كانون
ثاني 17, 2003 - 21:29
المرأة العربية تريد حلا...ولا من مجيب
الرباط:
ماذا تفعل المرأة حين يتحول البيت الزوجي إلى سجن، والزوج إلى جلاد؟
إنها تلجأ إلى القضاء طلبا لإنصافها، لكنها
تضيع في دوامة من التعقيدات والمساطر، وبطء إجراءات التنفيذ، في ظل قوانين تجاوزها
الزمن، وعقليات "ذكورية" متحجرة ترفض التأقلم مع تطورات العصر الحديث، فتكون
النتيجة تشتيت أسرة بكامل أفرادها، وتشريد أطفالها والتنكر لحقوق النساء كأمهات
وزوجات.
تعقد جمعية اتحاد العمل
النسائي في الرباط، كل عام "محكمة للنساء" رمزية تعتبر الأولى من نوعها عربيا،
وتطرح فيها قضايا المرأة عامة، قضائية وقانونية وعائلية واجتماعية، من خلال شهادات
حية مستقاة من قلب الواقع المعاش بكل أهواله.
وعقدت المحكمة اخيرا، دورتها السابعة تحت شعار :"اريد حلا" من
اجل المطالبة بتغيير مدونة الاحوال الشخصية.
وفي هذا السياق، قالت لطيفة اجبابدي، رئيسة اتحاد العمل
النسائي، ان عقد محكمة النساء السابعة، عشية انتهاء اللجنة الاستشارية المكلفة
بمراجعة مدونة الاحوال الشخصية، هو دعوة الى الارتقاء بمقاربة الاصلاح من متاهات
الخلافات والرهانات، و "التخندقات" السياسية والفكرية والمذهبية،"والبحث عن الحلول
الملموسة العادلة، والمنصفة والناجعة لمشكلات تهز اركان العديد من الاسر المغربية،
وتقوض تماسكها واستقرارها ، وتتهدد المجتمع بتحلل بنيانه الأساسي، وتفاقم مظاهر
العنف والتفكك والتشرد والفقر".
واعتبرت لطيفة اجبابدي أن "أريد حلا"، هي صرخة آلاف النساء والأطفال والأسر،
التي تصيح عاليا، أو تستنجد بمرارة "كفى جورا! كفى حيفا! كفى استهتارا بمصائرنا
وسلامتنا، وكرامتنا وحقوقنا الأساسية، التي يكفلها ديننا الحنيف، وكل المواثيق
الدولية وقيمنا".
وتضيف قائلة
أن المطلوب الآن، هو"إيجاد مدونة تكرس المساواة والعدل، والتكافل والمودة والرحمة،
والاحترام المتبادل والمسؤولية المشتركة وتضمن الحماية والسلامة الإنسانية والكرامة
والحقوق الأساسية للأفراد".
وتساءلت لطيفة اجبابدي بحسرة:" أين نحن من الإمساك بمعروف أو التسريح
بإحسان؟ وأين نحن من المودة والرحمة كأساس للعلاقة بين الزوجين؟" وتذكر لطيفة
الرجال بقول الله عز وجل: ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة
مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)-(صدق الله
العظيم)-الطلاق/1.
وتؤكد أن طرد
الحاضنات وأطفالهن، وصمة عار لا يقبلها ديننا الحنيف، ولا قيم الإنسانية جمعاء، ولا
مبادئ التآزر والتكافل الاجتماعي، التي هي من صميم تقاليدنا،" لقد آن الأوان لإنهاء
هذه الحالة الشاذة في العالم العربي والعالم الإسلامي، اللذين تقر قوانين اغلب
الدول فيهما بحق الطليقة والأطفال، في البقاء في بيت الأسرة".
* مرارة وجراح
الشهادات التي استمعت لها المحكمة كانت مؤلمة وقاسية جدا،
وتعكس أقسى حالات الإحساس بالظلم والغبن لدى المرأة.
نسوة قدمن إلى الرباط من مختلف أنحاء المغرب، للإدلاء
بشهاداتهن، والتعبير بكل صدق وعفوية وحرارة عن معاناتهن.
وكان واضحا في أصواتهن مدى المرارة التي تلون
صرخاتهن الآتية من عمق الجرح، الذي ينزف في دواخلهن.
بعضهن متعلمات، لكت اغلبهن اميات، يفتقدن الوعي القانوني
بحقوقهن، والقاسم المشترك الذي يجمع بينهن، هو الجهر بالشكوى من الرجل/الزوج، فهو
ومن خلال تجربتهن معه "قاس وعنيف، مزواج، وخائن ولا يقيم وزنا للعشرة والملح
والطعام"، حسب تعبير إحدى المتدخلات.
واحتراما للمرأة واعتبارا لمكانتها ودورها في المجتمع، فقد ترأست المحكمة
امرأة، هي نزهة العلوي، التي وصفت المحكمة بأنها "رمزية نصبها المجتمع المدني، ومنه
تستمد قوتها"، مشيرة إلى الظواهر الاجتماعية، التي تحفل بها الحياة اليومية،
وانتقدت قانون الأسرة الذي عفا عليه الدهر، ولا بد من تطويره وصلاحه لوضع حد
للتهميش الذي تعانيه النسوة المطلقات وأطفالهن في غيبة قضاياهن "مجرد أرقام وملفات
في رفوف المحاكم ".
كانت كلمتها
غاضبة، وذات نبرة عالية مفعمة بالدعوة إلى ضرورة ترسيخ العدل الاجتماعي ، لتنال
المرأة المغربية كامل حقوقها غير منقوصة، وليكبر الأطفال في مجتمع متوازن ومناخ صحي
وسليم خال من الشوائب والمشاحنات.
* حياة لا تطاق
وكانت
لحظات مؤثرة، تلك التي أنصت فيها الحاضرون إلى شهادات حية على السنة الضحايا، مغلفة
بالدموع والآهات وصرخات الأطفال الصغار، المحرومين من النفقة ومن عطف الأب ودفء بيت
الأسرة.
وكانت أول شهادة للزوجة
حياة اكزاز، التي وقفت أمام منصة المحكمة لتحكي قصتها، وابنها الصغير على ذراعيها
وكأنه يؤكد على كل كلمة تنطق بها.
وقالت أن زوجها لا يريد التفاهم معها أبدا، ويرفض الاعتراف بابنها، فهو حسب
شهادتها "يعود في الليل مخمورا، ثم ينهال علي بالضرب، فاضطر إلى المبيت عند
الجيران".
وهي الآن في بيت
والديها، هربا من هذا الجحيم الزوجي، في انتظار تطليقها، إلا أن الزوج، كما تقول
عنوة تسريحها بمعروف، مصرا على عودتها إلى "بيت الزوجية".
* أنا والعذاب
أما خديجة النقاب، فهي مطلقة بعد زواج دام (26) سنة، ولها
ابنتان في عمر الزهور، وحالتها الصحية متدهورة، نظرا لإصابتها بمرض السكري، وهي
عاجزة عن شراء الدواء، لان المبلغ الهزيل المخصص لها، لا يغطي حتى ابسط حاجاتها
اليومية مع طفلتيها، لكنها تغالب أوجاعها، وتخرج من البيت بين الحين والآخر،
للاشتغال في بعض الأعمال المنزلية وسألتها هيئة المحكمة :"هل طالبت بزيادة مبلغ
النفقة؟".
فأجابت بصوت
مكسور:"لقد تقدمت بذلك إلى المحكمة، ولكن طليقي يتجنب اخذ الاستدعاء، بدعوى تغيير
العنوان، وبالتالي فهو لا يحضر الجلسة أبدا، لتستمر معاناتي مع العذاب والفقر".
* "شيك" من دون رصيد
وحسنية بنكروم، متعلمة وعلى قدر
عال من الثقافة، فهي خريجة كلية الشريعة وتمارس مهنة التدريس، لكن كل ذلك لم يشفع
لها لدى زوجها، الذي تقول:" احتال علي بتزوير توقيعي على شيك بمبلغ مالي كبير، لكي
ادخل السجن بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، ويتخلص مني، وقد اتضح من خضوع توقيعي للخبرة
انه ليس لي، ورغم ذلك فقد تحايل على مرة أخرى للصلح".
وتضيف قائلة:" انه لم يتوقف عند هذا الحد، فقد طردني من بيتي
الذي بنيته من عرق جبيني، وبدأ يمارس الخيانة الزوجية فيه، وأنا الآن أعيش في بيت
والدي، وقد رفعت دعوى بالتطليق للصرر، مشفوعة بالملف الطبي، لكن دون جدوى، بعد أن
تسبب هذا المشكل في إصابتي بالإعاقة وأنا الآن أمامكم، امشي متكئة على عكازين فإلى
متى هذا الحال؟".
وهو تساؤل خيم
على فضاء الجلسة، مثل ظل غمامة سوداء، كاتمة للأنفاس وشعر الجميع بهذا الشعور من
جانبها بالاستغراب والدهشة والحسرة والألم، عندما توالت الشهادات واحدة تلو الأخرى.
ومن بين تلك الشهادات، زوجة
دخلت القفص الذهبي مع فارس أحلامها، "بعد قصة حب" طويلة، لتكتشف في ما بعد، أن له
وجها غير وجهه أيام الخطبة، ولتحكي حكايتها، من خلال غصة في حلقها، وتدعو النسوة
الحاضرات إلى عدم وضع الثقة إلا في الرجل الذي تستحق تضحياتهن، " لقد تسبب في تشويه
وجهي عمدا عن سابق إصرار وترصد بواسطة سكين غرسه في وجهي، بعد منتصف الليل ولاذ
بالفرار".
* عقليات قديمة
كان ممثل "الحق العام" حاضرا
بدوره وفق ما تقتضيه جلسات المحكمة، فالقى مرافعة دعا فيها إلى تجاوز الثغرات، التي
تتخلل القوانين الاجتماعية، والى تغيير عقليات الساهرين على تطبيق المساطر
القضائية، حتى لا تتكرر المآسي الاجتماعية.
وانبرت هيئة الدفاع بدورها، لتضع الإصبع على مكامن الخلل،
مشيرة إلى "النصوص" التي لا تتضمن الحلول الناجعة، وما تكرسه معظم مقتضيات المدونة
من حيف في حق النساء، وعن طول الإجراءات وتعقيدها.
ومما جاء في مرافعة المحامية عائشة القرش، أن المرأة عموما
سواء أكانت زوجة أم أما أم اختا، "تعمل في صمت، ولا تشكو ولا تئن، وهي دائما عرضة
للاعتداء، أو الطرد من البيت الذي بنته طوبة طوبة، لا لشئ إلا لأنها لا تشترط وضع
اسمها في عقد بناء أو شراء العقار، إلى جانب اسم زوجها، الذي قد يتنكر لها، ولا تجد
أي وسيلة لاثبات حقها أمام القاضي".
وختمت عائشة القرش مداخلتها بتأكيد تجاوز الخلل، عبر قانون ينظر بعين العدل
إلى جميع أفراد الاسرة، ويحمي حقوقهم من الاغتصاب.
* حكمت المحكمة
وتم تتويج مداولات "محكمة النساء" بإصدار "نص الحكم" الذي استعرض كل
الحيثيات، المتعلقة بالحياة الزوجية والعائلية.
وخلص النص إلى ضرورة "دسترة حقوق الأسرة" والقيام بمراجعة
شاملة للترسانة القانونية، الخاصة بمدونة الأحوال الشخصية لإشاعة قيم العدل
والإنصاف بين جميع أفراد الأسرة.
وركز "نص الحكم" على أهمية وضع قرار الطلاق في يد القاضي، وضمان المساواة في
طلبه بين طرفي العلاقة الزوجية.
ولم يفت "نص الحكم" الصادر عن "محكمة النساء" المطالبة بإنشاء "صندوق وطني
للنفقة" لمصلحة الزوجة أو المطلقة، وتعديل النص الخاص بأسباب سقوط الحضانة، وتبسيط
جميع المساطر والإجراءات لحماية الحقوق.
ورفعت هيئة المحكمة الرمزية المكونة من (16) عضوا، نسخة نص
الحكم إلى اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بالنظر في مدونة الأحوال الشخصية والى
كل الدوائر الرسمية .
* ابنتي
خرجت ولم تعد
قصة مادية بيزوار،
جديرة بان تروى فقد جاءت الى "محكمة النساء" نيابة عن ابنتها، التي اختفت عن
الانظار، لتحكي المأساة كما عاشتها.
قالت انها كانت ضد زواج ابنتها برجل لم يرتح له قلبها لانه متزوج من قبل
بامرأتين، ويستعمل حسب شهادتها الشعوذة في حياته اليومية.
ولم يعمر الزواج طويلا ، فقد كان مثل كابوس
مزعج، مشحون بالخصام والمشاحنات والعنف الجسدي والمعنوي.
وذات يوم كانت الزوجة في زيارة إلى بيت اهلها،
فتسلمت عبر البريد ورقة طلاقها، بعد أن احتال عليها الزوج وبأسلوب ملتوي، جعلها
توقع على وثيقة تتنازل فيها عن حضانة ابنها الوحيد، وتمضي الام المكلومة في رواية
قصة ابنتها، فتقول بصوت حزين:" طرقت ابنتي كل الأبواب لاسترجاع ولدها إلى حضانتها،
دون جدوى وحين أصابها اليأس تدهورت حالتها الصحية، ثم غادرت بيت الأهل في غفلة عن
الأعين دون رجعة، ولا اعرف مصيرها حتى الآن، أنا حائرة ومشتتة الذهن، وممزقة، وأحس
بالهوان، من يعيد الي ابنتي؟ ساعدوني، و(تنخرط في البكاء).