|
ما بعد المقاطعة ( 2 )
إبراهيم الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 05:24
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ما بعد المقاطعة ( 2 ) بما أن الدولة تعبير مكثف عن الأمة والمجتمع ، والبرلمان مبنى من مباني الدولة ، مؤسسة من مؤسساتها ، سلطة من سلطاتها الثلاث ، يطرح السؤال نفسه ، هل برلمان 2015 ، تعبير مكثف عن الأمة المصرية أم يتناقض مع تكوينها الاجتماعي المتباين ، وينحرف عن تمثيل طبقات المجتمع وفئاته المتنوعة ؟ يقينا أجرت الديكتاتورية العسكرية ، المهيمنة على الدولة والسلطة والثروة ، انتخابات بلا ناخبين ، وهنا تستدعي الذاكرة ، أول انحراف في خارطة طريق 3يوليو 2013 ، بموافقة ودعم الأحزاب والتيارات السياسية ، الموالية للديكتاتورية العسكرية ، دون الإرادة الشعبية ، بتقديم الانتخابات الرئاسية ، على الانتخابات البرلمانية ، إنتاج رأس للسلطة التنفيذية ، قبل سلطة الأمة التشريعية ، ليتحكم في تكوينها ، ويحدد مساراها ومسيرتها ، عبر الأجهزة الأمنية ، المخابرات بجناحيها ، العامة والعسكرية والأمن الوطني . ويقينا قاطع أكثر من ثلثي ناخبي الأمة هذه الانتخابات ، أعطت الأمة ظهرها للنظام ، أفقدته الظهير الشعبي ، والبيئة الاجتماعية الحاضنة ، رفعت الغطاء عنه ، عرته ، أحالته إلى برلمان منزوع الدسم ، سحبت منه الشرعية ، أبطلته ، أسقطته قبل أن ينعقد ، أظن ، وليس كل الظن إثم ، أن التناقض بين الأمة والبرلمان ، الملمح الرئيسي ، في تشكيلته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فمعظم أعضاءه ينحدرون من الدكتاتورية العسكرية وبيروقراطيتها وأجهزتها الأمنية ورجال الأعمال الموالين لها ، ويندر ، ويكاد يغيب تماما ، تمثيل الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والطبقات الدنيا على هامش وفي قاع المجتمع ، تناقض عميق وجذري في بنيان ومعمار البرلمان مع الأمة ، يدفع المغيبين عنه بالقوانين المنظمة للاقتراع ترشيحا وتصويتا ، إلى الحالة الاحتجاجية في الشوارع والميادين ، إضرابا وتظاهرا واعتصاما ، الحالة الثورية ، هذا هو التناقض الرئيسي بين الأمة والبرلمان ، بين الثورة وبرلمان 2015 ، بما يهدد انعقاده أو بقاءه ، لن يصمت ، ولا يجب أن يصمت ، 90 % من ناخبي الأمة ومواطنيها ، على تهميشهم واستبعادهم من المشاركة في السلطة التشريعية ، ثم يعقب التناقض الرئيسي تناقض آخر ، كفيل بمفرده ، أن ينسف شرعية برلمان 2015 ، يعلقه في الفراغ ، دون سند اجتماعي ، فمن بين كل عشرة آلاف ناخب ، يصوت ناخب واحد ، لنائب برلمان 2015 ، وهذا يجعل تمثيله للأمة محل شك وريبة وإعادة نظر ، ويحيل البرلمان إلى ثكنة عسكرية ، وذيل من ذيول السلطة التنفيذية ، يتناقض مع بنيانها وغاياتها ، في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية وتوجيه ميزانية الحكومة وتحديد أولوياتها ، وها نحن نرى محاولات مخابراتية لاستنساخ تنظيمات يوليو الشمولية ، من هيئة التحرير إلى الحزب الوطني الديمقراطي ( سئ السمعة ) دون إدراك أو بصيرة أو قراءة موضوعية ، للتناقضات الداخلية في مبنى ومعنى البرلمان ذاته ، التي تشكل شرخا وتصدعا وأزمة هيكلية في عمارته ومبناه ، التناقض بين الشكل والمحتوى ، في شيوع ظاهرة المستقلين ، واحتلالهم أغلبية مقاعد البرلمان ، دون الأحزاب والتيارات السياسية المنظمة ، المستقلين لديهم ، بما أنفقوه ، مصالح وأجندات وأولويات ، دون روابط مشتركة ، ملمح بارز في هيكل البرلمان ، كفيل بإثارة الفوضى وعشوائية أعماله ، رغم الضوابط والتوجيهات الأمنية التي تأتيه من مكاتب المخابرات والأمن الوطني ( أمن الدولة سابقا ) ثم نتحول ونرصد ، التناقض بين غايات ونصوص العقد الاجتماعي ، في باب الحقوق والحريات بالدستور ، والتكوين الطبقي ، أكثر من 95 % ، ما بين الإقطاع والبيروقراطية العسكرية والرأسمالية عابرة الأوطان والقوميات ( المعولمة ) يقفون اجتماعيا على الضفة الأخرى ، ينظرون باحتقار وازدراء إلى الحقوق والحريات التي شملها الدستور ، ويبذلون جهدهم لتعديله والانقلاب عليه ، لجعله برلمان الاتجاه والصوت الواحد ، برلمان الرئيس لا برلمان الأمة ، هنا كانت المقاطعة ، التي أفقدت الديكتاتورية العسكرية ، القدرة على استخدام أدواتها القمعية ، من دبابات ومدرعات وغازات مسيلة للدموع ، مقدمة لموجة ثورية جديدة ، تلوح نذرها في الأفق ، بالدعوة إلى العصيان المدني والخروج الجماهيري ، ثم نأتي إلى تناقض جديد على عمل البرلمانات المصرية منذ يوليو 52 ، بزوغ كتلة برلمانية ليبرالية ( معولمة ) تنحاز إلى الحريات والتعددية السياسية والنقابية ، دون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، تتناقض تناقضا هامشيا لكنه يكبر ويتعاظم ، مع كتلة البيروقراطية والديكتاتورية العسكرية الشعبوية ( الإقطاع العسكري ) الريعي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الرأسمالية العالمية ، التي ستكون انهياره ومقتله ، فنمط الإنتاج الرأسمالي على الضفة الأخرى من نمط الإنتاج الإقطاعي الريعي ، وليس من المجازفة القول : أن الرأسمالية المعولمة في حاجة ماسة إلى الجماهير الشعبية والقوى الثورية ، التي قاطعت وغابت تماما من المشهد البرلماني ، وليس من المجازفة ، أيضا ، القول : أن برلمان 2015 ولد ولادة مبتسرة ، ولد مجهضا وميتا . هتاف الصامتين ربما يعتقد البعض أن ثورة 25 يناير قد هزمت مستلهمين نموذج الثورات من الانقلابات العسكرية ، اليوليوية ، ويقينا هذا تشوه ومسخ للثورات الشعبية ، الثورة عملية تاريخية كبرى ، مسيرة شاقة وعسيرة ، وموجات تعقب موجات ، وهاهي الأمة المصرية في لحظة تاريخية فارقة ، لحظة انتقال من دولة قديمة متهالكة ، إلى دولة جديدة ، فتية ، دولة المشاركة المجتمعية ، من دولة الديكتاتورية العسكرية إلى دولة الديمقراطية الاجتماعية والتعددية ، وقد جاءت المقاطعة بمثابة هتافا للصامتين ، مقدمة لموجة ثورية ستكون عاتية وعاصفة ، فمنذ 25 يناير دخلت الجماهير المحرومة والبائسة على خط المواجهة ، تستهدف حقوقها المنهوبة ، في السلطة والثروة والمعرفة والخدمات ، الثورة اختبرت خوف وهلع الأغنياء ، وذاقت لحم ودم الطغاة ، وما من قوة على الأرض تستطيع أن تعيدها إلى ما كانت عليه ، وفي اللحظة الراهنة ما عليها إلا تشكيل تحالفا لدعم الثورة ، والخروج الجماهيري الساطع ، إضرابات .. تظاهرات .. اعتصامات ، وهي تستلهم خبراتها وخبرات الشعوب في الثورات : اختراق أجهزة معلومات السلطة والطبقة الحاكمة ، وشل قدرة أجهزتها الأمنية ، بحرب المدن والشوارع ، وقطع الطرق والمواصلات والسكك الحديدية ووقف العمل في المطارات والمواني البحرية ثم الانقضاض على الثروات المنهوبة في بيوت المال ومحلات السلع وأحياء وقصور ومساكن وسيارات الأغنياء الفارهة ، ثم السيطرة على دواوين الحكومة وأجهزة الإعلام ، وتوجيه الجماهير الثائرة إلى مراكز ومواقع السلطة ، لتحرير الأمة والدولة من طغاتها وناهبي ثرواتها ، بالمحاكمات الثورية ، وإعادة الجيش إلى ثكناته ، وفصل وتسريح كل من يتقاضى معاشا من موظفي الجهاز الإداري للدولة ، سيان كان عسكريا أو مدنيا ، بناء دولة ديمقراطية اجتماعية عصرية وحديثة ، ينال فيها كل مواطن نصيبه في السلطة والثروة والمعرفة والخدمات . يسقط الشاويش والكاهن والدرويش
#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هنا شبرا الخيمة
-
فلسفة المقاطعة وغاياتها
-
ما بعد المقاطعة ( 1 )
-
الجرزان يخرجون من مخابئهم
-
بين المقاطعة والعزوف
-
لسنا معكم
-
اللحظة المواتية
-
مذابح الديكتاتورية العسكرية
-
رسالة إلى الأمة المصرية
-
الإخوان في فخ السلفية الوهابية
-
هذه دولة الديكتاتورية العسكرية
-
من حكم الحسيني
-
الإصلاح في مجرى الثورة
-
الديمقراطية الاجتماعية طريق المجتمعات إلى المستقبل
-
الحمار في المطار
-
من خبرات الفلاحين
-
وانتصرت اليمن
-
الاسترقاق والإقطاع العسكري
-
( مصر هبة النيل )
-
الانتخابات المملوكية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|