|
حسين آيت أحمد - رمز الوطنية الديمقراطية في الجزائر-
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 5023 - 2015 / 12 / 24 - 00:12
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
حسين آيت أحمد - رمز الوطنية الديمقراطية في الجزائر-
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران- البريد الإلكتروني:[email protected] رحل الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد في ظرف تعيش فيه الجزائر ظروفا صعبة، وكم هي بحاجة إلى رجال من طراز الدا الحسين، رجل جامع لامفتت، رجل وطني وديمقراطي بأتم معنى الكلمة، رجل يؤمن بدولة لكل الجزائريين، رجل ضحى بحياته من أجل تحرير الجزائر من الإستعمار الغاشم، فقد ألتحق بحزب الشعب الجزائري على يد بطل آخر هو وعلي بناي وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وذلك في إطار تكليف هذا الأخير بإدخال عناصر مثقفة للحزب، وكان منهم الطلبة الذين كانوا يدرسون في ثانوية بن عكنون آنذاك، ومنهم آيت أحمد وسعيد شيبان وعلي لعيمش الذي استشهد وهو في الجبال حاملا للسلاح في عام 1945، وقد تخلى آيت أحمد عن دراسته في ماي 1945، وهو على أبواب شهادة الباكالوريا، ليلتحق بجبال القبائل مع مجموعة من طلبة ثانوية بن عكنون، وهدفهم إشعال فتيل الثورة في 23ماي1945 بعد مجازر 08ماي1945، وقد ألقي القبض آنذاك على محمد أزروال ومحند السعيد معزوزي اللذان بقيا في السجن إلى غاية 1962. ولعل البعض لايعلمون أن آيت أحمد يعد المؤسس الرئيسي للمنظمة الخاصة في1947 التي أنبثق عنها جيش وجبهة التحرير الوطنيتين اللتان أشعلتا فتيل الثورة في أول نوفمبر1954، وتعد المنظمة الخاصة هي النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي الذي ينحدر من جيش التحرير الوطني، ولهذا يمكن لنا القول أنه أول قائد أركان للجيش الجزائري، فقد كلف آيت أحمد من شبان الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية المتحمسين للعمل الثوري المسلح للحديث بإسمهم في مؤتمر الحزب، أين قدم وثيقة تأسيسية لهذا التنظيم الشبه العسكري التي وافق عليها المؤتمر، ليعين نائبا لمحمد بلوزداد وقائدا لأركانها العامة، ثم يصبح رئيسها لأكثر من سنتين عرفت عمليات الهيكلة والبناء والتدريب قبل أن يعوض ببن بلة في أواخر1949 لتكتشف المنظمة بعد ثلاث أشهر من ذلك. قامت المنظمة الخاصة بعمليتين تحت قيادة آيت أحمد، لأنه لا يجب أن تقوم بالعمليات، ويجب الإكتفاء بالسرية والتحضير، لكنه أبى إلا أن يشارك ويخطط لعملية بريد وهران في 1949 بهدف تمويل الثورة، كما أمر قيادة المنظمة في الغرب الجزائري بتحطيم معلم الأمير عبدالقادر الذي سعت فرنسا لوضعه في كاشرو الذي يسمى اليوم بسيدي قادة بمعسكر تشويها للأمير وتصويره كأنه صديق لفرنسا وسلم لها الجزائر، وذلك في الذكرى المئوية لإلقاء القبض عليه، وليس الإستسلام كما يروج الكثير من مرددي الخطاب الإستعماري وغارسين في ذهن الطفل الجزائري أنه يستسلم بدل أن نعلم الطفل أننا لا نستسلم أبدا منذ أن تعلمنا ذلك من البطل يوغورطة الذي قال "ننكسر ولا ننحني" للأمبرطو ر الروماني بعد إلقاء القبض عليه، فالأمير عبدالقادر لم يكن إلا أحد أحفاد يوغرطة. ولعل الكثير لايعلمون ان آيت أحمد كان أول وزير للخارجية للثورة، وهو الذي أقنع الزعيم الهندي نهرو بعدالة القضية الجزائرية، ومثل الجزائر على جانب المناضل الوطني الديمقراطي الآخر محمد يزيد في المؤتمر الافرو-آسيوي بباندونغ في 1955. قد كان آيت أحمد من القلائل الذين رفضوا الإنقلاب على المؤسسات الشرعية للثورة في 1962 على يد تحالف بن بلة –بومدين مستندين على جزء من جيش التحرير الوطني الرابض وراء الحدود، وهذا الموقف الرجولي دفاعا عن الثورة وقيمها الحقيقية عرضته لتشويه إعلامي من طرف الذين أستولوا على الدولة في 1962. ولعل الكثير لايعلم أن آيت أحمد من المجاهدين الذين رفضوا الدخول في حروب الذاكرة رغم كل الإستفزازات من البعض لتشويه تاريخه، فقد تعرض لإستفزاز من أحد التاريخيين، وعندما أتصل به بعض الإعلاميين للرد رفض كي لايستغل في حروب ذاكرة كانت تشعلها أطرافا في السلطة لتشويه رموز الجزائر في إطار خطة محكمة لتحطيم هذه الرموز عمدا وبشكل ممنهج بهدف إبراز رموز وهميين ومزيفين، فقد كتب مذكراته وأدلى بشهاداته لكن دون المساس بأي كان من الرموز، بل بقي وفيا لكل من ساعده في عمله الثوري. فآيت أحمد هو الوحيد الذي يذكر أحد الكبار وهو بلقاسم إبراهيم زدور الذي قال عنه أنه هو الذي فتح له ولبن بلة وخيدر أبواب القاهرة بحكم علاقاته الوطيدة بعناصر من النظام آنذاك ليكلف بمهمة في أول نوفمبر، لكن ألقي عليه القبض في وهران، ورمي في البحر وذلك في 4نوفمبر1954، فإبراهيم زدور أبن وهران، وهو أبن الإصلاحي الطيب المهاجي وعارفا باربع لغات، ثم أنتقل إلى القاهرة، فقد كان آيت أحمد أيضا وفيا ا لمصالي الحاج الذي خونه النظام منذ الثورة، لكن آيت أحمد أدرك عظمة الرجل الذي عرفه، ورضع منه روح الوطنية رغم كل الإختلافات إلا أنه عندما عاد إلى الجزائر بعد التعددية كان أول من الجبهويين التاريخيين الذين ذهبوا إلى قبر مصالي وترحم عليه. لكن أكبر تشويه لحق بآيت أحمد هو إشاعة أنه أراد فصل منطقة القبائل، وأن حركته التمردية أستخدمت العنف متناسين أن الذين يتهمونه بذلك هم الذين كانوا يستخدمون العنف، وتمردوا على المؤسسات الشرعية للثورة التي كان من المفروض ان تتحول إلى مؤسسات الدولة الوليدة في 1962، وعندما دخل آيت أحمد المجلس التأسيسي كان يلقى معارضة من نواب أغلبيتهم كانوا في ما وراء الحدود، وتعرض للتشويش والمطاردة إلا لأنه رفض ما كان يلحق بالوطنيين، وندد علنية بإختطاف بوضياف من عند حلاق ونفيه إلى الصحراء بسبب تأسيسه حزب الثورة الإشتراكية معلنا أن الافالان التاريخي قد انتهي، فلنعد إلى النظام الديمقراطي الذي نص عليه بيان أول نوفمبر، وعاهد على أساسه الشهيد عبان رمضان كل الذين أقنعهم بحل أحزابهم والإلتحاق فرادى بالثورة. ففي حقيقة الأمر لم يكن التمرد خاص بالآفافاس وبمنطقة القبائل، كما أشيع عمدا باللعب على وتر معروف، وهو تحريض المناطق الأخرى ضد هذه المنطقة والتي دشنها العثمانيون ثم كرسها الإستعمار، ليواصل الذين أغتصبوا السلطة في 1962 نفس السياسة إلى حد اليوم، وكل ذلك في إطار سياسة فرق تسد. فقد كان آنذاك تمردا في كل ربوع الجزائر من أجل إنقاد الثورة، فبوضياف في الشمال القسنطيني واحمد بن أحمد في الغرب والكومندان موسى في الأوراس وشعباني في الصحراء وغيرها، ولم يكن العنف إلا إستفزازا من دخلاء على الثورة دفاعا عن مصالح آنذاك. ولعل ما لايعلمه الكثير انه عندما وقعت أحداث مايسمى بالربيع العربي ثم مرض الرئيس بوتفليقة راودت البعض من الخيرين داخل سرايا النظام وخارجه بأن الجزائر في حاجة فعلية إلى إنتقال ديمقراطي سلمي حقيقي تتفق حوله كل مكونات الأمة الجزائرية، ومنها السلطة والمعارضة، وكانت الفكرة العامة هو مرحلة إنتقالية من ثلاث سنوات تقودها شخصية توافقية، وتنقل الجزائر إلى بر الأمان دون المرور على العنف الذي كانت تعرفه منطقتنا آنذاك، وطبعا كل الأعين كانت متجهة إلى الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، لكن في ظرف كانت دورة الحياة البيولوجية في ىخرها، فهو أصبح لايقوى على ذلك ومريض جدا. أورد هذا الخبر لكي فقط أبين أن آيت أحمد كان فرصة الجزائر بعد أكتوبر1988، فلنتصور لو كانت النوايا صادقة بعد اكتوبر1988، وسمعت لهذا الرجل الذي كان يدعو إلى عقد وطني يجمع كل الأطياف والقوى السياسة والأيديولوجية في الجزائر لضمان أدنى المباديء الديمقراطية، وكان من المفروض اكثر من ذلك الدخول في مرحلة إنتقالية يقودها رجلا لم يشارك في السلطة ووطني وتاريخي، وأثبت قولا وفعلا مدى حبه للجزائر والتضحية من أجلها ومدى إيمانه بالقيم والمباديء الديمقراطية، ونعتقد أن أي عملية إنتقالية يجب ان يقودها رجل مثل مانديلا في جنوب افريقيا الذي كان ضمانة للجميع، وقد كان آيت أحمد على نفس الشاكلة في الجزائر، ولنسأل فقط مثلا لو ان مصر حكمها بعد الربيع العربي رجلا مثل مانديلا أو آيت أحمد، هل كان بمقدور السيسي أن يثير الشعب ضد المسار الديمقراطي، ونفس الشيء في الجزائر لو اطكانت النوايا صادقة وسيرت مرحلة إنتقالية ديمقراطيةن هل كنا سندخل عنف التسعينيات؟، ولهذا نقول أنه لايمكن نجاح مرحلة إنتقال ديمقراطي إلا برجل ديمقراطي جامع لايقصي أي كان.
البروفسور رابح لونيسي
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مالك بن نبي وحرب الأفكار -هل أصيب بمرض البارانويا أم خبير في
...
-
من سيختار الرئيس القادم للجزائر؟
-
نحو دولة شمولية تحت سيطرة أوليغارشية مالية
-
ماذا بعد إتهامات ضمنية بالسطو على ختم الرئيس في الجزائر؟
-
من أجل القطيعة مع ثقافة القمع والتصفيات الجسدية
-
المثقف التنويري في مواجهة إستحمار الشعوب
-
تأثير الهجرة في عملية التغيير الثوري لمجتمعاتنا
-
قداسة الحريات مستمدة من قداسة الله سبحانه وتعالى
-
شعارات الأوليغارشيات الزاحفة في الجزائر بين الحقيقة والزيف
-
ماذا يختفي وراء التغييرات والإقالات في جزائر اليوم؟
-
إقرار الطبقية العلمية الإيجابية كحل لمشكلة التخلف في فضائنا
...
-
وحدة سياسات الغرب تجاه المنطقة المغاربية بين الوهم والحقيقة
-
هل الطريق ممهدة لتكرار مأساة التسعينيات في جزائر اليوم؟
-
الجزائريون والمسألة اللغوية عبر تاريخهم بين الإنغلاق الأيديو
...
-
الأهداف المتسترة وراء إثارة النقاش اللغوي في جزائر اليوم
-
الهوية الثقافية المغاربية-الجذور والتحولات التاريخية-
-
علاقة المشروع الأمبرطوري الأمريكي بمخطط لتفتيت دولنا المغارب
...
-
معوقات بناء دولة-الأمة الجزائرية بين القطيعة والإستمراية
-
صرخة إلى الضمير الوطني-داعش كأداة لإعادة إنتاج الإستعمار الغ
...
-
فرانز فانون-مفاتيح لفهم الإضطهاد العنصري والثقافي عبر التاري
...
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|