أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - أمي ...هذا الكائن الملائكي .















المزيد.....


أمي ...هذا الكائن الملائكي .


صادق محمد عبدالكريم الدبش

الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 03:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمي ..هذا الكائن الملائكي .
كائن ظهر لي حلم وحقيقة ...وغاب عني ...حلم وحقيقة
كانت مثل باقي الامهات ... تطرب بوجودنا حولها ...وتنتظر
عودتنا عندما نغيب عنها ...تعبر عن غضبها وحزنها معا
عندما لا يرضيها شئ من سلوكنا ...وتوبخنا على طريقتها الخاصة
لم أرها يوما تأكل قبلنا ...اما بمعيتنا ؟!...أو بعد أن تنتهي من
أعداد الطعام ... كانت لا تنام حتى نعود جميعنا الى البيت
كانت لا تبقي على أي مبلغ من المال تحصل عليه من والدي
أو والدها أو أخيها ..ألا ويكون بيد أولادها ...وتقول يابه !..أنا
وين رايحة ...يبقن بجيبي !...يجوز أضيعهن!..أخذوهن أنتو أحسن .
قبل أن نكبر !...والصبايا ما زلن يافعات ...وكذلك الصية
كانت في حركة دائمة !...لا تكل ولا تمل ... تخبز لنا الخبز !..وتطبخ
...وتنظف البيت ..وكانت لدينا بقرة !...تقوم بحلبها ...ومن ثم تسخن الحليب
وتضع له قليل من اللبن ..ليكون( خاثر .. روبه )...وبعد أن نأخذ منه للفطور
الصباحي ...تقوم بوضعه في ( الشكوة ) والقيام بعملية الرج ذهاب ..وأياب ، وتظيف أليه قليل من الثلج !...أو ماء بارد كي يتجمع الدهن الموجود مع الحليب ، وبعد جهد وعناء نحصل على زبدة طازجة ...ولذيذ طعمها ... وهذه الروبة تتحول الى لبن ذا مذاق طيب ولذيذ ، وكانت تحرص على الخاثر أن لا يكون حامض الطعم ...بوضعه في مكان متوسط الحرارة .
كانت تقوم بعمل الخل البيتي وبطريقتها هي ، ولا تسمح لأحد الأقتراب منه ..لأنها تعتقد بأن الخل لا يجوز أن يتعرض الى الأعين ( الخل ....يابه ..من النفس ..يخرب ) وكانت تعمل كل أنواع الطرشي
( من الخيار ...والشلغم .. والفلفل دارة ...وخلط معه الشوندر وثوم العجم والمطيبات .. من الهيل والبهار وخلطه مع الثوم والمعدنوس ، لتحشية الخيار ) وكذلك تمنع أي واحد بأن يمد يده على ( دنان الطرشي ) لأن يخرب ..ويلبن ...وكانت تضع في فتحت الدن ليفة من النخيل بعد ما تقوم بتنظيفها وغسلها جيدا ، وبين فترة وأخرى تخرجها من ( الدن ) وتغسلها وتعيدها الى مكانها ثانية .
كانت تقوم مع نساء عمومتي وهو عمل مشترك ومضني ..بعمل الدبس من التمور ...فتتم تنظيف التمور وغسلها أول ألأمر ، ومن ثم وضعه في قدور كبيرة تسمى ( جدر الدبس ) ويتسع الى مائة كيلو ومن ثم تغطيته بصواني كبيرة من النحاس ووزنها ثقيل وتغطي القدر ...ومن ثم يتم سلقه بموقد من الخشب .. فيوضع التمر المسلوق في وعاء مصنوع من ورق النخيل ( الخوص ) خصيصا لتلك العملية ، وبعد ملئ هذا الوعاء الذي نسميه ا( خلانه ) توضع على جذع يكون عرضه تقريبا يزيد على الثلاثين سم مصنوع من جذع النخيل، فتوضع الخلانه على هذا الجذع الموضوع على قاعدتين ترتفع ما يقرب من المتر عن الأرض ، وتوضع على هذا الوعاء صخرة مسطحة من حجارة ( الرحية ) التي يطحنون بها الحبوب ، ثم يأتون بعمود خشبي متين ومرن بعض الشئ وعصي على الكسر .. مصنوع من خشب ( التوث ) فيوضع هذا العمود في حفرة قد يصل عمقها من 30 الى أربعين سم داخل أحد جدران البيت قطرها أوسع بقليل عن قطر هذا العمود ، ويتم موازاتها على هذه الصخرة ، فيتم الجلوس على الطرف الأخر لهذا العمود لتتم عملية العصر ، وهي طريقة بدائية لعملية عصر التمور المسلوقة ، فتجمع هذه المواد ( شربت التمر ) ويحمل بأسطل الى صطح البيت ، ويسكب في صواني كبيرة ويترك مكشوف لعدة أيام الى أن تتم عملية التبخير من خلال الشمس الحارقة صيفا ، الى أن تكون كثافته مماثلة لكثافة الدبس الذي يتم بيعه في الأسواق ، ثم يتم تفريغه في أوعية فخارية معدة خصيصا لذلك ( دنون ) ويحفظ لفترة قد تتراوح بين السنة الى السنتين ، ويكون جاهز للأستهلاك البشري في الشتاء خاصة ..والفصول الأخرى في السنة ، وكان الدبس يعتبر غذاء رئيسي للغالبية العظمى من سكان القرى والأرياف ، وخاصة الطبقات الدنيا والفقيرة ..وهذه العملية .. يتم الأعداد لها خلال نهاية موسم قطاف التمور في شهر أكتوبر في أغلب الأحيان ...ويشترك في الأعداد لها وتنفيذها من قبل نساء البيت ، وهي من وظائف النساء حصرا .
وكذلك هناك من الأعمال الأخرى التي كانت تقوم بها الوالدة ويساعدها أخواتي ، عمل المربيات ..وخاصة مربى التفاح والتين والعنجاص في الصيف .
أما في الشتاء فكانت تصنع مربى الطرنج وهي من فواكه الحمضيات وهي لذيذة جدا وتصنع من قشور الطرنج .
وفي فترة الستينات ..كانوا قد أبتكروا مربى قشور البرتقال من خلال نقع هذه القشور وفرمها بمفرامة اللحم ، ومن ثم غليها بعض الوقت ووضع الأطر ( الشيرة ) الذي تم تحضيره لهذا الخصوص وتوضع هذه القشور المفرومة في الأطر وتحفظ في أوعبة خاصة ، وهناك أعمال أخرى على الوالدة أن تقوم بها وبمشاركة أخواتي ، وهو عمل دبس الرمان ( شراب الرمان ) من الرمان الغير قابل للبيع ، كونه متشقق نتيجة لعوامل بيئية ، وعادة تكون هذه الكميات كبيرة وتحتاج الى جهد ووقت ، من خلال فت الرمان ( أي تخليص حبوب الرمان من القشور ) يدويا بأستخدام عصا طولها أقل من مسطرة وقطرها لا يتجاوز سم واحد ، فيقطع الرمان الى أربعة أقسام ويضرب على الصطح الخارجي للرمانة فيتم تساقط الحبوب من القشرة الداخلية في ( طشت كبير لهذا الغرض ) والمرحلة الثانية هي عملية العصر اليدوي ، وكانت أخواتي يتمنعن من القيام بهذه المهمة كونها تلون أياديهم من قشور الرمان باللون البني الغامق ، كونهم طالبات ...فتتلون أياديهن ، ويعتبرن ذلك أحراج وعدم ارتياح أمام زميلاتهن ، وبعد عملية العصر يوضع هذا العصير في قدر وتتم عملية الغلي ، الى أن يصبح ذا كثافة محددة ، ويعبئ بقناني ، وكانت في الغالب يتم جمعها من شاربي الخمور المتكدسة عندهم ومن فترات طويلة وعلى مدار العام ، وبعد غسلها وتنظيفها يتم تعبأتها ، وتحفظ للأستهلاك اليومي لمائدة الطعام ولمختلف المؤكولات وعلى وجه الخصوص ( البامية ...والدولمة ) ،
وهناك أمام الوالدة مهمة عصر البرتقال الذي يتساقط أشجار البساتين !..في الرياح الشديدة والأمطار وغير ذلك ، فهذا لا يتم بيعه ، لأن لا أحد يشتريه ، فينقل من البساتين الى البيت ، فتقوم الوالدة ومعها أخواتي بعملية تقطيع البرتقالة الى نصفين ، وتتم عملية العصر يدويا ..ومن ثم ( غليه ) وأضافة قليل من ملح الليمون ( ليموندوزي ) حتى لا تتم عملية ( كثافته وتجوله ( الى ..عصير مجرش ..أو سميك ) ، وكذلك يتم حفظه في قناني مشابهة لقناني دبس الرمان .
هذه الأعمال هي موسمية ، تضاف الى أعمال المنزل المختلفة ، مثل نقل الماء من نهر ديالى ..عبر أدات تحملها المرأة على الكتف تسمى ( المشربة ) وهي من مسؤولية النساء ، كذلك عملية غسل الملابس الأسبوعي وخاصة في يوم الجمعة ..والغسل يدوي ، وهي عملية مضنية وتحتاج الى جهد ووقت كبيرين ، وكذلك هناك عمل سنوي بأخذ الأغطية ( من بطانيات ...ولحفان ..وحرامات ودواشك والقيام بغسلها في نهر ديالى وبعد الغسل تنشر على الرمال القريبة من شاطئ النهر حتى تجف ومن ثم حملها ثانية الى البيت ، وهي عملية يشترك فيها النساء والرجال معا ، والجميع يذهبون الى البساتين في ذلك اليوم ، وفي البستان يتم أعداد وجبة الغداء ، وفي أغلب الأحيان يكون الغداء ( أما تشريب عراقي ...او يتم سلق لوبيا ..أو يتم عمل جدر دولمة كبير ويحمل الى البستان ..فيتم طهيه هناك .
ولو دخلنا في تفاصيل صغائر الأعمال التي كانت تقوم بها الوالدة فسنجدها كثيرة ومتعبة ..مثل الغزل لعمل البسط والحرامات وحتى البلوزات وغيرها ، وهذه يتم العمل بها في الليل ( بالتعلولة ) يعني في وقت راحتها !ّ ...وكذلك تفقد ملابسنا ..فالذي يحتاج الى زر مفقود تقوم بوضع جديد ..والدشداشة ..أذا كانت قد تمزقت من مكان ما ..فتقوم برقعه أو خياطة الشق ، وتقوم بتفتيش البنات لشعرهن من ( القمل ) والذي كان موجود في أغلب القرى والأرياف ،، وأن كان موجود تضع مشط الخشب بالنفط وتمشط شعورهم ، وعند خروجهن من الأستحمام ، تقوم بعمل الظفائر والشرائط الملونة .
كانت تنام متأخرة وتستيقظ مبكرة ، وكأنها ماكنة تعمل على مدار الساعة .
هي مثل باقي أمهاتنا في القرى والأرياف ..تكد وتتعب ..وتبذل كل جهد للوقوف على أحتياجات البيت وألتزاماتها ، وهي المسؤولة بشكل كامل عن كل شاردة وواردة. رحمالله أمي ووالدي ...ورحمالله كل الأمهات والأباء .
والعمر المديد ..مع موفور الصحة والسعادة لمن هم على قيد الحياة ...وأقول بررو والديكم ، وأوفوا لهم النذر القليل ، وفاء لهم لجزء من الذي قامو ويقومون به من رعاية وأهتمان وعطف ومحبة أليكم أيها الأبناء والبنات ..فهذا فرض عين ..وواجب أدبي وأخلاقي وهو عرف أجتماعي مقدس ، كل العرفان والتبجيل لوالدينا ..وما قدموه ..وما بذلوه ..وما تحملوه ..وما دفعوه من ضريبة الحياة التي عاشوها ، فكانت على حساب صحتهم وراحتهم وسعادتهم .
صادق محمد عبد الكريم الدبش
11/12/2015 م



#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمالك ياشعب نايم ؟؟؟ ما تثور ! .
- تعقيب وأضافة عن القائد الشيوعي أحمد عبد الكريم الدبش .
- الأم والمراثي التي كتبت بحقها من قبل الشعراء .
- أجمل باقة ورد ...بالعام الجديد .
- عازفة الناي ...تراقص القمر .
- ماذا يجب أن تفعله الملايين ؟...بديل عن اللطم وشق الجيوب ؟
- الى كل من لم يرعى حقوق الناس .
- القوى المعادية للديمقراطية ..الى أين تتجه ؟ .
- نعي الرفيق والصديق فلاح مهدي جاسم ( أبا فداء ) .
- لحظتها في الطريق ...
- ذكرياتي عن القائد الشيوعي السوري د. نبيه رشيدات .
- مهدات الى الأديب والشاعر أبراهيم البهرزي .
- في أخر الليل ...
- ملاحم خالدة صطرها أوفياء لشعبهم ومبادئهم .
- هل أصبحنا نترحم على صدام حسين ونظامه المقبور ؟
- باقة ورد عطرة للأستاذ سعدس يوسف .
- هل نحن في دولة ( ديمقراطية ؟!! ) ؟ .
- تغريدة المساء ...
- لك مني ...أو دعك عني !
- العراق وطن الجميع ...


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - أمي ...هذا الكائن الملائكي .