|
الوجه في ثقافة المجتمع العراقي
مهتدي الأبيض
كاتب وباحث اجتماعي
(Muhtadi Alabydh)
الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 11:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أن الصفة التي تعبر عن الشرف، والتي يقررها الآخرون بالنسبة للفرد، تجد تعبيراً مؤكداً في مفهوم (الوجه). أن العبارة التي تشير إلى النقص الذي يحصل في شرف الرجل هي (تسويد الوجه) ومفهوم (الوجه) موجود ايضاً في المفردات الغربية، ويتكلمون أيضاً عن (فقدان الوجه)، لذلك ان المصطلح العربي له تأثير مشابه للمصطلح الغربي. في كل من الثقافتين الغربية والعربية، يعتبر (الوجه) مظهراً خارجياً للشرف، و(واجهة الشرف) الذي يكافح الشخص من أجل المحافظة عليه حتى في حالة ارتكاب عمل غير مشرف فعلاً، وطالما أن العمل غير المشرف يبقى غير معروف، فإن (وجه) الفاعل يبقى مصاناً، وحالما يصبح ذلك العمل (غير المشرف) معروفاً، فإن (وجهه ينفذ) كما هو الحال بالنسبة للعبارة الانكليزية، أو أن (وجهه قد أسود) كما هو الحال في اللغة العربية، أن تسويد الوجه، يعني بالطبع إن (الأسود) غير مشرف، بينما (الأبيض) مشرف. لذلك عندما يقوم الشخص بعمل يعزز من شرف الجماعة التي ينتسب إليها، فإن الاشخاص الكبار في جماعته سوف يقولون له (أنك بيضت وجهنا). وهناك فرق كبير بين الشدة التي يؤثر فيها مفهوم (الوجه) على تفكير وسلوك الأشخاص في الغرب وفي العالم العربي. وبأستخدام أبسط المصطلحات يمكن للمرء القول بأنه (الوجه) في العالم العربي، له اعتبار أكثر قوة في تقييم أعمال وأقوال، الشخص مما هو عليه الحال في الغرب، والفرق كبير إلى درجة تجعل النوعين مختلفين تماماً. ولذلك فإن المناقشة المفصلة (للوجه) وتأثيره في المجتمع العراقي تساعد كثيراً في هذا المجال(رفائيل باتاي، العقل العربي، ص182-183). أن المجتمع العراقي يكافح بشكل كبير على حفظ ماء الوجه، وهمْ المجتمع هو الحفظ الظاهري فحسب، فهم ليس ذو اخلاق ذاتية بل يهتمون بمظاهر الاخلاق حتى يكونون بأحسن وجه أمام الآخرين، فهم يراءون الناس باعمالهم الحسنة وليس هم كذلك بالفعل، فنجد ان الخداع والنصب والاحتيال وفقدان الثقة ظاهرة متفشية في المجتمع العراقي مما أثر سلباً على علاقة التبادل الاجتماعي بين افراد المجتمع فأصبحت هناك علاقة تبادلية مشروطة وليس على أساس الحس السليم، ورغم ذلك إلا ان المجتمع العراقي نراه ظاهراً ذو خُلق رفيع وكلام حسن، كل هذا من أجل الحفاظ على ماء الوجه لذلك هناك مثل عراقي يقول (بالوجه مرايا وبالكفه سلايا). أما عند الغرب المسألة تختلف تماماً، فقال لي رجل عراقي ساكن في السويد، يقول اذا كذبت على فرد في المجتمع السويدي وعلموا بكذبتك فإنك فقدت وجهك تماماً في المجتمع وعليك ان تغادر افضل لك، لكن الامر هنا مختلف فهو تراه يكذب عليك وبالنفس الوقت تراه ذو اخلاق عالية. فنشاهد ان الشخص اذا فشل او فسد في عمله فهو يحاول ان يبرر فشله وفساده ولم يعترف بتقصيره وهذا التبرير هو لحفظ ماء الوجه، كما هناك حالة متفشية في المجتمع ان النساء الباغيات التي يسكنن في المدينة يلبسن الغشاء على وجههن (البوشيه) من اجل حفظ وجوههن حتى لا يكون ذو علامة مخلة بالشرف، فضلاً عن ان الفرد اذا عمل فعل غير مشرف واساء الى أسم عائلته فيقول له أباه او أمه او زوجته (صخمت وجهي) بمعنى سودته. أن الاسم العربي (وجه)، في الوقت الذي يعني فيه، وجه الشخص والجانب الخارجي منه والمظهر والسطح وما شابه ذلك فإن له معان أخرى، وفي المقام الأول من هذه المعاني، الموقع المشرف والتفوق على الآخرين ورفعة الشأن. والاكتفاء الشخص والشخصية المتميزة، الأمير والنبيل والرجل الشريف، البداية والنية والغرض (من الكلام)، السبب والأساس، الاحترام والتقدير والتصرف والأسلوب والوسيلة، التعويض والأجور وبدل الإيجار، والمادة والفردية، وما شابه ذلك. وفي الوقت الذي تكون فيه هذه القائمة الطويلة مشوشه إلى حدً ما، فإنها بالتأكيد تشير، حتى بالنسبة لغير المتخصصين في اللغة العربية من الأجانب، إلى أنه بالنسبة للعراقي يعتبر (حفظ الوجه) بالنسبة للفرد، مسألة اكثر وزناً وصعوبة مما هو عليه الحال بالنسبة للشخص الناطق بالإنكليزية مثلاً، وذلك لأنه بالنسبة إلى الإنكليزي، لا يعني (فقدان الوجه) إطلاقاً، فقدان الشرف: فالمعاني المختلفة للاسم الانكليزي (وجه) تختص كلها بالسطح والجانب الخارجي. وبالنسبة للعراقي، من الناحية الاخرى، فإن (الوجه) و(الشرف)، بالرغم من كونهما منفصلين ومتميزين، فهما مع ذلك مفهومان ذي علاقة وثيقة جداً مع بعضها إن (الشرف) يحادد دائماً وبشكل خطير (الوجه) و(فقدان الوجه) يصطدم بـ(الشرف) إلى حدٍ ما. ولذلك، تبذل في المجتمع العراقي جهود كبيرة للحيلولة دون (فقدان الوجه). فمثلاً، يعتبر المرء محقاً في ممارسة المرواغة لغرض الحفاظ على وجهه. وإذا ما تطلب الأمر حماية شخص آخر، فإن الكذب يصبح واجباً. ويتطلب قانون السلوك المهذب من الشخص العراقي، إن يبذل جهوداً إلى أبعد الحدود، لصيانة وجهه. وإن المشقة البدنية، وحتى الخطوة منها، ستكون مقبولة إذا كانت، ضرورية لمنع فقدان الوجه. وعند محاولة العراقي الجائع لـ(صيانة الوجه) فإنه يرفض غالباً دعوة تناول الطعام، متظاهراً بأنه تناول الطعام قبل قليل، خوفاً من أن يشك المضيف بأنه ضعيف النفس، وبدلاً من البحث عن مساعدة فإن العراقي يفضل ان يتظاهر بقوله: (شكراً لله، أني بخير والحمد لله)، لأنه في حالة السؤال وحتى في حالة القبول، فإن المساعدة المعروضة أمامه قد تعني فقدان الوجه، فحتى المتسولين فالنساء منهن يغطين وجههن بالغشاء (البوشية) واما الذكور يذهبون لمدن غير مدنهم حتى لا يعرفهم احداً من معارفهم. وبسبب استبدادية (الوجه) فإن العراقي سيقوم بجهود كبيرة لإخفاء متاعبه ومشكلاته عن الأصدقاء فضلاً عن الأعداء. إن الظاهرة المعروفة في مجتمع العمل الامريكي وفي العمل السياسي بـ(تسليط الضوء على الصورة) موجودة وبحالة مكثفة في العالم العربي. وكما أشار البروفسور (كارلتون كون) المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بأنه يوجد بين العرب (نوعان من الشخصية المؤثرة، تلك الشخصية التي يظهرها المرء إلى العالم الخارجي، وتلك الشخصية التي يظهرها إلى أقربائه). وأن هذه الملاحظة المقنعة، تحتاج إلى توضيح بسيط: في كل من السلوك تجاه العالم الخارجي والسلوك داخل العائلة أو ضمن الأقرباء، يطيع العربي القواعد والأنظمة المختلفة المفروضة عليه بسبب ضرورة (تسليط الضوء على الصورة) وهذا يعني (صيانة الوجه)، وعندما يكون المرء جالساً في صحبة قريب له، فإن الشخصية الحقيقية مخفية عن ذلك القريب(رفائيل باتاي، المصدر السابق، ص188-189). لذلك ان الفرد تراه تمجد به الناس في الخارج لكن عائلته تشتكي منه فهو بالخارج ذو وجه يختلف عن داخل العائلة، وحتى صاحب المحل التجاري فنرى الزبون يمجد صاحب المحل بينما العامل يشتكي منه، فالعراقي ذو وجهين حسب العبارة الشعبية، فيتغير وجهه حسب تغير مصالحه.
#مهتدي_الأبيض (هاشتاغ)
Muhtadi_Alabydh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفهلوية في الشخصية العراقية
-
علوم الهندسة والتطرف الديني
-
(علمنة الله- محاولة علمانية جديدة)
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|