أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى غازي الأميري - من الكأسِ إلى الحبسِ ودبيب القمل في الرأسِ















المزيد.....

من الكأسِ إلى الحبسِ ودبيب القمل في الرأسِ


يحيى غازي الأميري

الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


(1)
نظرَ إلى ساعتهِ، وبسرعةٍ
على غيرِ عادتهِ، أرتشفَ الكأسَ الأخير
من نصفِ قنينةِ العرقِ، التي دفعَ ثمنها للنادل،
وهو يبتسمُ بفرحٍ ومرحٍ وانشراح،
لإكمالهِ تخطيط َلوحته الأميرة العارية.
صب نظراته على لوحته العارية
وبنشوةِ دبيبِ الخمرِ بالرأس
تنهّد وانفرجت أساريرُ وجههِ،
وهو يُبرزُ بعناية ٍودقةٍ واضحةٍ رسمِ
الحلمتين ِالنافرتينِ
على النهدينِ الناهدين؛ فتبدوان كرمانتين ناضجتين.
تأبطَ جريدته ُودفترَ الرسم والرواية
التي اشتراها عصر هذا اليوم
(شرقْ المتوسط) * الرواية التي

حدّثه أصحابُه عنها كثيراً،
بعد أن أتم قراءة رواية (القلعة الخامسة)**.
صوتُ امُّ كلثوم (هل رأى الحب سكارى مثلنا)
يهزُ أرجاءَ القاعة، وما أن هو
يهمُ بمغادرةِ الخمارة؛ فإذا
بقوةٍ مدججةٍ بالسلاحِ تقتحمُ الحانةَ، وتنتشرُ على عجلٍ
في جميع ِأرجاء المكان.
تسمّر(سمير) في جلسته،
لم يستطع تمّيزَ أصواتِ التحذيرات،
التي اختلطتْ مع الضوضاءِ وصوت الغناء الصادح،
مسحت عيناه المكان بتمهّل لكنه
لم يتمكنْ من إحصاءِ أعداد القوات المداهمة.
وأحسَّ بأن
أحدَهم يُمسكُ به من معصمهِ بقوة،
ويهمسُ بأذنهِ: لا تتحركْ... اجلس في مكانك ولا تتحرك. وسمع
الشرطي الذي يقبضُ على معصمه
منادياً: سيدي عثرنا عليه.
يتقدم الضابطُ نحوه بلمحةِ بصر
يُحدّق به
وبصوتٍ مبحوحٍ وعينين يتطايرُ منهما الشرر
يصرخُ بوجهه:
أخيرا ً وقعتَ في قبضتِنا، وفي نفس الوقت
يضعُ قيدَ الحديد بمعصميه
اقتادوه وهو يترنّحُ بينهم من الصّدمةِ والخمر.
(2)
في الحبسِ الانفرادي
ذاقَ
أَصنافاً مريرةً
من الذُّلِّ والتَّعذيب، والرَّكلِ والجلد
والعديد من الأساليبِ المبتكرة بسياسة المساومة
بين الترغيبِ والتَّرهيب والوعيد، لكن
لم تطاوعه نفسُه أن يجمعَ {نعم ولا} في وقتٍ واحد.
يقول سمير:
(كان امتحان الامتهان والذُّل عسيراً؛ فلقد
رفضت التواطؤ على نفسي)
(3)
بعد أربعةِ أشهرٍ
من معاناةِ الذُّلِّ في الحبس
اُقتيد سمير
مُهاناً كسيراً أسيراً بتهمة لم يعرفها،
ألبسوا قدميّهِ خُفّين
وساروا به
معصوبَ العينين،
مُكبّـل المِعصمين،
خائرَ النَّفس والعزيمة
تلاحقه بالهمسِ تارةً وبالزجر ثانية
إرشاداتُ وتحذيراتُ السّجانين المفتولي العضلات ـ وكثيراً ما تسائل - (كيف يتم اختيار مثل هؤلاءِ الغلاظ) وانتبه وهو يسمع:
قِف مكانك، لا تتلم
فتحوا عينيه المعصوبتين
صعق، وأرتعدَ بدنه، وزاد وجيفُ*** قلبه، بل كاد ينخلع
وهو يرى
أمامه
خمسةَ رؤوسٍ منتفخةِ الأوداجِ تحملقُ به
وهي تجلسُ بأجسامها البدينة المكتنزةَ محشورةً
على كراسٍ حمراءَ مذهّبةٍ وثيرة
فوق منصةٍ عاليةٍ وخلفهم لوحةٌ مذهّبة مُعلقة
كُتبَ عليها بخطٍّ كوفيٍّ مزخرف
(العدلُ أساسُ المُلك)
وفوقها صورة ٌ بما يعرف (ميزان العدالة)
دارت عيناهُ بسرعةٍ في الصّالة الواسعةِ الفاخرة
صورةُ رئيس الدولةِ بحجمٍ كبير، ثبُتت فوقَ الرّؤوسِ الخمسة،
تحيطها هالة من الأضواءِ، وهي تتصدر القاعة.
مجاميعٌ من
الحرّاسِ ببنادقَ
تصوّب فوهاتها ونظراتهم اليه
تسمّرت عيناه
على قدميه اللتين كانتا عاريتين قبل قليل، وهي تقف
مرتجفةٍ
فوق النعلين
على البلاط المرمري
الأبيض
ارتعد بدنُه وهو يتنفسُ رائحةً عفِنةً
تنبعثُ من ملابسه المهلهلةِ
ركّز كلَّ انتباهه الى الصوت القادم
من الوجه المنتفخِ الذي يتوسط الجلسة وفي نفس الوقت
يقلُّبُ ملفاً ضخماً أمامه، وبدأ يتحدث بصوتٍ راعدٍ:
ـــ لا ينفعنك
أيُّ انكار بعد الآن يا سمير!
لقد سجلّنا كلَّ كلمةٍ قلتها
وأنت تتأمل وتحلم وتهذي بزنزانتك.
وبصوتٍ أعلى نبرةٍ بدأ الرأسُ الكبيرُ يسأل:
لماذا الإصرارُ عـى تحريض النّـــــاس؟
لماذا الاستمرارُ بالسّير بطريقِ الفُسقِ والمُجون؟
ألم نحذرك مـــــــــــــــــن بثِّ الأفكارِ الهدامة!
ألم نقل لك منذ زمـــــــــــــــــــــــــــن كفــــى؟
توقّف الرأسُ الكبيرُ عن الكلام.
ومال بوجهه هامساً قليلاً نحو اليمين والشمال
صوتٌ جهوري
يهزُّ أركانّ القاعة ؛ ألا وهو
ـ صوت المدعي العام ـ وهو
يقرأ لائحة الاتهام
ويطالب بإنزالِ عقوبةِ الإعدام شنقاً حتى الموت ...
أُصبتُ بالدُّوارِ وضربَ الرعبُ قلبي بسياطٍ غير مرئيّة
وجفَّ فمي، وسمعتُ صريرَ أسناني تصطكُّ بشدةٍ
وبألمٍ شديدٍ يعصرُ معدتي
تاهت وتداخلت أفكاري والأصواتُ
القادمةُ من قاعة المحكمة
كان صوتُ الادعاء العام
ومحامي الدفاع
يتداخلُ ويمتزجُ برأسي مع
أصواتِ الشَّتائمِ والسِّباب ووجع السياط
ورعب لعبة المساومة وصرير باب الحبس الحديدي.
فيما بدأت سحابةُ أحزانٍ قاتمةٍ تدنو من وجهي
إعتدل الرَّأسُ الكبير بجِلسته
وصوب عينيه نحوي
وهو يُمسك بمطرقةٍ من خشبِ الصّاج اللماع
ويتحدث بصوت قوي قاسٍ:
أجب بكلمة واحدة :
{ هل أنت مذنبٌ أم بريء }؟
صوتُ الشرطي الذي
بجانبه من الشمال يهمس بأذنه
قلتُ لك: لا تتكلم!
لم يستطع سمير التركيز
فدبيب القملُ برأسه بدأ ينهش بعنف.
الرأس المنتفخ كرر السؤال عليه مرةً ثانية:
هل أنت مذنبٌ أم بريء؟
صوتُ الشرطي من اليمين يهمس بأذنه الأخرى أخرس لا تتكلم!
القمل ينهشُ برأسه وبدنه
يمنعه من الحديث والتركيز
الرأسُ الكبيرُ بعصبيةٍ وصوتٍ قويٍّ،
أسألكَ للمرةِ الأخيرة
وأن لم تتحدث سوف نضاعفُ عليك العقوبة
الشرطيان يهمسان بأذنيه
أخرس لا تتكلم.
تململ قليلاً بقفصه
الهمسُ يصلُ مرةً أخرى
اخرس لا تتكلم
الرأس المنتفخ الكبير يميلُ بوجهه
ذات اليمين وذاتَ الشمال
الصمتُ يُخّيمُ على القاعة، الوجوه المنتفخةُ متجهمةً
المطرقةُ تهوي بعنف وبضرباتٍ متتاليةٍ على الطاولة،
وبدأ الرأسُ المنتفخُ الكبيرُ يُحدّق بي وابتدأ يقرأ :
حكمت المحكمة حضورياً على المتهم
بالسجن عشر سنوات
صُدم (سمير) ولم يتمكن من
سماع بقية الاحكام
إذ تزاحمت وتداخلت برأسه الأصوات
والأفكار وتنقلات دبيب اسراب القمل.
فجأةً
خرج صوتٌ كالرعدِ الهادر
من جوف سمير
(هذا منتهى الجور والضيم، هذا كفرٌ وظلم)
ولسعةٌ كالصاعقةِ تضربُ بدن سمير
تُسقطه أرضاً، بين الأقدام
فتح عينيه لا شيء يظهر
غير جدران رماديّة اسمنتية تحيط به من كلِّ الجهات
لم يعرف كم مضى عليه وهو بهذه الزنزانة النتنة.
تحسس بحذر ملابسه الرطبة الممزقة التي تلتصق بجسمه.
رائحة بول تزكم انفه
وهي تنبعث بقوةٍ
من صفيحة ٍمعدنية بجواره بإحدى زوايا الزنزانة
وضوءٌ خافتٌ ينبعثُ من كوّة ٍصغيرةٍ
تتقاطعُ عليها قضيبانٌ من الحديد
في أعلى جدار الغرفة
فيما بدأت تلتقط أذناه صوتَ السَّجّان
وهو يهتفُ من خلف القضبان
(أفاق سمير)
هذيان مع الفجر
مالمو في 12-12-2015
هوامش توضيحية مكملة للنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شرق المتوسط: رواية للكاتب (عبد الرحمن منيف) نشرت الطبعة الأولى منها عام (1975) تنتمي الرواية الى أدب السجون، تدور احداثها في السجون العربية ومعاناتها المريرة وكذلك تسلط الضوء على قسوة السلطة وعلى الواقع السياسي في الوطن العربي دون تحديد المكان والزمان.
** القلعة الخامسة: رواية تدور أحداثها داخل السجون والمعتقلات العراقية، صدرت الطبعة الأولى منها عام (1972) للكاتب (فاضل العزاوي).
*** وجيف: أسم مصدر وجَفَ، وجف َالقلبُ: خفَق وخاف.



#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضياعٌ وجياعٌ
- كابوس الكرسي
- كلابُ نقطة التفتيش
- أنينٌ موجع من صقيعِ السويد إلى روح صديقي فهد العزيزية صالح
- قالَ السُرّاقُ
- هوس الأبراج
- ريشة الفنانة ريام الأميري تبحر بنا في أعماق الأحلام
- خِتان على مائدةِ الفَطُور
- أقراط ٌ ذهبية ٌمهيبةٌ
- لقاء عمل على هامش زيارة رئيس طائفة الصابئة المندائيين الريشم ...
- زيارة فضيلة الرِّيشمّا ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المن ...
- جمعية مالمو المندائية في أمسية ثقافية للمقامة المندائية
- صدورٌ مثخنة بالجراح تئن ، من مسلسل إعصار لا يهدأ 6
- على أبوابِ الخيام الجديدة، من مسلسل إعصار لا يهدأ5
- عالمُ الحرية لألعابِ الأطفال الالكترونية، من مسلسل إعصار لا ...
- حزنٌ يُشبه الموتَ يخيمُ على المكانِ ، من مسلسلِ إعصارٌ لا يه ...
- القبضُ ريح/ من مسلسل إعصار لا يهدأ /2
- انهيار في وضح النهار/ من مسلسل إعصار لا يهدأ 1
- التفكير في المهجر
- بيتٌ من الشعرِ


المزيد.....




- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟
- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى غازي الأميري - من الكأسِ إلى الحبسِ ودبيب القمل في الرأسِ