اطلعت على دراسة رائعة بالعنوان
اعلاه , للدكتور محمد الربيعي البروفيسور في جامعة برمنكهام , المنشورة في الصفحة
15 من جريدة المؤتمر العدد 332... والتي بينت بوضوح هوة الفجوة بين الدول العربية
ودول العالم في الحقول الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال المعرفة العربية , مستندا
على تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 المعد من قبل الأمم المتحدة ,
حيث اظهر التقرير بوضوح , بما لا يعطي الثقة بأية بارقة للأمل
<< بسبب من طبيعة أنظمة الحكم العربية القائمة , والثقافة السائدة بين
الشعوب العربية >> لتجاوز هذه الفجوة , وصولا إلى الحد الأدنى مع
ما وصلت أليه , دول من آخر قائمة الدول المتقدمة , رغم ما متاح لها من
إمكانات مادية هائلة وقوى بشرية... فالمشكلة بالدرجة الأولى متأتية من الثقافة
السائدة , و التي حملها مفكرون عرب , مع الخطوات الأولى للدول العربية في
مستهل القرن العشرين حين ظهرت كنتيجة لانهيار إمبراطورية آل عثمان , و توسعت
مع الأيام دائرة فكرهم وثقافتهم , بسبب ظروف موضوعية عكستها مأساة فلسطين ,
حيث طرحت هذه الثقافة , شعار الوحدة العربية , كبرنامج نهضوي سيحقق عند
الوصول إليه , الارتقاء والتقدم , ومن ثم امتلاك مقومات تحرير فلســطين ...
إلا إن هذه الثقافة لم تستطع تحقيق الحد الأدنى من تلك الشعارات
البراقة التي طرحتها , بسبب تجاوزها للمرتكزات و البنى التحتية الأساسية
والضرورية للوحدة المنشودة .
ومع كل ما أنتجته هذه الثقافة من أنظمة دكتاتورية
وشمولية ومن أنظمة متحجرة , نرى وليومنا هذا إنها لم تقف للحظة , لنقد نفسها ,
والبحث عن حلول ومفاهيم , لما آل إليه واقع العرب بسببها , وبعين الوقت كانت
الغطاء الشرعي لاستمرار و استئثار تلك الأنظمة بالحكم , باجترارها المتكرر
لتلك الشعارات , فلم تفكر هذه الأنظمة في البحث عن حلول لتجاوز المأساة
الحضارية , التي وصلت إليها شعوبها , أما الشعوب فقد وصلت لحالة من اليأس و القنوط
لحجم ما قدمته من تضحيات , من تقدمها وتطورها ورفاهيتها , على مذبح الأمل في الوحدة
العربية المنشودة , التي لم ولن تأتي , بسبب عجز تلك الثقافة عن إيجاد البديل
, و عجز الأنظمة عن تلمس طريق الخلاص من هذا الواقع المأسـاوي ... و استمرار
الاثنين اجترار شعارات تلك الثقافة....وخلق الأعذار وإضفاء الشرعية , أحدهما
للآخر...
أشار الدكتور محمد
تحت عنوان فرعي << الجامعة العراقية في عهد البعث>> إلى إطلاق
تسمية عالم على رجال الدين ... في الحقيقة إن صفة <<عالم>> التي تطلق
على فقهاء اللغة والآداب و المعارف الدينية , متأتية مما كان يقصد بالعلم في
فجر الإسلام هو << المعرفة knowledge>> ولــم تشـتق كلــمة<<
عــالم>> مـن المعنى اللاتيني لمصطلح<< عالم scientists >>
وللمسميتين أسبابهما أيضا , فمعروف إن فلسفة الإغريق ومن ضمن ما بحثت عنه هو سر
الوجود , السر الذي يقف وراء خلق الطبيعة والأنظمة الدقيقة المتناهية في تحكمها
بمسارات الكون , والأرض وارتباطها بالسماء , وما موجود في السماء و ما خلف
التأثيرات والمؤثرات الحافظة للنسق الرائع المنسجم بين جميع مكونات الطبيعة , وما
موجود على الأرض من أنماط الحياة المتنوعة , وتوصلوا إلى الاعتقاد بقدرة خالقة
ومتحكمة بكل ذلك ... كما توصلوا إلى حقيقة أن الوصول إلى معرفة هذه القدرة <<
التي أقرتها الأديان السماوية بالله سبحانه وتعالى>> يتطلب الإدراك التام
بعلوم الرياضيات , للبحث عن هذه القدرة , ومن ثم التحقق منها ومن وجودها, وبقدر ما
تتسع المعرفة بعلوم الرياضيات , يكون الوصول إلى إدراك هذه القدرة أسرع وأوسع
, لقد كانت الرياضيات حينئذ هي أم العلوم ... هذه النقطة هي التي أثرت
في نهج الثقافة الغربية, حيث اهتدى فيها الغربيون , إلى أسلوب النهج
العلمي بوضع كل ما يبحثون عنه وما يتوصلون أليه موضع الشك ... فلا يقين مطلق ...
وكل شيء خاضع للتجربة و لاحتمالات متعددة ... فكلما زادت المعرفة وتوسعت , كلما
أمكن الوصول إلى حقائق جديدة عن حقائق قائمة , بالضبط كما ربط الإغريق بين علوم
الرياضيات , والقدرة على الوصول إلى حقائق جديدة , أي بمعنى آخر , العلم بحقائق
جديدة , عن حقائق قائمة كوجود الكون كحقيقة قائمة , لا بد أن يؤدي البحث عن حقيقتها
إلى العلم بحقائق أخرى عنها وعن غيرها , ومن هنا جاءت كلمة علم و
<< عالم scientist>> اللاتينية.
إن إطلاق تسمية علماء على رجال الدين , لا يجب أن تؤخذ
بمفهومها اللاتيني , لأنه مناقض تماما لطبيعة معتقداتهم , لاعتمادهم العقل فيما ورد
بأمور الدين , و اتخاذهم الإيمان المطلق , بما ورد في القرآن الكريم , فلا يمكن
إخضاع إي من آيات الذكر الكريم , للتجربة و الاستقراء لمعرفة الحقيقة , فهي الحقيقة
المطلقة , و لا يمكن لهم - في أي حال من الأحوال - أن يكون الشك مدعاة للبحث عما
ذكره سبحانه وتعالى في محكم كتابه الحكيم... لذا نرى الدكتور علي الوردي<<حسب
اعتقادي>> ولغرض عدم التعارض بين تسمية << عالم>> والطبيعة
العقلانية التي يفكر بها رجال الدين , ارتأى أن تكون تسميتهم <<
عقلاء>> لمدلولاتها الأكثر دقة مع نمط نهجهم الفقهي والديني من
تسميتهم علماء ...
لقد بين
الدكتور محمد إنه ليس للعلماء الأكاديميين تلك المكانة الاجتماعية اللائقة التي
يتمتع بها الشعراء والخطباء والفنانين ... حقيقة هذا الأمر له علاقة بقيام الدول
العربية الإسلامية... فلقد عاشت هذه الدول منذ الأيام الأولى من قيامها
الصراع - بصرف النظر عن الأسباب والمسببات فذلك ليس موضوعنا- من اجل السلطة
والسعي المستمر لاغتصابها... كما عاشت الانفصال التام مع الشعب , الذي كان معارضا
معظم تاريخ الدولة العربية الإسلامية, رغم ارتقاء العلوم والآداب في فترات من
ذلك الحكم ... في ذلك الوقت لم تكن أي من وسائل الإعلام متاحة للحاكم لتحسين
صورته بواسطتها أمام الناس , وليخفي ظلمه وإجحافه بحقهم , لقد كان الشعراء والخطباء
و بعض العلماء والفقهاء , هم وسيلة إعلامه , فكانوا محط تقديره وتكريمه وتقريبهم
أليه, ومن ثم منحهم الوجاهة والحصانة بما يعزز من مركزهم الاجتماعي , وبالتالي لعب
الدور الإعلامي – بوعي منهم أو بدونه- الذي يهدف أليه الحاكم , وان ما يصح
على مغتصبي السلطة من الحكام , يصح أيضا على من حكموا عدلا وإنصافا وحقا ...
فرعايتهم للشعراء والخطباء والعلماء والفقهاء كان إعلاما وإشهارا للناس , للوقوف
بوجه المتربصين للاستئثار بالحكم واغتصابه منهم ... لقد انتقل نمط العلاقة تلك ,
إرثا متوارثا لحكام هذا الزمان , من خلال وزارات الثقافة والإعلام , خلافا لما سارت
عليه الدول الديمقراطية الحرة . وبسبب من الأهداف المتوخاة من وجود هذه الوزارة ,
ترى إن ما يلقيه الشاعر وفقيه اللغة والأدب والفنان من مكانة وامتيازات من
لدن الحكام << مع تقديري العالي لهم لدورهم الهام و الفعال في الحفاظ على
الهوية الثقافية للمجتمع و ديمومة تطورها >> , اكثر مما يلقيه
العلماء الأكاديميين , فالشعب العربي له معرفة واسعة ب <<أحمد
عدويه>> اكثر مما له عن العالم العربي << زويل>> ...
وفيما يخص وصول المتخلفون دراسيا إلى
مقاعد الدراسة الجامعية... فليس لذلك أية سابقة وليس له أي امتداد تاريخي...
بل هو انعكاس للانحطاط الفكري والأخلاقي والثقافي لسلطة بغداد... لقد شرعت هذه
السلطة قانونا يمنح الطلاب <<مكرمة>> درجات إضافية على معادلاتهم ,
لتؤهلهم الدخول إلى افضل كليات الجامعة , كتلك الكليات التي تستوجب التفوق الدراسي
, بالحصول على معدلات عالية , مثل كليات الطب والهندسة والصيدلة... إن الشروط
التي تؤهل الطالب الحصول على درجات إضافية , هي أن يكون له شهيدا من أقاربه من
الدرجة الأولى و أو من أصدقاء الرئيس و أو هو أو والده رفيق حزبي و أو رؤساء
الاتحاد الوطني , وان الدرجات لكل حالة أما أن تكون خمسة درجات أو عشرة درجات تضاف
على المعدل العام للطالب , وهي بمجموعها تكون 30 درجة إضافية ... لقد اشغل الكثير
من الطلاب المتخلفين عند تكريمهم بدرجات إضافية على معدلاتهم , مقاعدهم في
الكليات , على حساب المتفوقين منهم , وفي حالة تساوي المتفوقون والمكرمون بالمعدلات
, تكون أفضلية القبول في هذه الحالة للمكرمين , وبسب هذا الأسلوب في القبول رحل
الكثير من الطلاب المتفوقين , إلى كليات في آخر القائمة , إضافة إلى ما حرم منهم من
الدخول إلى أية كلية .
و أخيرا أود أن أبين بأن الدكتور محمد
الربيعي هو بروفيسور لقسم << البايوتكنولوجي>> في جامعة
برمنكهام/انكلترا , مختصا في هندسة الجينات الوراثية وهو مرجع عالمي معتمد في مجال
اختصاصه , مع كل ثقل هذه المسؤولية العلمية وارتباطاتها على المستوى العالمي , نراه
لا يألوا جهدا لدعم نضال الشعب العراقي من اجل الديمقراطية و
إقامة المجتمع المدني...
تقديري واحترامي للدكتور محمد الربيعي .
نوري العلي/ كوبنهاكن
عضو الحملة من اجل المجتمع المدني وحقوق العراقيين