عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)
الحوار المتمدن-العدد: 5002 - 2015 / 12 / 1 - 01:04
المحور:
الادب والفن
الشغف بالماضي أو حتى الحنين إليه يتلازمان في كثير من الأحيان معنا. يشكلان جزءاً من هويتنا يفرض نفسه عليها أحياناً ويطبعها به. وبينما نتقدم إلى الأمام نجد دائماً ما يتعلق بنا منه.
الغريب أنّ بعض عناصر هذا الحنين لا ترتبط بما اختبرناه أو عشناه أو بما تزامن مع وجودنا. بل قد يكون ضارباً في القدم مرتبطاً بفترة ما نرغب -بالرغم من تأكدنا من عجزنا- بالعيش فيها وتشكيل جزء منها.
هي مسألة العصر الذي نسبقه، أو الذي يسبقنا ويتركنا متخلفين عنه. مثل هذا الجنوح باتجاه الماضي يجد تفسيره في علم الاجتماع السياسي من خلال الأصولية، التي تروم نقل المجتمع برمته وتثبيت أسسه في مرحلة ازدهار معينة تشكل أعلى مراتب بروز الفكرة وتطبيقها معاً. لكنّها نظرية تغفل تماماً عن كون المجتمعات متحركة، وحراكها السياسي والاجتماعي المرتبط بالاقتصادي، إنما هو ابن عصره.
لبنانيون كثر يجدون أنفسهم مشدودين إلى تلك النقطة الجذابة. بعضهم يرغب في العودة إلى زمن الحرب حتى. هو ربما اختبر ذلك الزمن، لكنّه لا ينتبه لتغير كثير من المعطيات حتى في دواخله هو بالذات. فتأييد أمر ما في وقت ما، ليس بالضرورة أن يكون هو نفسه في وقت ووعي آخرين. بعضهم يرغب في العودة إلى ما قبل أن يولد حتى، ولأسباب سياسية- مذهبية أحياناً. كأن يرغب في العودة إلى زمن لم تكن تنازعه على "دولته" طائفة أخرى. أو أن يعود إلى زمن كانت تشكل "دولته" جزءاً من دولة أكبر.
وبين هؤلاء وهؤلاء يسبر الباحثون في التاريخ الاجتماعي- الاقتصادي، بكلّ مكوناته وملحقاته الأخرى، عناصر العصر، ويحاولون أن يفسروا سبل تطوره. هي نظرة تخبرنا الكثير عن واقعنا الحالي بكلّ ما فيه من غموض وغرابة أحياناً، ووضوح فجّ في أحيان أخرى.
تهيأ لي أن أقرأ، على سبيل المراجعة، مخطوط كتاب عماد الدين رائف الذي يوقعه الخميس المقبل في "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59" بعنوان "حكايات كوندوروشكين.. لبنان قبل قرن بريشة روسية". هو كتاب عن كاتب روسي عاش في لبنان أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. لكنّه بالذات عنّا –نحن اللبنانيين- كما اختبرنا شاب روسي جاء للعمل في هذه البلاد قبل استقلالها عن السلطنة العثمانية، في أوج رعاية كلّ دولة كبرى لطائفة من طوائفنا.
محاولة رائف في استحضار كاتب يجهله معظم الناس، خصوصاً في حكاياته عن هذه المنطقة، ترشدنا إلى مستوى آخر من تفسير تطورنا هذا. وربما... ربما تلمس تلك الرغبة لدى البعض في العودة إلى تلك الحقبة بالذات، فيرغب أكثر فيها، أو يعرض نهائياً عنها.
#عصام_سحمراني (هاشتاغ)
Essam_Sahmarani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟