا .. ويتجاوزها .. لن يستطيع أن يتغلب على تحدياته ويهزمها .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنها البرهان
-
من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
-
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
-
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
-
حرب البؤساء العادلة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|