|
العبادي - إجه يكحلها .. عماها ...
كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 5024 - 2015 / 12 / 25 - 16:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ساقني مقطع تمثيلي في إحدى القنوات اللبنانية الى كتابة هذا المقال ، والذي يتحدث عن موظف في إحدى الشركات طلب مقابلة مديره لأمر هام ، وما أن سنحت الفرصة لمقابلته حتى بدأ الموظف المسكين بكلامه عن راي مديره به ، وإن كان هناك اي تقصير من قبله في عمله طيلة الفترة التي يعمل فيها تحت أمرته ، حتى كال المدير لموظفه البسيط بالمديح والإخلاص والمثابرة ، وكل كلمات الثناء التي شحثت هم الموظف لطرح أمام مديره ما جاء به لإجله .. وبعد صمت قصير لعدة ثوان ، حتى تسائل المدير عن سبب طلب مقابلته ، فراح الموظف يؤكد كلمات الثناء التي أطلقها مديره له ، وبعد متمتة قصيرة مع نفسه بكونه يريد طلب إحدى حقوقه وهي تكريمه من قبل المؤسسة التي يعمل بها طوال سنوات تصل الى العشر ، دون زيادة في مرتبه .. فتشجع هذه المرة وجمع قواه ، وقال لمديره وعينيه تنظر الى الاسفل خجلا ، وكأنه يطلب شيئا مستحيلا .. ( أريد زيادة راتبي ) .. وكان يتوقع ان يثور المدير ويهيج ويبادله الصراخ او حتى طرده من غرفته ، إلا إن المدير استقبل الأمر بدهاء وذكاء ، و تقبل طلب الموظف بصدر رحب وبإبتسامة تنم عن الخبث الذي يتمتع به معظم المسئولين ، ولكنه فاجأ الموظف برد ( للاسف أن طلبكم جاء في ليس محله ) ، وراح يشرح المدير الازمة التي تمر بها المؤسسة والتي دعتها الى إتخاذ قرار تقليص عدد العاملين ومن بينهم موظفنا المسكين ، الذي سرعان ما أرتسمت على وجهه علامات الحزن ، والحيرة ، في كيفية تدبر أمره وعائلته التي تتكون من أربعة أولاد جميعهم في المدارس ، وإستحالة العثور على عمل بديل فب هذا الزمن الصعب بهذه السرعة والسهولة ، وإن كان من أصحاب الخبرة الطويلة او من حملة الشهادات العليا .. فراح يتوسل المدير لإبقاءه في عمله وبمرتبه إكراما لخبرته الطويلة في العمل في هذه المؤسسة !!! . المدير ولكي يخرج من هذه الموقف منتصرا ، و لكي يكون صاحب فضل على موظفه ، إ قترح مع تردده في تقديم مثل هكذا إقتراح ، الذي جاء بحسب رأيه تقديرا وإنسانية منه ومراعاة لظروفه في حال إنهاء خدماته ، مقترحا ابقاءه في مكانه ولكن براتب أقل مما يحصل عليه الان ، وإنه ( اي المدير ) لا يرضى لنفسه تقديم مثل هكذا إقتراح الى أحد موظفيه النشامى والمخلصين في عملهم ، كونه سيبخس جهوده ، حتى سارع الموظف المسكين الى قبول العرض وإنه حتى بامكانه العمل بنصف راتبه إن تطلب الأمر ، هنا تنفس المدير الصعداء في داخله وتخلص من من الموقف بفضل خبثه ودهاءه ، في وقت خرج الموظف بنشوة النصر والمحافظة على وظيفته بعيدا عن قائمة المفصولين ( الوهمية ) ونسي أمر راتبه !!! استمحيكم العذر إن كانت مقدمة مقالي طويلة ، لكنها تحاكي الواقع العراقي الأليم ، الذي يعيشه ابناء العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ، والتي لا تبشر فيه كل المؤشرات في الأفق القريب باي خير للعراق ، لا في مستقبل ابناءه ، ولا في مستقبل العراق ككيان واحد موحد ، ولا في ثرواته التي من المفترض ان تسخر لأبناءه جميعا دون تمييز . لازلت أحن الى أيام الماضي القريب ، وأتذكر إن في العراق كانت هناك ثلاث طبقات هي الفقيرة واغلبهم من الفلاحين النازحين الى المدن ، والطبقى الوسطى والتي كانت تمثل معظم شرائح المجتمع العراقي وهي الموظفون والعمال العاملين في الوظائف الحكومية ، بالاضافة الى طبقة الأغنياء او ما كان يطلق عليها سابقا ( الإستقراطية ) وهم قلة قليلة ، وكانت اسمائهم معدودة كون اغلبهم كانوا يمتهنون التجارة .. وكنت احد ابناء عامة الشعب الذي حصل على عمل في إحدى وزارات الدولة العراقية التي لم تكن تعرف ( الطائفية والمحسوبية ) ، من خلال إعلان صغير في إحدى الصحف المحلية ، اعلن فيه الحاجة الى الراغبين في التعيين في إحدى الوظائف الشاغرة لديها ، وبعد النجاح في أختبار للمتقدمين ، وبراتب شهري قدره ( 36.500 ) دينار أو ما يعادل ( 115 دولار ) ، دون أن يكون لي أي أقارب أو أحدة المعارف من ذوي المناصب الرفيعة في أي من وزارات الدولة كي يكون وسيطي للحصول على الوظيفة ، وكنت قد وزعة راتبي الى ثلاث أقسام عشرة لمصرفنا الشهري ، ومثله لمساعدة أهلي ، وأخرى في بريد التوفير ، وستة خصصتها لشراء فيها ما يسترني ، حتى إني تمكنت من الزواج وتوفير كل متطلباته ، و كذلك بناء غرفتين في أعلى بيتنا البسيط لتكون أحداها عش زوجيتي ، كل ذلك من العشرة دنانير التي كنت أوفرها شهريا في البريد . اليوم فإن الحال العراقي مأساوي الى حد كبير ، فقد ألغيت الطبقة الوسطى نهائيا ، وباتت طبقة الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة هي الأكثر فقرا ، مقابل نمو طبقة فاقت ( أستقراطيو ) العراق السابقين في ثراءها ، وكذلك فاقت سمعة اصحاب الملايين الروس الجدد التي كانت تملأ اسمائهم صفحات وعنوانين مجلة ( فوربس ) المتخصصة برجال الاعمال في العالم أمثال خودوركوفسكي ، وكوزينسكي ، وابراهيموفيج وغيرهم من الشخصيات الروسية التي لطالما سمعنا عنها وعن ثرواتهم ، والتي أغتنت بصورة مفاجئة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي باساليب لازالت موضع شك عند جميع الروس ، ليحل محلهم اليوم اسماء عراقية هي الأخرى عرفت طريق الغنى ولكن بصورة أسرع من الصوت ، أمثال الدافعي ، والقادمي ، والمؤرخي ، والأمامي ، والمعوقي ، والثعلبي ، والقائمة بألقابهم تطول ، من الساسة العراقيين التي باتت المجلة تتغنى بهم ، كونهم يمتلكون اليوم ما يعيش العراق بكامله لخمس سنوات مقبلة. رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، الذي استبشر العراقيين بقدومه ، وتفائلهم بإمكانية تحسين أحوالهم ، وأن تكون فترة حكمه ، هي عملية إنتقال نحو الافضل في تحسين حياتهم المعيشية ، وتعديل رواتبهم ، وخرجوا مدعومين بفتوى المرجعية الكريمة ، الى تأييده ودعمه في إجراء عملية إصلاح شاملة ، لإجتثاث الفاسدين الذين نهبوا العراق وثرواته ، وتقديمهم الى المحاكمة ، خرجوا الى الشوارع في كافة المحافظات في أكبر حشد جماهيري في التاريخ العراقي الحديث ، إلا إن العبادي إنطبق عليه المثل العراقي القائل ( إجه يكحلها .. عماها ) !!! ففي الوقت الذي أنتظر منه العراقيين ما يكحل اعينهم بإصلاحات وإجراءات تهدف الى ترشيق مصروفات الدولة المترهلة أصلا وقادتها السياسيين والبرلمانيين وأصحاب العراقيين ، أعماهم بقرار يخفض رواتبهم ، وعلى مايبدو أنه قد شاهد هو الآخر مقطعنا التمثيلي وسرعان ما تقمص شخصية المدير العام بكل صفاته ومكره ودهاءه ، فبعد أن كان الموظفون يطالبون بزيادة رواتبهم وتحسين ظروفهم ، جعلهم يتمنون إبقاء الحال على ماهو عليه الان حتى وإن استقطع منه 3 % .
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللي ختشوا ماتوا !!!
-
في الازمة التركية الروسية .. عندما يكذب الرئيس !!
-
العذر التركي أقبح من الذنب
-
رسالة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
-
محللو ( الصدفة ) السياسيين ، إلى أين ؟؟
-
الفلافل .. ودورها في حياة العراقيين
-
أمريكا ، لو ألعب ، لو أخرب الملعب
-
شر بلية أمريكا ما يضحك
-
بوتين يُفهِمُ الغرب لغتهُ
-
ماذا بعد التغيير يادولة رئيس الوزراء
-
الفساد في وزارة التعليم العالي مرة أخرى
-
الزمالات الدراسية الروسية .. ومافيات وزارة التعليم العالي ال
...
-
ايران وأمريكا وإسرائيل .. ومهزلة المفاوضات النووية
-
- دواعش - البرلمان العراقي
-
مات بوتين - عاش بوتين
-
بعد تصريحات كيري .... نجاح كبير للدبلوماسية الروسية في الازم
...
-
عرب وين .. وبرلماننا وين !!
-
العبادي .. وعبادنا الصالحين !!!
-
صراع روسي - عراقي عند أبواب الكريملين
-
أصدقاؤنا ، أحباؤنا .. رفقا بنا !!!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|