|
الكاتبة ميمي قدري/تخوض تجربة كتابية جديدة
وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 20:09
المحور:
الادب والفن
لازلت في موقف مضاد لتحديد الحرية الابداعية من خلال وضع اطار تعريفي لهذا الجنس او ذاك ، فظلت القصة لحقب طويلة تُحصر فنيتها بأنه يجب أن يدور حول محور واحد هو في الحقيقة سبب تداعي القاص. وكأن الدور الأساسي للقاص هو سرد متواليات وقائعية والبلوغ بالحدث إلى عقدة ومن ثم إفراج هذه العقد أو حلها. وبالتالي يجعل القارئ دائماً في حالة ترقب وبحث مستمرين للعقدة ، وفي كثير من الأحيان إلى محاولات التخمين للحلول أو التكهّن بالنهايات. وبمرور الوقت وانفتاح الاجناس الادبية على بعضها ، حاول القاص او السارد الخروج من هذه الاطر ، ورسم معالم انفتاح .. وتطور السرد وتشعب بين القصة الطويلة والرواية والقصة القصيرة جدا ، وغادر منطقة التعريف اعلاه وهشم الوحدات الارسطية ، وانفتح باستيعاب ارهاصات الحياة والتطور وتسارع الزمن حتى جاءت القصة القصرة جدا ، لتكون ملائمة بقراءتها مع فنجان قهوة او في مركبة تقطع مسافة بين البيت ومقر العمل ، وحملت الكثير من المعاني المسكوت عنها .. وبالتالي فـ(القصةُ القصيرةُ جداً ، هي جنسٌ أدبيٌّ حديثٌ يمتازُ بقصرِ الحجمِ والإيحاءِ المكثَّفِ والَّنزعةِ القَصصيةِ المَوجزةِ والمقصَديةِ الرمزيةِ المباشرةِ وغيرِ المباشرةِ، فضلاً عن خاصيَّةِ التَلميحِ والاقتضابِ والتَّجريبِ و الحَذفِ والاختزالِ والإضمارِ. كما يَتميَّزُ هذا الخطابُ الفنيُ الجديدُ بالتَّصوير البِلاغيِّ الّذي يَتجاوزُ السردَ المباشرَ إلى ما هو بيانيٌّ ومجازيٌّ ضمنَ بلاغةِ الانزياحِ والخَرقِ الجَماليِّ. فبَعدَ صُدورِ كتابِ "انفعالات" لناتالي ساروت عام 1932م. انتبَه كتُّابُ القصةِ الى فنٍّ جديدٍ يُشبه القصَّةُ القصيرةُ، لكنَّه يَختلِفُ عنه في بِنائها وشَكلِها و أُطلقَ عليهِ القصةُ القصيرةُ جداً .وعندما تُرجمَ هذا الکتابُ الى العَربيةِ في السَّبعينياتِ نَبَّه القصّاصينَ الى هذا النوعِ من القَصِّ، فبدأَت تَظهرُ في الصُّحفِ والمجلّاتِ المتخصِّصَةِ أولاً، ثمَّ في المجموعاتِ القَصصی-;-َّةِ. ومن هذه المقدمة المختصرة ، استطيع الدخول الى معالم عشرة من القصص القصيرة جدا والتي حملت ارهاصات القصة واعتمدت التكثيف والايجاز وفي النهاية اعتمدت المفاجأة وارباك حالة التوقع لدى المتلقي ، ناهيك عن عوالم التشويق والشد ، كما اني اجدها بادارة قصصية ناجحة ، تنم عن قدرة المبدعة ميمي قدري في ايصال ما تروم ايصاله بفنية اراها قد حققت نجاحا .. ففي قصة (اعدام نبضة) ، حققت الكاتبة نجاح ايصال الفكرة ، والخروج من سجن الى فضاء الحرية ، غير انها سرعان ما تعثرت خطواتها وسقطت .. مع فراغات هي معاني مسكوت عنها ممكن تحمل اسباب ومسببات الخروج والتحرر ثم السقوط ثانية.. اما في قصة (الصـفـعــة) ، حركت المعنى من خلال عتبة العنونة وعالجت امرا اجتماعيا مهما ، جعلت من البطلة في حالة توتر وقلق نتيجة اعتداء الضرب الغير مبرر عليها ، ولكن خلعها خاتم الزواج فتح عليها نوافذ الم اخرى ، جعلها تقاسي وتعذل عن قرارها وبالمقابل اعتذار الزوج بحمله حقائبها وهناك ايضا فراغات تحتاج ملئها من قبل المتلقي .. وكانت قصة (قناع) حملت رؤية الكاتبة عن عالم الافتراض رغم انه غير حقيقي ، الا انه يحمل دروسا في قضية التعامل مع الاشخاص ، حتى وان كانوا افتراضيات غير حقيقية .. فتبقى الامراض النفسية والتربوية تعكس سلوكيات الاخرين ، فمديحة مثلت الوجه المشرق للنصيحة ولاتدري من كانت في المقابل هي قناع فقط .. اما قصة (انين العوز) ، فعالجت قضية اجتماعية مهمة ، تمثلت بالفقر، هذا المرض الاجتماعي الذي يحمل سطوة كبيرة على الانسان ، فقد يوقعه في المحذور ، ويتغلب على ارادته في الصبر وكما نعلم ان القصة القصيرة جدا عالمها التلميح والايجاز ، وما تحمله من افكار يُترك للمتلقي يضع الحلول المناسبة لهكذا مشاكل اجتماعية ، تحتاج لمنظومة من الافكار الاقتصادية المهمة لحلها .. كأن يكون نظام الرعاية الاجتماعية المعمول به في الدول المتقدمة هو احد هذه الحلول .. وقصة (حلم) ، مثلت لحظات جميلة من اللقاء والحب وتركت الكاتبة فضاء القصة مفتوحا للتأويل .. وكانت قصة (اغـتيـال بـراءة...) سجلت حالة فقر اخرى .. وكعادتها الكاتبة احترمت حدود القصة القصيرة جدا ، وتركت الباب مفتوحا للتأويل والمعالجة ، فالفقر يغصب الانسان لحالات جرمية كبيع الشرف بالنسبة للزوجة التي تعطل زوجها بسبب حادث سيارة او السرقة لهذا الطفل وقالت الكاتبة : (هنا تذكرت قول الإمام علي رضي الله عنه قال: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته..."سكنني الآلم وتساءلت... أوقد الفقر قد يكون سبباً للتعاسة؟)، ونثرت اسئلة احتجاجية بدى عليها الانفعال وقصة (دماء الوطن) كانت مباشرة ولغتها تقريرية عادية ليس كأخواتها الباقيات ..اما قصة (حصار من نار) رسمت حالات اجتماعية واقعية وعالجتها بادارة قصصية ناجحة .. والكاتبة ميمي قدري شاعرة وقاصة اضافة الى انها تكتب المقالة وكانت في كل كتاباتها باحثة عن الجمال والحياة ..( وإذ نتحدَّث هنا عن الجَمال، فنحن عن جَمال الفنّ نتحدّث، لا عن جَمال الطبيعة. وجَمال الفنّ أسمَى من جَمال الطبيعة؛ لأنه نتاج الرُّوح، والرُّوح أرقَى من الطبيعة؛ فالرُّوح الإنسانيّة، حتى وَفق المنطق الدِّيني، هي من رُوح الله: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي، فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين». إضافة إلى ما يُضفيه الفنّ على الجَمال الشكليّ من مُثُلٍ عُليا، لا وجود لها في جَمال الطبيعة. ثم ما يمنحه إيَّاه من خلودٍ إنسانيٍّ، لا يفنَى كفناء الجَمال في الطبيعة. لتلك الفوارق بين جَمال الفنّ وجَمال الطبيعة، قلَّما يختلف الناسُ حول جَمال الطبيعة اختلافهم حول جَمال الفنّ. إنّ جَمال الفنّ جَمال تحوُّليّ، مَوَّار في ذاته، مباغِت لخارجه، وباستمرار. ومن ثَمَّ تُولَد هُويَّته، التي لا تَنْفَد دهشتها. وبما أنه كذلك، لا يُمكن تعريفُه تعريفًا جامعًا مانعًا، أو عَلْمَنَتُه، بحالٍ من الأحوال.) ، وهكذا نجد الكاتبة ميمي قدري تخوض تجربة كتابة القصة القصيرة جدا ، حيث عالجت فيها العديد من الامراض الاجتماعية ، واثبتت قدرتها الكتابية في هذا الفن باحثة من خلاله عن الجمال والحب والحياة ورافضة كل ما هو قبيح ..
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة عواطف بركات/ بالأنسنة خلقت علاقة مع الاشياء شعريا
-
الشاعر حسن البصام / بين الهدوء الشعري والانفعال العقلي
-
الشاعر رياض الغريب .. نسق مضمر في عيد المرأة
-
الكاتب علي لفتة سعيد /خلق من الادب شخصية موازية لخلق ذاته ال
...
-
الكاتبة امينة عبدالله/تعيش حالة التداخل النصي والتداخل النفس
...
-
الشاعر حبيب النايف/بين الرؤية المتحركة والموقف الثابت
-
الشاعر احمد محمد رمضان / ين التغريب والترميز مضمونا والومضة
...
-
اضواء الروح / في ديوان (موسيقى الصباح) أنموذجا
-
الشاعرة خلود البدري في لوحات شعرية تثير الدهشة
-
الكاتبة كاميﻻ-;- زيتون/وبناء الشخصية من خلال جغرافية
...
-
الكاتبة لونا قصير عالمها عراقي عربي مفتوح النوافذ على العالم
...
-
الشاعرة سيدة بن علي / ترفض القبح والعداوة وتقبل الجمال والحب
-
الحضور لا الغياب/ قصيدة(الشاعر يتقدم) لصادق الطريحي أنموذجا
-
الحوار وحسن الظن بالله وبياض النية/وقصيدة (حكيمة الغيم) للشا
...
-
الشاعر علي الامارة/يرثي الناقد محمد الجزائري بالتذكير
-
الشاعرة مها الصافي /تحرك الذائقة بحضور نثري شعري متميز/ديوان
...
-
رباعيات القاسمي / مواقف باتجاه القبول والرفض
-
(إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاع
...
-
الثلاثية الشعرية الحوارية/والعبور بالحلم من اسيا الى افريقيا
-
خزعل الماجدي/كينونة شعرية مشرعة النوافذ !!
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|