|
الصوت والصدى
صفوت فوزى
الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 03:17
المحور:
الادب والفن
أنفاس البلدة تأتى الى زاخرة بصخب وبهجة . الأضواء المبهرة ، اللغط والتصايح ونداءات الباعة الجوالين تتجاوب وتترامى . الناس تحت سماء الليل أمواج تروح وتجيئ . تدور فى الساحة الممتدة وسط السرادقات والخيام المنصوبة ، مغروزة أوتادها فى الأرض . ريح طيبة تهب على الوجوه فتبترد . قررررب . قرب . قرب . بتسعة مليم التذكرة والمفلس يرجع ورا . قررررب . الساحر الهندى العجيب .الراقصة اللولبية . الشيكا بيكا . البقرة العجيبة . الصعيدى والبحيرى . العرض هايبدأ حالا . قررررب . شاطئ " الحلوة " ممتلئ عن آخره بخيام الزوار المرابطين منذ بدء الصيام . لاعبو الثلاث ورقات . المراجيح . بائعو الطراطير الملونة الزاهية . دقاقو الوشم والصلبان بماكيناتهم الزنانة . أكوام الحمص الأصفر وأقراص السمسمية والحمصية والفولية . ألف وأدور بين وجوه مستبشرة راضية . يقتنصون لحظات من الفرحة تبقى ذبالتها معهم حين يؤوبون الى مضاجعهم . يجترونها فى أماسيهم الطويلة . أنحرف يسارا الى الممشى الضيق ، يحتشد على جانبيه بائعو الصور والأيقونات . المنشد الضرير الضاوى الجسم يتلو ألحانه القبطية العتيقة على ايقاعات الدف . فى الفناء الوسيع يفترش الكثيرون الأرض فيما يتهادى همس الصلوات والاستغاثات غير المستبينة . صدح التراتيل وسط الضجيج تحمله الريح ، تدور به على الزائرين والعابرين فى الطرقات . على ذراعها اليسرى تحمله ، فيما انتصبت يدها اليمنى مفرودة الكف والأصابع تردد خلف الكاهن : أجحدك أيها الشيطان . أمام " جرن المعمودية " المملوء بالماء ، خلعوا ملابسه . عاريا كما ولدته أمه يضرب الهواء بيديه الصغيرتين صارخا . ثلاث مرات غطسه الكاهن فى الماء . رفس بيديه وقدميه الصغيرتين بطن الماء .تعالت صرخاته والماء يقطر من الجسد العارى . تمتم الكاهن بأدعيته . غريق . غريق . شقت الصرخة الجموع المحتشدة كسهم نافذ مفاجئ اخترق الأحشاء واندفن عميقا فيها . تلقى بالروع فى الصفوف الكثيرة المتزاحمة . يعلو الصريخ ويضطرب . دبت امرأة على صدرها تقول : يا قلب أمك . كل سنة لها واحد أو اثنين فى المولد . الترعة المشئومة . فى المرة الأولى – حين رفع يديه – ظنوه يحييهم . فى الثانية قالوا : يمثل . فى المرة الثالثة ، رعشة التحدى والاقدام تزوى وتتراخى . يشرق بالماء . يكاد يشده التيار الى الأعماق . كان التعب قد نال منه ، وذراعاه قد ثقلتا وأصبحتا عصيتين على الحركة . الأصوات تقرع أذنيه ثم تعود لها أصداء مكتومة تصل اليه من قرار جب سحيق . سقط فى هوة عميقة تتلقاه فى طيات مائها المدوم . كان لم يزل يبكى . ألبسوه رداءه الأبيض . طافوا به أرجاء المكان مرتلين مهللين . ارتفعت الزغاريد وغمرت المكان رائحة بخور فيما كان الكاهن يتلو : أيتها الكنيسة المقدسة ، افرحى وتهللى ، ومدى يديك ، واقبلى من ولد ثانية من الماء والروح . منتفخا مائلا للزرقة كان جسده . مسفوحا على الظهر ، شاخصا للسماء مفتوح العينين ، مستباحا للريح وأسماك النهر . صفير المزامير ودق الدفوف وترداد الألحان يتناهى من بعيد . الأمواج تتقلب بهدوء ، تترقرق عليها الأضواء . ●-;- ●-;- ●-;- الحوارى الضيقة المتلوية على نفسها . الليل حالك ، محمل بالسر والهيبة . حيطان البيوت جهمة محاصرة مهددة ، والطريق لا يخلص ، لا ينتهى . أحسست بجانبى أنفاسا حارة . تلك العينان أعرفهما . عينان غزيرتا الطلة ، نافذتا النظرة ، يتقطر منهما ود سيال . عرفته . حضورا مجسما فى الصمت الرازح ، لكنه يروغ كظل منسحب . وكأننى رأيته فى الظلمة المطبقة . هو ، هو ، مافى ذلك شك . لكنه مات ، غرق . رأيته ورآه الكل طافيا على مياه " الحلوة " منتفخ الوجه ، نصف غارق فى الماء ، وجرفه التيار ناحية " سرياقوس " . أنينه الخفيض ، خاضعا ومتوجعا ، ساطع الوجه كان يعبر الحارة فى حلكة الليل . أمضى مليئا بالخوف والتوجس . قشعريرة فرح تشملنى وأنا أطالع وليدى مقمطا فى رداء أبيض حيا ونابضا يضرب الهواء بقبضتيه الصغيرتين الطريتين ويبتسم فى وجهى .
#صفوت_فوزى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة شتا
-
الغنا
-
يامه جوزينى
-
الخروج
-
الكلمة
-
بعاد
-
إختيار
-
هاتف
-
الموت جبان
-
الاعتقاد فى الخرافة
-
التهمة .. أنثى
-
خراط البنات
-
الصفعة
-
فات الميعاد
-
جفاف
-
مبتدأ الأوجاع
-
ابهام
-
مكان فى القلب
-
نظام
-
عرائس العجين
المزيد.....
-
-المُلحد-.. إبراهيم عيسى: الفيلم هو الدولة المدنية التي نداف
...
-
ساويرس يرد على سؤال بشأن فيلم -الملحد-.. وهذا ما قاله عن -من
...
-
-رأس الخس- يلاحق تراس من جديد ويخرجها من المسرح (فيديو)
-
هيفاء وهبي تعلق على قرار منعها من التمثيل والغناء بمصر بآية
...
-
بعد أزمة فيلم -الملحد-.. هل تأجل العرض بمصر أم مُنع العمل؟
-
جيمي كيميل لن يقدم حفل الأوسكار المقبل لهذا السبب
-
استقبل الأن.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 batoot Kids على جمي
...
-
تنسيق الشعبة الأدبية 2024 مرحلة أولى كلية اقتصاد وعلوم سياسي
...
-
في دورتها الـ10.. إعلان أفضل الأعمال المشاركة في جائزة كتارا
...
-
بالصور| اقدم نقاش في العراق يحاور الخشب ويخلق لوحات فنية
المزيد.....
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
-
رسالةإ لى امرأة
/ ياسر يونس
المزيد.....
|